قبل ايام تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطعا لأحد العمال وهو يستهزيء ضاحكا من حالة الترف التي يعيشها (قادة العراق الجدد) من خلال وصفه للقاعة التي عمل على تنفيذ ديكوراتها الباهضة ومساحتها الشاسعة في المنطقة الخضراء والمزودة بأحدث أجهزة المساج ، ودوافع ضحكه على ما يبدو هو تعبير عن الالم والاسى لما يواجهه من معاناة حياتية للحصول على لقمة العيش في حين يصر (سكان المنطقة الخضراء) الامعان في تحقير الشعب والحط من قدره وهو يواجه العوز والفقر وحاجة غالبيته الى السكن اللائق في حدوده الدنيا ، في حين هم يتفنون في البناء داخل المنطقة المحصنة والمناطق الراقية التي استولوا عليها والمزودة بافضل الخدمات ومن المال العام وحتى في احلك الظروف المالية للبلد ، لانهم وببساطة اوجودوا تشريعات لا مثيل لها في التاريخ الغابر ولا التاريخ المعاصر في رواتب غير مألوفة تمثل سابقة خطيرة لا توافق الشرع والعقل والمنطق ، تتجاوز في اقيامها ما يتقاضاه اعلى المسؤولين في اغنى الدول في العالم ، مع ايجاد منافع اجتماعية تتجاوز ملياري دينارعراقي يوميا لرئيس السلطة التنفيذية واقل منها لرئيس الجمهورية ونوابه وهذه معلومة مؤكدة ، لا تخضع للتدقيق وبالتالي لا يسأل المسؤول عن ابواب ووجهة صرفها على عكس القاعدة السائدة عالميا وحتى في العراق قبل تولي صدام حسين للسلطة بخضوع صرف المال العام للتدقيق والمحاسبة اينما وجد ، هذه الفوضى بالتأكيد تثيرشهوة من لم يمتلك ألايمان الديني الراسخ او العقائدي الحق للسرقة
فمثلا رواتب الرئاسات تتعدى رواتب رئاسات اكبر الدول المتطورة اقتصاديا مع الفارق النوعي في الاداء في تلك الدول ، اما الدرجات الخاصة وعددها مهول في الدولة العراقية فرواتبهم لا نظير لها في المؤوسسات الحكومية العالمية بأستثناء مؤوسسات القطاع الخاص حول العالم التي تمنح رواتب حسب الكفاءة ومقدار المردود المالي لأدائهم ، فمثلا لدينا اكثر من 2700 موظف بدرجة وكيل وزارة وأضعاف هذا العدد من الدرجات الخاصة التي و كما صرح احد المسؤولين انها بحدود 250000 مائتين وخمسون الف درجة تم منحها على خلفية (نضالات حزبية ) وصداقات شخصية وصلات قربى بالمسؤولين الكباروأثمان لتوافقات سياسية لا علاقة لها بالمصلحة العامة ، وضخامة رواتب هؤلاء ليست هي المشكلة الرئيسية ، بل هنالك ما يفوفها ضعفا والمتمثلة بالامتيازات الممنوحة لهم كأجور العلاج والدراسة خارج العراق لهم ولعوائلهم والايفادات والمؤتمرات عبر رحلات من الدرجة الاولى ، في وقت يتخلى رؤوساء ومسؤولين في دول اخرى (كافرة ) مسؤوليها ليسوا (مؤمنين كجماعتنا) عن طائراهم الرئاسية او السيارات الفارهة حرصا منهم على المال العام
والادهى من ذلك شرع (المجاهدون ) ميزة احتفاظ المسؤول عند انتهاء فترته للمسؤولية براتبه او اقل قليلا حتى وان بلغت فترة خدمته اياما خلاف قانون التقاعد الذي هو الفيصل أضافة الى احتفاظه بسكنه في المنطقة الخضراء او الدور التابعة للدولة لانهم جميعا يأبون العيش مع بقية العراقيين ، ربما احساسا منهم برقي اجتماعي او انهم جنود الله على الارض كما يظنون ، مع اعداد حماية مبالغ فيها جدا قد يبلغ احيانا المئات ولبعضهم بضعة الاف من العسكر بعدتهم وعديدهم التي تكلف الدولة ملايين الدولارات شهريا رغم ان مناطقهم بالاجمال محصنة امنيا ، وهذه الميزة مستمرة مهما كان الوضع المالي للعراق ، وقد قيل قديما (تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة …..فـإن رفـيع القوم من يتواضع)
واغلب (السادة ) اصحاب الرواتب الخاصة من رئاسات ودرجات خاصة لهم خصال (نضالية) استحقوا اقيامها نقدا في الدنيا بخلاف سلوك امير المؤمنين علي بن ابي طالب الذي تأسى بسلوكه شخص غير مسلم مثل نلسن مانديلا ، استحقت تلك الخصال النضالية مبلغا شهريا لا ينقطع سواءا اكان صاحبها يتقاضى راتبا او حقوقا تقاعدية ، والادهى من ذلك عندما يعاد ها الصنف من الشخصيات الى موقع المسؤولية مرة اخرى فيكون استحقاقه راتبه الجديد وراتب المسؤولية السابقة ومبلغ النضال ، واذا كلف بمسؤولية اخرى فأنه يستحق راتب المسؤولية اللاحقة ليكون راتبا ثالثا او رابعا او خامسا ، (رحمك الله عبدالكريم قاسم الذي أكتفى براتب وزير الدفاع رغم أنه كان وزيرا ورئيسا للوزراء وقائدا عاما للجيش ، هي هكذا رجالات الدولة والا فلا )
من الفضائح الاخرى التي تدلل على عدم حرص المسؤولين في العراق هي تمتع القادة الكبار وعددهم ايضا مهول وهي من افرازات سياسة المحاصصة و التوافق وأرضاء الجميع حيث لابد من التعامل بالمثل للجميع من خلال الاستيلاء على ممتلكات الدولة او الممتلكات العائدة لأركان النظام السابق مع احداث فقرة شمول اعمارها او صيانتها او توسيعها من المال العام ، وبالفعل تم صرف مبالغ صادمة للكثير منها للاغراض التي سبق ذكرها وتعدى بعضهم لتوفير مقومات الرفاهية فيها وانشاء القاعات الكبيرة لغرض الاجتماعات مع التأثيث تجاوز صرف بعضهم المليار ديناربل ومنهم من وصل في الصرف الى عتبة الاربع مليارات دينار ( هه المعلومات مستقاة من شركاء السلطة) ، مع وجود بند لا يقهره الزمان مهما كانت ظروف العراق المالية هي التجديد المستمر للأثاث والسيارات الفارهة ذات الكلف التشغيلية العالية
ومن الامتيازات المخفية عن عامة الجمهور…. هنالك قروضا بدون فوائد يقال ان بعضها تصل الى المليار دينار تحت شتى المسميات ، والمخفي فيها انه يمكن اطفائها دون تسديد وفق بند (النضال ) حسب ما صرح به الشيخ رحيم الدراجي
اما التوظيف الذي كسر ظهر العراق ماليا فهذا بند لوحده يمكن ان يقدم بسببه العديد من المسؤولين التنفييذيين للمحاكم الخاصة لكونه يشكل اضرارا متعمدا للاقتصاد وللمال العام ، والذي استغل ويستغل للدعايات الانتخابية و تعول كل الكتل عليه للحصول على مكاسب انتخابية كما في الدورات الانتخابية السابقة وكذلك اللاحقة مما يعزز عدم التفاؤل بفرضية وجود تغيير في الخارطة السياسية مستقبلا ، (وقد اشرت بالتفصيل في مقالات سابقة عام 2009 وعام 2019 بهذت الشأن) .
ومن المفارقات الغريبة والمستهجنة وطنيا هي قيام الدولة بتمويل الكيانات السياسية ومنحها المقرات والابنية الحكومية باسعار رمزية مما جعل عملية تفريخ الاحزاب مستمرة من اجل الفوز بتلك الامتيازات مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي وبالتالي زيادة التنافس الغير نزيه
لذلك لا نستغرب اطلاقا ان تكون ميزانيات تتجاوز اقيامها السنوية ميزانيات عدة دول اكبر من العراق مساحة واكثر عدد في السكان ليس فيها مشروعا استثماريا ممكن ان يشكل موردا اضافيا للبلد ويوظف ايدي عاملة جديدة تنصف فئة الشباب بدلا من أن تجذبهم الظواهر السلبية الطارئة على المجتمعات المضطربة مثل مجتمعنا مثل المخدرات والارهاب والعمليات الاجرامية ، فأيران التي يبلغ تعداد سكانها اكثر من ضعفي ونصف سكان العراق ومساحتها ثلاثة اضعاف مساحة العراق تبلغ ميزانيتها لهذا العام 33,7 مليار دولار ( حسب نشرة CNBC العربية ليوم 0/ 12/2020 ) وتعد ايران اليوم دولة اقتصادية قوية مقارنة بالعراق البائس اقتصاديا بضمنها تخصيصات دفاعية جعلت من ايران ندا عسكريا لاقوى الدول عسكريا ، كما ان ميزانية الاردن التي يشكل سكانها ثلث سكان العراق فانها تتراوح سنويا بين 9 الى 10 مليار مع ما يشهده هذا البلد من تطور واستقرار في الخدمات التي من غير الانصاف مقارنتها بمثيلاتها في العراق
فكل ما يميز ميزانيات العراق وطيلة السنوات العشر الاخيرة هي الايفاء بصرفيات الرئاسات وامتيازات الاحزاب ومنتسبيها واقارب واصدفاء زعامات الكتل وما تبقى للمشاريع الشكلية التي ترتأيها اللجان الاقتصادية للأحزاب لا الدولة ،
وفوق هذا كله ومما يؤسف له ان تقف بعض الزعامات ورئاسة الوزراء نصيرا للمصالح الاجنبية وعلى حساب مستقبل المواطن العراقي كما حصل من الدفاع المستميت عن شركات الاتصال الناهبة للثروة الوطنية وشركات التراخيص في القطاع النفطي المستمر نزيف نهبها للثروة الى يومنا ، فبالرغم من التجربة المريرة للتراخبص وما فرضته من فاتورة باهضه على المال العام ، يتم وبنفس الطريقة التي يلفها الغموض والخالية من المردود الاقتصادي للدولة العراقية يتم التعاقد مع شركات اجنبية لاستغلال غاز حقل المنصورية في ديالى وكأن القوم لا يعنيهم احتجاجات العراقيين بل يبدون كأنهم جزء من مصالح الغرباء ضد الوطن
والله كل هذا كان يمكن ان يبرر لو ان هذه الاحزاب والكتل هي من احدثت التغيير عبر نضال ميداني حقيقي لا عبر الاحتلال الاجنبي الذي كلف العراق ثمنا باهضا من الدماء ودمار البنى التحتية طيلة سبعة عشر سنة مضت
لذلك من المستحيل ان يشهد العراق نهوضا اجتماعيا واقتصاديا وخدميا في ظل وجود فاتورة الامتيازات الشخصية للاحزاب والكتل وفي ظل تحكم اصحاب الجنسيات الاجنبية في اشغال المناصب ذات القرار الحاسم في العراق ، فمتى ما ازيلت هذه الظاهرة او على اقل تقدير تقنينها بما يحفظ المصلحة الوطنية عندها يمكن القول هنالك بصيص امل لمستقبل اولادنا يعد ان فقدنا الامل بذلك.