شخص عراقي ذهب في الثمانينيات الى دولة اسكندنافية للدراسة باعتباره طالب بعثة حكومية واصطحب معه عائلته المكونة من زوجة وطفلين.
راتب البعثة كان بضعة مئات من الدولارات ( أقل من الف)، وكان ذلك أقل من الحد الادنى لدخل الاسرة الذي تعتمده تلك الدولة .
لذلك عرضوا عليه مساعدة شهرية اضافية لرفع راتبه الكلي الى الحد المقبول..
لكنه وبموجب عقد البعثة مع الحكومة العراقية ، لايُسمَح له باستلام اية اموال من جهات خارجية عدا الحكومة ( حتى لايُصبِح عميل)!!
رَفضَ القبول بالمساعدة ، لكنهم هددوه بالطرد اذا لم يتم رفع راتب البعثة او قبول المساعدة..وجد نفسه في مواجهة مِحنة حقيقية !!
اتصل بالسفارة التي فاتحت دائرة البعثات بخصوص هذه الإشكالية.
لا أدري كيف انتهت المشكلة ، لكن الجانب المهم فيها هو انهم شرحوا له لماذا إصرارهم على رفع راتبه :
قالوا له : الراتب القليل يعني إشباع أقل لحاجات العائلة مما يعني فقراً..
اي ان اطفالك سوف لن يحصلوا على حاجاتهم ، وهذا خطير اجتماعياً لانهم قد يسرقون من المحلات او من اصدقائهم اضافة للإنكسار النفسي الناتج عن الشعور بالحرمان والدونية والذل ..
قالوا له أيضاً : انت وزوجتك سوف ينتابكم شعور مماثل بالدونية والعَوز ، وقد يدفعكم ذلك الى ارتكاب مخالفات…
الحفاظ على الأمن الاجتماعي والاعتبارات الانسانية والاخلاقية ، تعتبر ركائز مهمة في بناء تلك المجتمعات ولايجوز التفريط فيها ..
ليست كل سياسات الدعم الاجتماعي مدفوعةً بالاعتبارات الاخلاقية او الدينية ، بل بدافع الأمن الاجتماعي .
الفقر والعوز والشعور بالتهميش والحرمان قد تدفع الشخص الى الإقدام على اعمال سيئة مضرّة للمجتمع ، وكلفة سجن الشخص عند ارتكاب الجريمة قد تكون أكثر من كلفة الاعانة الاجتماعية..
بعض الاشخاص انخرطوا في أعمال عنف مسلحة مع منظمات ارهابية بسبب حاجتهم الى المال ..
باختصار .. انهم لايسمحون لأحد ان يعيش بينهم فقيراً ..
هل يتَّعظ اصحاب القرار في العراق ؟؟