23 ديسمبر، 2024 10:55 ص

لا أثر للحمام في الصنوبر../ إبراهيم البهرزي في روايته (لا أبطال في طروادة )

لا أثر للحمام في الصنوبر../ إبراهيم البهرزي في روايته (لا أبطال في طروادة )

إلى بعقوبة ..من خلال خليل المعاضيدي ..
(لم يكن في المقابر الجماعية غير رميم الشيعة والكرد، اما الشيوعيين فيبدو ان أجهزة الأمن قد دفنتهم في المريخ ، لم يجد أحد أثرا لشيوعي مفقود ولم يدل جلاد واحد من الذين قاموا بتصفيتهم على أماكن دفنهم ../ 392- لا أبطال في طروادة )
(*)
هي روايتنا نحن المنتمين في سبعينات القرن الماضي لزهرة الرمان قلبا ولسانا وذاكرة وهي (مأساة جيلنا كله، اعتقدنا في البدء اننا نحيا تجربة وعلينا الصمود لتجاوزها هنا أو بالمنفى ، أملا بمكافئة مابعد الامتحان ، ولكن امتحان وتجربة طالت بأكثر ممايحتمل العمر، حتى صارت هي العمر كله../319) يبدأ زمن الرواية بتوقيت (التنورات القصيرة التي تكشف عن مباهج الأحلام كلها../152)..وكذلك هو زمن (التنورات الضيقة القصيرة هي الصرعة الشائعة تلك الأيام ، مع ما يصاحبها من تطرف أحيانا ، تطرف في الضيق والقصر يجعل مساحة المكشوف أكثر من مساحة المستور، لكن مامن أحد، مارأيت أحدا قط يتحرش بشكل مسيء للذوق ، وان حدث فإن الرد سيكون موجعا من الجميع ../ 188) وهي رواية ذلك الزمن الذي (يكفي ان تحمل جريدة طريق الشعب لتتعرف على اصدقاء من طينتك ../151).. رواية أجمل الأيام وأشرس النهايات، بدءاَ بقرار (200) السيىء الصيت..(أعتقالات للشيوعيين في البصرة ..تقوم على نزع اعترافات بالقوة يصحبها توقيع تعهدات بعدم الانتماء لغير حزب البعث.سيتبعون هذه المرة سياسة القضم التدريجي من البصرة صعودا لبغداد لكي يوهموا قادة الحزب بأن مايجري هو إجراءات فردية تقوم بها مديريات الأمن في المحافظات ../223) .. بين قوسيّ جمال الأيام / قبح السلطة : يتموضع تاريخنا الشخصي نحن الحشود العراقية الغفيرة : وحدتنا زهرة واحدة والموائد المتجاورة لإبنة العنب وغير العنب ../193- 194- 195..وهي رواية خسائرنا الباهظة مع سلطة رعوية ماكرة ، أعادتها غابة الرأسمال للمرة الثانية لتدمير العراق ..ومسالخ 8 شباط ماتزال نازفة ، عصابة من الشذاذ أعادتها الأمبريالية ، واستقوت بعودتها الثانية بالمعسكر الاشتراكي الذي دفع الشيوعيين العراقيين إلى فخ( جبهة وطنية )، لم تقدم لنا سوى خراب بيوتنا بعد فترة وجيزة ..(ففي لحظة إلهام سماوي قرر البعثيون أن يطلقوا العنان لكل الحوارات، شرط أن لاتمس الحزب وقيادته بسوء..وكانت جماهيرهم من حزبيين وعناصر أمن تراقب المشهد عن كثب تساهم فيه وتراقبه ../66) ..وفي لحظة حوار ساخنة (دفع البعض ممن كان يأخذهم الزهو باستعراض مهاراتهم التنظيرية غاليا ثمن عبورهم الخط الأحمر، وإن كان العبور عن غفلة أو عن إحتدام، لم تشفع بأن يساق بضعة شيوعيين أسأؤوا لمقامات الحليف الى السجون مع توبيخ إضافي من حزبهم لخروجهم عن روح التحالف الجبهوي../67) ..وعلى مستوى المعسكر الاشتراكي ، ومع بداية تفكك الجبهة الوطنية، من ينسى موقف بلغاريا المشين وتخاذل الرئيس القائد البلغاري تيودور جيفكوف معتذرا عن اعتداء طلبة شيوعيين عراقيين
على رجل مخابرتي عراقي / ص240 هي رواية حقبة من التاريخ العراقي مبأرة، من خلال الشخصية الرئيسة (نديم) وبشهادته كعراقي لم يغادر العراق ..(اربعة وثلاثين سنة مابين قمع وحروب وحصار واحتلال وطائفية وجنون./278)..
(*)
تتوزع الرواية بين صوتين ،كل صوت ينبثق من حقبة عراقية
صوت نديم يتدفق من بغداد منتصف السبعينات / 9 وهو من صوتين صوت براني يتعامل مع الناس ، وهناك صوت جواني ، منولوغ /17/ /25
*صوت عايدة غادرت العراق (مرغمة نهاية السبعينات / 19) وتحديدا في (ذاك الغروب الحزيراني من العام 1979/ 13) والعلاقة الشخصية بين الصوتين عميقة الدفء (لم تكن عشرة نديم بالنسبة لي، نتاج رفقة طفولة وعشق صبا فحسب ،بل كان التاريخ الشخصي لتلمس الاشياء واكتشافها، هكذا كان بالنسبة لي، واظننني كنت هكذا بالنسبة له../13)
*هناك سرد يلّخص وينقل للقارىء ما أنسرد إليه ،فحين يلتقيان بعد غياب ثلث قرن ، لايصلنا ماسردته من وجيز حياتها إلى نديم، بل يقوم السارد نديم بتقديم خلاصة لما سردته عايدة إليه
(حدثتني عن عادات تناول النبيذ عندهم وكيف انها حين وصلت الدانمارك لم تكن تستسيغه ولكنها بعد طلاقها الذي حصل بعد وصولهم الى هناك بعام واحد صارت لاتستغني عنه في المائدة../277) ويستمر السارد نديم يخبرنا بنكوص زوجها الشيوعي الذي (أخذته نوبة من الدروشة والطهرانية بشكل دمر حياتها وحياة بناتها وابنها حتى حصول الطلاق..) وحين تطلب منه عايدة أن يسرد حياته طيلة هذا الفراق الشرس ، يجيبها ..(أووووف.. صعبة ..حيل صعبة لأن هي ما كانت حياة حتى الواحد يرويها مثل القصة../278) في ص298 يلخص السارد نديم حياتها نقلا عن ما سردته عايدة إلى نديم ..(قالت انها عاشت في دمشق مع زوجها واطفالها لست سنين …) ثم بعد أسطر ينتقل السرد بصوت عايدة نفسها..بدءاً من ص299 إلى ص 306
*في المفصل الثاني (صعود النسغ) يتراجع السرد إلى شراسة 8شباط 1963 وأجمل مافي سرد هذا المفصل، مايسرده الطفل نديم ، حيث يتقمص المؤلف : أسلوبية الطفل في السرد
*مهيمنة الرواية : ماتعرض له الحزب الشيوعي العراقي من تصفيات وملاحقات في آواخر سبعينات القرن الماضي ومابعدها…
*نديم ..بطل الرواية خارج الحزب الشيوعي العراقي، منذ سنتين ،وهو يتهم الحزب ويحمله المسؤولية الكبرى ويتهم الرفاق الانصار ، فتصده عايدة (على كيفك ويّ الناس ..أكو ناس إجت وبقت واستشهدت /330) فيرد عليها ..(من بين مليون شهيد عراقي…نعم هناك بضعة منهم لاأنكر ذلك ..) ..كقارىء منتج ، لاأرد على نديم كما ردت عايدة واتهمته بالحقد على الشيوعيين ، بل أقول لابد أن يكون نديم من غير المنصفين للحزب الشيوعي العراقي وقد تخلى عنه وهو في أوج قوته الجماهيرية ..( أنا اتكلم الج كشاهد .. ما اتكلم كناقد أو منشق ..لأن أنا تركت
الحزب عام 1976 لما كان الحزب أقوى مايكون ..انا تركته لان اكتشفت انه انا ما اصلح كشيوعي ../ 321) وهو من حقه ان يتكلم عن تجربة الحزب في الميادين كلها ، دون ان يعالج الرضة التي اصابته في روحه بهذه الطريقة الشائبة ، الحزب الشيوعي العراقي ، لم يدع ِ الربوبية ولاالعصمة ، وليست التصرفات المشينة لبعض الشيوعيين تمثل الحزب الشيوعي الشيوعي كله .ولو كان الحزب الشيوعي العراقي يشتغل في العلن ضمن وضع ديمقراطي ربما لكانت معالجة تلك التصرفات أسرع ، لكن منذ 1979 اشتغلنا في البصرة كتنظيم خيطي واستمر الحال حتى سقوط الطاغية ، ومحاولات البعض في تنظيم الخلايا، دفعنا ثمنه كشيوعيين في البصرة وغير البصرة ، كما حدث في أوئل التسعينات مع جماعة صحيفة الحقيقة في البصرة التي كان يقودها الرفيق والصديق الحميم الاستاذ عباس الجوراني ، وبكل شجاعة واثناء التعذيب واجههم المناضل عباس الجواني وأعترف انه يتحمل وحده مسؤولية جماعة صحيفة الحقيقة ..
(*)
نديم يرفض أن يكون في الطرف الآخر (أموت وماأصير بعثي ../22) وبشهادته الشخصية حول الحزب :(أنا كنت جزءا منه وظل في روحي منه أجزاء../25) .. لكن هذه الأجزاء غمرها نديم نفسه بشوائبه ومن جهة ثانية يرى في العقيدة رؤية رقمية وراثية تجسدها حبيبته عايدة ..ويرى إلى نفسه رؤية يمكن إعتبارها فردية عائمة (أنا لا أريد أن أكون في كفة ميزان أزاء أحد لأنني غير معني بالأوزان، كثير من الاشياء الحقيقية لايعبّر عنها بالارقام، لاوزنا ولاعددا ولامساحة ولاكمية، ومع ذلك فهي موجودة ومؤثرة، أنا فراغ يمتد وينكمش وفقا لا يقاع الروح وأحوالها) أراني أمام خلطة ثقافية ملتبسة، يتقمصها نديم أو تتقمصه هي ،إذا لافرق بين الذات / الموضوع ، فالذات هنا أعلنت (أنا فراغ يمتد وينكمش وفقا لايقاع الروح وأحوالها ../43) ..ونديم هو تلك (النفس التي فقدت براءتها في أتون الزمان الهمجي وظلت بجرحها الشهواني تضمدني الشهواني تضمدني وأضمدها / 335) بقية الخيريين ينخرطون في تنظيمات سرية ضد السلطة الفاشية ، أما نديم فينخرط بتنظيمه السري الخاص ..(اللذة المستدانة من جسد مغمور كانت العمل السري الوحيد الذي لايقود انكشافه الى قبضة السلطة الغاشمة .وهكذا مارست النضال مع ناهدة لعامين مستمرين من الثورة الدائمة ..لعامين نفترس الشهوة من بعض ككلبين مهتاجين متعاصصين …/335) ..ونديم ينتقل من صلافة الإعتراف إلى المباهلة بالأنا (أنا هكذا لاأملك الا ما أنا عليه، بلا عقيدة ولاافكار مسبقة ، انا هو انا في اللحظة التي انا فيها ../341)..
(*)
لايكتفي بتشيئة ذاته، بل يرى في حبيته الأمر نفسه، ويبرر هروبها من العراق لإسباب سياسية قاهرة (أما أنت فسترحلين لأنك تحسين بوجودك الرقمي معهم، وجود رقمي اكتسبته بالوراثة../43) هو يعتبر الإنتماء يورث كاللغة وكالجين الوراثي ، ويرى الانتماء محض تراكم كمي (وجودك الرقمي…) !! ومفهوم الإنتماء الوراثي أكتسبه نديم بالوراثة من أبيه ،الذي يرى في إنتماء عبد الحميد وأخويه وابناءهم وبناتهم للشيوعية ورطة وراثية !!..(متورطون بحكم الوراثة ،فهم يتوارثون الشيوعية كما يتوارث الناس أديانهم ../76) وفي ذات الوقت لايفرّق
نديم، بين الخطاب العاطفي والخطاب الآيدلوجي ..(أنا لاأرفع صوتي في حضرة من أحب، وها أنت تصغين بكل هدوء، فلماذا لايكون الأمر هكذا مع الجميع ؟ الندية ؟../43)..والجميل في نديم أنه شاهد عدل على أخلاق الشيوعيين ..(ورغم كل مايشاع عن الشيوعيين من كارهيهم بأنهم يستخدمون النساء للأيقاع بالشباب وكسبهم وهي واحدة من الشائعات التي أشيعت ظلماً وعدواناً بحقهم، والتي لم أتحقق عملياً من أية شائعة رغم سنين عملي معهم وحتى أبان أختلافي معهم ومغادرتي أياهم مخاصما../ 60) من جانب آخر وهو الجانب الأهم أن إتصالية الحزبية : هي عاطفية أكثر مما هي وعي عقائدي بالحزب الشيوعي العراقي فهو حين يرى أخطاءً في التنظيم يتواطىء صامتا..(لم أكن على قدر من الشجاعة لأعترض ،وربما ليس هو الجبن بقدر ماهي الأنانية ،فقد كنت منسجماً بعاطفتي مع عايدة التي كانت قد بلغت وبلغت أياها لحظة الهوى والمناجاة، ومثل أي صبي متوقد لم أكن مستعدا للتضحية بالهوى لأجل مجرد إعتراض يدفع بي للطريق الضيّق، كنت أتوقّع ولست متأكدا من إن عايدة لن تلحق بي صوب ذلك الطريق…/80) وبهذا الإنسجام إستطاع نديم مخادعة المسؤولين في التنظيم حسب شهادته في ص80 !! وهو يحب الحزب من خلال شخصية (دهر) ..وبشهادة نديم ..(كنت وطوال حياتي أكن أحتراما وهيبة شديدة للرفيق دهر، فهو ليس ممن ورثوا الشيوعية عائليا، فلم يجدها في منزله كدراجة هوائية اشتراها له والده فصار لزاما عليه ان يركبها بفرح ،فقد كان من عائلة فقيرة لاعلاقة لها بالشيوعية مطلقا، فكان هو من بحث عن الشيوعية وليست هي التي استدلت عليه كما الآخرين ، اضافة الى رصانته وحسن تعامله مع الآخرين جهلة ومثقفين…/181) ومن هذا الباب / المثال الأعلى المتجسد في شخصية دهر ، أعتنق نديم الشيوعية ..(أقول بأنني حين اعتنقت هذه الافكار، فانني اعتنقتها بصدق من خلال هذه المكتبة وهذا الرجل، الكتاب والمثال، وليس الحزب، لأن الحزب مفهوم فضفاض وشراك خادع ../200)هنا نلاحظ ان نديم منجذب للتجسيد من خلال الرفيق دهر ومنتبذ عن المفهوم فهو يرى الحزب مفهوم فضفاض وشراك خادع !! وهناك أشكالية خاصة بنديم وهي بشهادته (أنا لاأريد خسارة من أحب على حساب من أحب ، وهذه المعادلات الصارمة ..تجعلني محرجا أمام روحي ، هناك بعض الاشياء التي يصر الآخرون على جعلها نقاط خلاف في حين انها لاتعدو عن ارادات مختلفة ،هل ينبغي أن نتشابه جميعا..؟/ 203) وحين يطالبه الرفيق دهر بقطع علاقاته مع المدرس علي ..(لست عنيدا مع حزبي، ولست مشاكسا لإنسان نبيل مثل الرفيق دهر، لكنني لم أجد المادة الكافية فيه لتشكيل خميرة الادانة، كان فردا يحيا حياته دون الحاق أذى بأحد، أهذه هي الانانية؟ / 202) في هذا البوح الكثير من البياض الناصع المؤلم حقا ..وسيكون نديم وفيا ومخلصا للرفيق دهر ، حين يلتقيه مصادفة ، ويكلفه دهر بالذهاب الى خانقين وجلب جوان خطيبة دهر فيخبرنا نديم ..(لم أكن مطلقا لأرد له طلبا حتى لو كلفني حياتي ../389)..بعد تنفيذ نديم لهذه المهمة …(بعد أربع سنين من ذلك التاريخ ،تم تبليغ أهله بخبر اعدامه مع خطيبته جوان ولاجثة لقبريهما حتى الآن ../391) ونفس الوفاء العظيم يحمله نديم لصديقه الاستاذ علي رضا طومار الذي يرغمه المسؤول البعثي فيساق الى احد قواطع الجيش الشعبي وفي الليلة الاولى لوصوله اصيب بنوبة قلبية قتلته في الحال ..وحين يذهب لمواساة أم علي وبشهادة نديم نفسه ..(بركت على قدمي ّ مطرقا بالبكاء في حضنها بكت وبكت أمي كنت أبكي كعجوز لاتجيد غير الولولة والندب ../400)
(*)
نديم لايؤمن باللعب مع الكثرة لذا يكره لعب كرة القدم ويفضل لعبة التنس ..(فليست الحياة ملعبا لكرة القدم التي أكرهها بقدر ماهي لعبة المنضدة الجميلة التي أحبها وكنت قد قطعت شوطا في تدريب عايدة لمزاولتها معي ../92)…حين يخاطب نديم حبيبته عايدة وهما يلتقيان في أسطمبول بعد فراق ثلث قرن ..فهو محق في قوله (ان الندم لن يجدي ولا الألم فيما يتعلق بخسائر الحب ،لأن التعويض أو السلوان لن يكون مجزيا لقيمة الخسارة نفسها، ابداً قد يكون بديلا لمخادعة النفس ولكن ليس تعويض الخسائر ،في الحب لاتشتغل الرياضيات ../319) لكن حين يقول (تحالفت السلطة والثورة في تبديد إرادتنا /319) هنا نديم يجانب الحقيقة وهو يعني بالثورة :الحزب الشيوعي العراقي ، ولستُ في معرض توجيه مقالتي جهة سياسية ، لكن هنا ألاحظ مع اختلاف كبير بينهما فأن نديم هنا يقترب من بطل رواية (الوشم) للروائي عبد الرحمن الربيعي ..
(*)
كان يفترض أن يبقى نديم صديقاً للحزب وليس منتميا، فمن تلك الصداقة الناصعة سيكون منتجا لسردانية لامثيل لها في العشق العراقي ،فهو جاء للوجود ليعشق عايدة ، لا ليناضل معها ..(ظّل شعور محيّر ينتابنا حين نكون معا، هو ذلك الشعور بالضيق من أي حضور لشخص ثالث معنا، حتى في اللعب التي تحتاج لأكثر من شخصين فكان حضور ابن عمها فاروق أو شقيقته نداء أوحتى أختها ناهدة يجعلنا نتأفف ونفتعل مشكلة للزعل منهم لغرض ابعادهم والابتعاد عنهم وكل ذلك لأجل أن ننفرد معا ونلعب معا لوحدنا لعبا بريئا لاأكثر../111).. وبما أن الدافع للإنتماء : هو حبه لعايدة ، إذن لوكانت عايدة من عائلة بعثية ،إذن لإنتمى لحزب البعث آنذاك ؟! ويبدو ان الإلتزام لامس القشرة الخارجية من نديم (..الإلتزام الحزبي لم يضف شيئا لطبيعتي الفطرية ،وذلك لأنه لم يحذف منها شيئا أصلاً../92)
(*)
تبدأ الرواية وسلطة البعث كانت تطارد الشيوعيات والشيوعيين ، تلقي القبض عليهن ، تنتزع التعهدات الخطية منهن ..وهناك من ذهب بقدميه لدائرة الأمن وسلّم نفسه ..كما أختفى الشيوعيين من الشوارع ، ولم يعودوا ، إلاّ بعد مسافة زمنية شرسة وشاسعة ، عادوا بصيغة أسماء في قوائم إعدام رسمية مختومة وبتواقيع ،كل قائمة تعني شاهدة قبر جماعي مجهول..ربع قرن عراقي تتدلى على صدره الأنواط وبقايا جثث ، سيارات عسكرية معطوبة، أرض تشع بالسرطانات وبأغاني الفيلق العاشر، وسيف ذو الفقار ينتقل عبر حنجرة المغني من كف الامام علي عليه السلام إلى يد الطاغية وإصدارات تحت لهيب المعركة، أقفاص أسرى في إيران ومخيمات في رفحة ..مثقفون يباهلون بالبدلة الزيتونية اللون والطعم والرائحة، وبالمسدس اللاصق بغمده على الفخذ أو المحشوربدون غمد في الخاصرة ..وبعد سقوط الطاغية ،بسرعة البرق سينتقل( هؤلاء) إلى الأحزاب الدينية ويدبّجون الدراسات والاطاريح عن أسلامية الفكر والأدب والفن وفنيّ الطبخ والزي ..!! وهذا الثلث قرن بتوقيت آخر (كان الوقت لايمر فيها بايقاعه المعروف، كما تزحف الساعات ،هي سنوات العراقي المقيم والعراقي المغترب ،حيث الوقت كما كل تفاصيل الاحداث الطارئة والمفاجئة يمر مراوغا، مسرعا مرة وبطيئا،مستديرا
راجعا الى عقبيه، قافزا، زاحفاً، سائرا في نومه أومتخفيا في مسيره، هكذا يمر الوقت في زمان العراقيين ../28)
(*)
مدرس اللغة الانكليزية الاستاذ علي الذي كان في بريطانيا لايختلف عن والد نديم في تقيمه للحركة السياسية العراقية فالعراقيون من وجهة نظر المثقف علي متورطون في القبيلة والدين والمذهب والعرق ،فهذه المفردات هي التي ..(تتحكم بتنظيماتنا السياسية بالباطن حينا وبالظاهر دون خجل أحيانا، أننا ننزل النظريات السياسية والافكار العظيمة من عليائها الى حضيض الصراع القبلي والديني والعرقي والمذهبي ../ 165) إذا كان هذا الاستقراء يطوّق التعميم بعيدا عن التصنيف التسموي ، فأن الكلام التالي سيكون حاد كالسكين ولامعا مثلها ..(وماربعك الشيوعيون الا بعثيين ولكن خارج السلطة ،ويوم تتاح لهم السلطة،ولو أني أشك بذلك ،فأنهم سيتصرفون كما يتصرف البعثيون ../165) !! وهذا المثقف يلغي برشفة ويسكي كل الاستبداد الذي سدد ضرباته الشرسة للحزب الشيوعي العراقي من مذبحة سجن الكوت وسجن بغداد وشهداء وثبة كانون 1948 وأعدام قادة الحزب ثم مجازر 8شباط 1963 وتصفيات قطار الموت في تموز 1963 وإعدام بحق كوكبة من الشيوعيين في زمن الجبهة الوطنية ..أما والد نديم فهو يرتبط بعلاقات اجتماعية طيبة مع ألوان الطيف الوطني لكنه في البيت يخلع ذلك القناع كما يخلع نعليه ، ويخاطب ولده..(فكل شيوعي وكل بعثي وكل اسلامي هو شيطان رجيم ../175) فالوالد يؤمن أن من هذه الخلطة الوطنية يتشكل (حزب واحد من طينة واحدة وإن الفروقات هي لحاء خارجي أما في النخاع فالطبيعة واحدة ../175)..نلاحظ ان كلاهما ينتقدان الحركة الوطنية العراقية بكل أطيافها ، وهما كما يقول المثل الشعبي العراقي (لاعين التشوف وقلب اليحزن ) أعني كلاهما من المتفرجين ،على كل مايحدث في العراق وثالثهما نديم .
—————————————————————————————–
*ابراهيم البهرزي / لا أبطال في طروادة / دار ميزوبوتاميا / بغداد / ط1 2015