12 أبريل، 2024 5:22 م
Search
Close this search box.

لا تتركوا احمد ملا طلال وحيدا

Facebook
Twitter
LinkedIn

إن عملية توفير المعلومة للجمهور تحمل في أحد جوانبها مبدأ تقاسم المعرفة، الضروري للفرد ليحدد قناعاته ويكون فاعلا في مجتمعه، والضروري لصانع القرار ليتخذ من القرارات ما يتناسب مع احتياجات المجتمع، والضروري للمجتمع نفسه ليحدد خياراته واتجاهاته وآرائه العامة. لذلك تكفل الدساتير حق التعبير عن الرأي، وحقوق النشر والبث، وحق الحصول على المعلومة، من هذا المبدأ انطلقت فكرة السلطة الرابعة. ذات الطابع الاعتباري.
توفير المعلومة للفرد وللمجتمع هي اول وظيفة للعاملين في مجال الصحافة، وخصوصا العاملين في قطاع الاخبار والبرامج السياسية، وهذه واحدة من الأمور التي لاتزال غامضة في مجتمعاتنا بسبب غياب دور الفرد بإزاء المجتمع، وغياب المجتمع بمواجهة الدولة، وغياب الدولة أمام المؤسسة السياسية الضاغطة. او امام الزعامات الفردية في حالة دول الشرق الاوسط.
تتولى الصحافة ايضا مهمة جسيمة هي الحفاظ على مصالح المجتمع وهذه مهمة من أخطر المهمات، فالجمهور ينتظر من الصحافة أن تكون لسان حاله والمعبر عنه منعا لتغول السلطات المتنوعة، كسلطات الدولة الثلاث او سلطات المجتمع كسلطة الطائفة والقبيلة والمذهب أو سلطة المال. لذلك تهتم الصحافة مثلا بمراقبة تركيبة السلطة السياسية داخل المجتمع وتمثيل مصالح ذلك المجتمع امام السلطة. وتراقب أداء الدولة ومؤسساتها وطرق إنفاق المال العام وغيرها. وتولي البلدان الديمقراطية هذه الوظيفة الكثير من الاهتمام باعتبارها خط دفاع أخير عن مصالح المجتمع.
هذه المقدمة ضرورية للتعليق على تلقي الزميل احمد ملا طلال تهديدات من أحد النواب بعد ان نشر معلومات عن عمليات تلاعب بأصوات الناخبين. فمثلما يسعى الصحفي للحماية مصالح المجتمع على المجتمع أيضا ان يقوم بدوره بحماية الصحفي.
في تقديري ان الزميل احمد ملا طلال قام بوظيفتين هامتين من وظائف الصحافة أولهما سعيه لإيصال المعلومة للجمهور وهذا حق كفله الدستور للمجتمع، قبل ان يكون مجرد تعبير عن الرأي وهذا حق دستوري ايضاً. الوظيفة الثانية هي سعيه حسب اجتهاده لتحقيق مصالح المجتمع او الحفاظ عليها من خلال كشف محاولة العبث بخيارات الناخبين.
للأسف مازال البعض ينظر للإعلام باعتباره مساحة للتوظيف السياسي المحض دون ان ينتبه الى المتغيرات الكبيرة التي طرأت على الفكر والاجتماع والسياسة والثقافة التي تلعب فيها وسائل الاتصال دورا محوريا، ومن دون ان ينتبه الى التحولات في بنية الصحافة والاتجاهات الصحفية الحديثة، وهذا عائد في رأيي إلى ميراث غير منظم من التقاليد السياسية التي رافقت بدايات العمل الحزبي في العراق، ولاتزال هذه التقاليد هي المهيمنة على العقل السياسي النظري العراقي، وعائد ايضا الى كل الممارسات التي كرسها علم الدعاية عبر عقود. وعائد غلبة منطق ما قبل الدولة الذي لا يؤمن بدور القضاء في حل النزاعات.
شخصيا أدين محاولة الترهيب هذه، لأنها تجاوز على حقوق المجتمع من جهة، وعلى حقوق الصحفيين من جهة أخرى. واتمنى من الوسط الصحفي وقفة جادة لوقف حالات التجاوز التي جعلتنا نخسر الكثير من الطاقات الصحفية اللامعة التي لم تستطع بأقلامها العزلاء ان تواجه جبروت السلطة والمال والسلاح. قضية التهديد الذي يتعرض له احمد ليس خاضعا للحسابات السياسية والاهواء لنتعامل مع ” الشرقية” او أحمد الملا طلال بمنطق “مع او ضد”، سواء اعجبنا ما يقدمه أو لا ، بل هو قضية تهمنا كأفراد في هذا المجتمع الذي تواجه فيه السلطة الرابعة ضغوطاً وتهديدات غير مقبولة، السلطة الرابعة سلطة اعتبارية احدى مهماتها الحفاظ على مصالح المجتمع، تقوى هذه السلطة بقوة دعم الدولة والمجتمع لها، فلا تتركوا ملا طلال وحيدا .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب