22 نوفمبر، 2024 10:16 م
Search
Close this search box.

لا تتعجبوا ! فموقف السنة اليوم من داعش كموقف الشيعة من الثورة الايرانية عام 1979

لا تتعجبوا ! فموقف السنة اليوم من داعش كموقف الشيعة من الثورة الايرانية عام 1979

خلف المواقف تقف اما المصالح او العقائد والشعوب في العالم تحركها العقائد والمشاعر الوطنية والدينية في الغالب وليست المصالح على عكس الحكومات, واذا كانت مواقف الحركات والاحزاب الاسلاموية السنية تتحرك وفق اجندات او ايديولوجيات محددة فان الشعوب الاسلامية خاصة السنية تحركها احداث مثل قصف غزة من قبل اسرائيل او صورة كاريكاتورية للرسول الاكرم او حرق المصحف من قبل قس اميركي معتوه يبحث عن الشهرة او رواية اوروبية تلفت الانظار الى ممارسات العنف الجسدي ضد المرأة المسلمة اومقطع فلم يسيء للاسلام, حيث نرى خروح الحشود المليونية في اغلب العواصم العربية والاسلامية تنند بالافعال النكراء التي تسيء الى المقدسات غير ابهة بمصالحها وصورتها الحضارية امام العالم وغافلة عن متغيرات الزمان والمكان ومفهوم القداسة النسبي لدى الحضارات المختلفة, فهناك من يقدس الجرذ والبقرة والقرد وهذا يعني ان مسالة القداسة نسبية زمانا ومكاناً, غير ان الشعوب المتخلفة تكون متخشبة في عقائدها ولا تفهم هذه التحولات الحضارية التي هي سنة من سنن الله في خلقه. وما يثير الدهشة حقا ان تخرج عشرات الملايين منددة برسوم كاركاتيرية مسيئة للرسول الاعظم محمد(ص) الذي لن يضره شي منها ولم يزده في العالم الا ضياءاً ووهجاً لانه تعرض لاقسى منها في حياته فسدده الله واكمل رسالته على افضل وجه, ولكن نفس هذه الشعوب لا تخرج في اية تظاهرة منددة عندما يعدم الداعشيون بدم بارد 1700 شاباً او اكثر في معسكر سبايكر ضمن اكبر مجزرة منذ حرب التوتسي والهوتو في رواندا فشاهد فيديو الاعدامات ملايين المسلمين “السنة” حول العالم دون ان تهتز لهم شعرة وكذلك عندما تسبى نساء اليزيديين وتُباع بدراهم معدودة في اسواق الموصل بل العجب كل العجب انه عندما تخرج مظاهرات منددة بداعش واجرامها تخرج مظاهرات مضادة داعمه له وتتعرض للمتظاهرين بالساح والتهديد كما حدث في هامبورغ مؤخراً! فما هو السر وراء الصمت السني المريب؟

دعونا نعود الى الوراء الى عام 1979 عندما قامت الثورة الايرانية وتسلّم الخميني لمنصب الحاكم المطلق المعروف باسم الولي الفقيه وبدأ حملة تصفية المناوئين للثورة واعدامهم علنا في شوارع طهران وتعليقهم برافعات البناء فوصلت اعدادهم بعد سنتين من الثورة الى بضعة الاف اضافة الى عشرات الالاف من المعتقلين في السجون وربما بعضهم لحد الان, فحينها لم تخرج اصوات شيعية منددة بالابادة الجماعية للمعارضين من قبل الخميني مع لحاظ ان المعدومين كان معظمهم من الشيعة فكان الاحرى ان يعارض الشيعة قتل ابناء عقيدتهم ولكن اين السر؟ وهل هناك من تشابه بين موقف السنة اليوم من داعش وموقف الشيعة من الثورة الخمينية قبل ثلاثة عقود ونصف؟

العقدة في العقيدة!

يعتقد الاسلامويون سنة وشيعة بوجوب اقامة دولة اسلامية مثالية حيث تطبق فيها احكام الشريعة في الثواب والعقاب وكلا الطائفتين لها نظريتها السياسية في الحكم, فقد طور رجال الدين الشيعة عبر القرون نظرية غاية في البساطة هي السر وراء انتشارها وبقائها ليومنا هذا وتتمثل نظرية الحكم الشيعية لدى الامامية الاثني عشرية وهم الاغلبية, ان الله تعالى حينما بعث نبيه محمد (ص) كان قد حدد مسبقا من هو الخليفة من بعده وهو الامام علي ابن ابي طالب ابن عمه وصهره, اي ان تداول الحكم يكون بالتنصيب وليس بالشورى او بالقوة او غير ذلك وهذا الامام او الخليفة له صلاحيات نقل الخلافة بالوراثة فحدد من يكون من بعده وهو ابنه الاكبر الامام الحسن ثم الابن الذي يليه وهو الامام الحسين ومن بعده تسعة ابناء من ذرية الحسين وتنهي السلسلة بعد تسعة اجيال عند الابن التاسع من سلالة الحسين وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسىى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب لقبه المهدي وهو ما يعرف بالامام المهدي الغائب عن الانظارمنذ اكثر من 1200 سنة لخوفه من اعدائه المتربصين به وهو لدى الشيعة المنقذ الذي سيخرج في اخر الزمان لاقامة دولة العدل الالهي وتحقيق المدينة الفاضلة فيمد الله في عمره ماشاء ثم تقوم القيامة وينتهي “الفلم”, ومالم يظهر هذا الغائب المنتظر ليقود حركة تحرير العالم من الظلم والعبودية فكل محاولة للحكم هي غير شرعية وفي اقل تقدير ناقصة او فاشلة!

وعندما طال الانتظار اكثر من الف سنة ولم يظهر هذا الامام الغائب الخائف رغم دعواتهم على مدار الفية كاملة له بان يبدله الله من بعد خوفه امناً, بدأ بعض منظري الفكر الشيعي باجراء تعديلات على نظرية الحكم الوراثية وتمكنوا من ابتداع نظرية ولاية الفقيه التي تنص على اعطاء الفقيه المتخصص بعلوم الدين صلاحيات مطلقة في الحكم مستنبطين الفكرة من نظرية الحكم الوراثي السابقة مع اضافة نظرية النيابة اليها واعتبار الولي الفقيه هو نائب الامام الغائب ويتمتع بصلاحيات الامام في الحكم بشكل كامل في عصر الغيبة, وهكذا استغل الخميني هذه النظرية واستطاع ركوب موجة الثورة الشعبية في ايران ليتم اختياره كممثل للشعب الايراني وليقوم بعدها بتصفية خصومه وتعليقهم على المشانق في ساحات طهران مع تكبيرات وتهليلات المناصرين!

داعش لايختلف كثيرا في المبدأ عن الثورة الايرانية الا انه يختلف في الاصل الفقهي وفي المنهج الذي هو ينطلق من القاعدة الفكرية.

وبداية فان داعش كان عبارة عن مجموعات اسلامية مسلحة ركبت موجة الثورة ضد نظام بشار الاسد على غرار الثورة ضد الشاه الى ان تحول الى هذا الغول المدمّر الذي نعرفه اليوم.

ولفهم داعش علينا ان نفهم الفكر السياسي السني او نظرية الحكم السنية, ففي الوقت الذي ينطلق الفكر السياسي الشيعي من النظرية الى الواقع ويحاول تطبيق النظرية كما هو الحال مع نظرية الامامة وولاية الفقيه على الامة فان الفكر السياسي السني يتمتع ببراغماتية كبيرة, فهو ينطلق من الواقع ويؤسس اعتمادا عليه نظريته في الحكم, وهكذا فان الحاكم يكون شرعيا وله الولاية على الامة وتجب البيعة له سواء ان تم اختياره بالشورى والاجماع النسبي كما حدث مع ابي بكر او سواء بالتنصيب المباشر كما حدث مع عمر بن الخطاب او من خلال اختيار النخبة له كما حدث مع عثمان بن عفان وشورى الستة او بالبيعة الشعبية كما حدث مع علي بن ابي طالب او انتزع الحكم بالقوة والحرب كما فعل معاوية مع علي او بنقض العهود كما فعل معاوية مع الحسن بن علي او بالوراثة كما حدث مع يزيد بن معاوية وفترة الحكم الاموي او بالانقلابات والثورات كما حدث مع العباسيين عندما قادوا ثورة ضد الامويين او بالدسائس والتغلغل والسيطرة على الدولة تدريجبا كما فعل العثمانيون. الفكر السياسي السني يشرعن السلطة للحاكم بغض النظر عن الوسيلة التي وصل بها الى الحكم, فكل من ذكرنا من حكام وخلفاء هم مطاعون وصحابة وكرام ومن اصحاب الجنة يترضى عليهم السنة عند ذكرهم وبذلك فان نظرية الحكم السنية تقوم باختصارعلى مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة” فطالما ان الغاية هي اقامة دولة الحكم الاسلامي فان اية وسيلة تعتبر شرعية وحتى ولو كانت تعني تدمير البلاد وسبي العباد وقتل المخالفين وبيع نساء الديانات الاخرى, وعليه فان مثقفي ومنظري الفكر السياسي السني في ازمة حقيقة مع انفسهم ومع الفكر الذي يتبنوه لان ادانة داعش تعني ادانة الاسلام كله بالنسبة اليهم بل وادانة كل الحكام والخلفاء بعد النبي الاكرم اللهم باستثناء الخلفاء الراشدين بغض النظر عن الجدل التاريخي حول شرعيتهم او شرعية طريقة وصولهم الى السلطة والخلافة بين السنة والشيعة.

ان ادانة داعش تعني ادانة معاوية ويزيد وبني امية وبني العباس والعثمانيين بل وادانة كل الحكام الحاليين فكل ما قام به داعش قد سبقه اليه من ذكرنا ولعن ابو بكر البغدادي والتبرء منه يستوجب لعن معاوية ومن جاء من بعده! ومن يجرء على لعن معاوية؟ لان لعنه يعني لعن كل الحكام العرب الحاليين وطالما لايجرء وعاظ السلاطين اليوم على انتقادهم فكيف يتسنى لهم اصدار فتاوى لعن وتكفير داعش؟ وعليه فان الفكر السني يواجه اكبر ازمة فكرية تهدد وجوده وتدمر نظريته التي بنى عليها حكما استمر لاربعة عشر قرنا بالنار والحديد والقتل والجماجم.

داعش ينطلق من هذه القاعدة السنية في الحكم فهو يسعى الى الوصول الى الحكم لتطبيق الشريعة وطالما هذا الهدف هو هدف سامي فاية وسيلة تعتبر شرعية وقد سبقه الاولون اليها وهو بذلك لايشذ عن اية قاعدة او ممارسة سابقة, الفرق ان توقيت وعصر ظهور داعش هو سبب ازمته, فالتركيز الاعلامي في عصر العولمة على عملياته ضد المدنيين والمدن والقرى التي يسيطر عليها وتحويله الى غول وشيطان مرعب هو مشكلة داعش في الواقع, والا ما يقوم به لا يختلف عما قام به من سبقوه الى حكم الامة الاسلامية, فاذا اعتبر المنظرون داعش خارجا على الحاكم الشرعي في اية دولة عربية, فقد سبقه تاريخياً معاوية الى نقض البيعة والخروج على الحاكم الشرعي وممارسة السطو والقتل بعصاباته على حدود ولاية علي بن اي طالب لاضعاف حكمه وبسط نفوذه على مناطق اكبر وسبقَه يزيد بن معاوية الى قتل الحسين سبط النبي محمد وسبي نساءه وقطع رؤوس اتباعه والعبث بها كما يفعل الداعشيون اليوم وتعاون العباسيون مع الروم والبيزنطينيين لمحاربة اخوانهم في الدين حكام الدولة الفاطمية الى اخر تلك الامثلة التي لا تعد ولاتحصى فداعش لم يات بجديد اطلاقاً بلحاظ دورة الحكم السني في التاريخ الاسلامي.

الخلاصة ان داعش ولد من رحم الفكر السياسي السني وهو ابنه الشرعي وعليه يجد السنة شعوبا وفقهاء وعلماء حرجا كبيرا من التنديد به بل ويدعوا الكثير منهم له بالنصر والسداد وهناك من يمده بالمال والسلاح وهناك من يعمل على ديمومة بقائه أملاً للامة بالضبط كما يفعل الشيعة مع الجمهورية الاسلامية في ايران ويدعون لها بالسداد والنصر ويتعاملون معها كاخ كبير بل ويقدم الكثير من الساسة العراقيين مصلحة ايران على مصلحة بلدهم منطلقين من نفس الاسس الفكرية في اقامة الدولة الاسلامية وكل يرى في نفسه الصواب والفرق الوحيد هو في الممارسات والجزئيات بين الحالتين الا ان الاطار العام يجمعهما وان عادى بعضهما البعض على ارض الواقع.

لن يتمكن السنة من الخروج على داعش وفكره كما لن يستطيع الشيعة الخروج على الولي الفقيه مالم يقوم مفكريهم بتعديل نظرية الحكم واعتماد مبدأ حاكمية الامة على نفسها دون اكراه او اجبار بقوة السلاح وقطع الرؤوس او التعليق على المشانق وعليهم الافتاء بان من يخرج على حاكمية الامة على نفسها هو غير شرعي وخارج عن القانون والدين والشرع, والشروع في تعديل مناهج الدراسة وتلقين الاجيال فكرة قبول الاخر على قاعدة “لا اكراه في الدين (البقرة 256)” وقاعدة “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر(الكهف29)”, ويجب النظر الى اساليب الحكم في التاريخ الاسلامي على اعتبارها محاولات وتجارب مضت الى سبيلها لا اعتبارها قواعد اصولية في استنباط نظرية حكم تلفها القداسة المصطنعة, وعليهم طي صفحة تلك الحقب المظلمة من تاريخ الاسلام والمسلمين على قاعدة “تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون (البقرة134)”. أقول مالم يتم هذا فلن نرى تظاهرات ضد داعش حتى لو قطعت رؤوس اهل الارض كلهم من المخالفين لهم وسيبقى من يدعو لهم بالسداد والتوفيق لاقامة دولة داعش الالهية كما يدعو الشيعة الى بقاء دولة الولي الفقيه حتى لو زج بكل الايرانيين في سجونه باسم الحرابة ومعاداة الله ورسوله, وكلاهما باسم الحاكمية الالهية كأنهم اخذوا عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده.

*[email protected]

أحدث المقالات