منذ عشرات السنين و لحد الآن لم يجد الأستقرار طريقه الى هذه المنطقة فالأضطرابات و النزاعات الحدودية و الحروب البينية كانت و مازالت العلامة الفارقة التي تميز هذه المنطقة عن سواها من مناطق العالم كافة فكانت هذه المنطقة و دولها ما تكاد لتخرج من ازمة او نزاع الا و تدخل آخر جديد و هكذا تستمر الحروب و النزاعات و كأن لا نهاية لها و لا نقطة ضؤ في نهاية النفق المعتم و على الرغم من ان هناك مناطق اخرى في العالم قد شهدت هي كذلك نزاعات و حروب طويلة لكنها انتهت و حل السلام و الأستقرار تلك الربوع ففي القارة الآسيوية كانت الحرب الطويلة في ( فيتنام ) و التي صارت جزء من الماضي و كانت الحرب في ( كوريا ) قد انتهت و اتنهى معها التوتر و الأحتقان و بدأت صفحة جديدة من العلاقات الودية و كذلك انحسار الحروب في القارة الأفريقية و نهاية الحكم العنصري في ( جنوب افريقيا ) ابرز عوامل استقرار القارة و الحال ذاته في ( امريكا الجنوبية ) حيث لا نزاعات و لا حروب كلها عزلت جانبآ و تفرغت شعوبها للتنمية الأقتصادية و الرفاه الأجتماعي .
كانت بؤرة التوتر التي لا تخمد جذوتها و لا تنطفئ نارها في المنطقة هي ( أسرائيل ) التي كان وجودها بمثابة الموقع المتقدم المثير للأزمات و الصراعات و الحروب و كانت اغلب النزاعات او كلها التي حدثت و تلك التي سوف تحدث هي في صالح ( أسرائيل ) و كان لابد من وجود بؤر توتر مستمرة في المنطقة كي تكون ( أسرائيل ) في مأمن من جيرانها الخطيرين و ان كان مؤقتآ لذلك كان ألأسرائيليين يحرصون على عدم استقرار هذه المنطقة و شعوبها و كانت المؤامرات و الدسائس تحاك و تدبر في اقبية ( الموساد ) ألأسرائيلي فما كانت تسوية نزاع حدودي تتم حتى يبدأ نزاع جديد و هكذا كانت مآكنة الأضطرابات و النزاعات و عدم الأستقرار في عمل دؤوب و مستمر .
كانت فترة الأنقلابات العسكرية واحدة من تلك الأضطرابات التي عصفت بدول المنطقة و تحت شعارات و لافتات براقة و جذابة لم يتحقق منها الا الشئ اليسير وقعت شعوب تلك الدول تحت قبضة الطغم العسكرية التي لم تكن لها من فضيلة تذكر حيث سامت الشعوب التي تحت سيطرتها كل انواع الذل و الأستعباد و الهوان و عرضت سلامة الأوطان للأخطار و المجتمع للأنقسام بتلك السياسات الطائفية و المناطقية الأقصائية و بعد زمن الأنقلابات العسكرية جاء دور الحروب الأهلية و كذلك الحروب البينية فكانت الحرب الأهلية اليمنية في الستينيات و التدخل المصري و السعودي فيها و من ثم كانت الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات و التي تدخل الجميع فيها و كانت هناك حروبآ صغيرة هنا و هناك الى ان نشبت الحرب العراقية – الأيرانية في الثمانينيات و التي امتدت بتلك الشراسة و التدمير مدة طويلة و يعقبها مباشرة حرب تحرير ( الكويت ) في التسعينيات و بعد ذلك الحرب التي اسقطت النظام العراقي و تبدأ بعدها ثورات الربيع العربي الفوضوية التي ضربت الدول العربية و شعوبها في مقتل و مازالت مستمرة .
ان اندلعت حروب همجية شرسة اخذت تسمية الطائفية دون استحقاق فكان المعسكر الأول بقيادة ( السعودية ) فيما تشكل المعسكر الثاني بقيادة ( أيران ) و انقسمت دول المنطقة و شعوبها كذلك الى معسكرين و بين هذين المعسكرين المتناحرين بدأت حرب من نوع جديد لم تعرفه المنطقة من قبل و قد جر المنطقة بأكملها نحو حافة الأنهيار اذا ما تصاعدت حدة الأتهامات و تبادل الحملات الأعلامية العدائية و اذا ما تقاتل الطرفان في ساحات الدول الأخرى كما يجري الآن في سوريا و اليمن في غمار حروب عبثية دموية لم تجلب سوى الخراب و الدمار لكل المشاركين فيها و خصوصآ شعبي تلك الدولتين المنكوبتين .
يبدو من الممكن جدآ اقامة تكتل اقتصادي و تنموي كبير و مهم يضم اضافة الى ايران و تركيا كل من دول الخليج العربي و العراق اضافة الى دول بلاد الشام و ان يكون التركيز فقط على الشؤون الأقتصادية و العمرانية للبلدان المنضوية في هذا التكتل و ان تبقى الخلافات السياسية في الحد الأدنى المقبول في احترام سيادة الدول و عدم التدخل في شؤونها و الأبتعاد عن الروح الأستعلائية و انهاء حالة التوتر و التشنج التي سادت العلاقات المتدهورة بين هذه الدول و ان تكون التكتلات الأقتصادية العالمية الناجحة مثالآ يحتذى به و يؤخذ نموذجآ في تلافي العيوب و النواقص و الأستفادة القصوى من تلك التجارب التي جعلت من الأقتصاد و التنمية مدخلآ مهمآ الى تحسين العلاقات السياسية بينهم .
يجب ان تتأكد كل دول المنطقة الى ان وجودها في هذا المكان هو ليس وقتيآ انما هو وجود ازلي و ابدي و هذا هو قدرها ان تكون في هذا المكان من العالم و على هذا الأساس و من هذا المنطلق على حكومات هذه الدول مسؤولية كبرى في حفظ كرامة و امان شعوبها و العيش الكريم لمواطنيها و هذا الأمر لا يمكن له ان يتحقق الا بتلك الطاولة المستديرة و التي سوف يجتمع حولها كل الفرقاء من اصحاب القرار و الرؤية العاقلة و المتفهمة و تعرض فوقها كل المشاكل و الخلافات في صراحة و صدق و نوايا حسنة و الأنتقال من حالة العداء و المشاحنات الى حالة من التعاون و التفاهم الأقتصادي و تبادل الخبرات و المعلومات في كافة المجالات ما يعزز النمو الأقتصادي و الأنتعاش الأجتماعي لشعوب هذه الدول و التي هي بأمس الحاجة اليه في توفير فرص الأعمال و تقليل اعداد العاطلين عن العمل و هناك الكثير من المشتركات بين شعوب المنطقة اما في الجانب الآخر من الصورة سوف تكون حالة من العداء و البغضاء و التناحر هي السائدة بين دول و حكومات المنطقة و سوف تصرف الميزانيات المالية الهائلة على السلاح و العتاد و العسكرة و لن يكون هناك في هذه المنازلة القادمة من رابح او فائز انما الجميع في خسران و خذلان و في مقدمتهم مواطني هذه الدول الذين هم من يدفع الثمن الغالي دائمآ .