العراق في حالة ترقب للمارسات والقرارات وتحركات بل حتى الاعلام الامريكي خصوصاً والدول الاوربية في التحالف عموماً على اثر الانتصارات العراقية الاخيرة على الدواعش، وسنتحدث عن هذا الامر بعد مرورنا بالعلاقة الجدلية بين الوضع الامني العراقي والوضع المصري.
وقد يبدو عنوان المقالة لاول وهلة كبيراً بحق العراق هذا البلد الجريح الذي يكابد اعقد وضع امني كوليد غير شرعي للوضع السياسي الذي قد يصل الى حد الشذوذ. هذا الوضع يجعل المتتبع السياسي يضع العراق ضمن الوصف الذي اطلقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بُعيد الاحداث الاخيرة التي وقعت في سيناء مصر حيث قال ( ان مصر مهدده بوجودها ).
نعم فاذا كانت مصر هكذا عندها يصبح من المؤكد ان العراق مهدد بوجوده ومنذ اكثر من عقد من الزمن.
ورغم هذا الواقع فقد استطاع السياسيون العراقيون تسجيل هدف تاريخي سياسي في المرمى المصري من خلال نجاح تغيير العملية السياسية بشكل بارع وشفاف يعتمد على القاعدة الدستورية للبلاد مقارنة بالتغيير الذي حصل في مصر وبشكل عسكري ادى الى اطلاق البعض على عملية التغيير تلك بالانقلاب العسكري على الشرعية، فهو نجاح سياسي تاريخي يسجل للسياسة العراقية بكل حق.
ولا يفوتنا ذكر ان هذا النجاح حدث في وقت كان البعض يتمنى ان يكون لدينا نصف سيسي ليصلح وضعنا السياسي فجاءت هذه الحركة لتغير المعادلة والانطباع السلبي الذي وصمت به السياسة العراقية.
هذا النجاح التاريخي البارز يعيد الثقة بالسياسة العراقية وبالتالي بالكوادر السياسية العراقية وصولاً الى المواطن العراقي المخلص رغم قساوة وتعقيد الواقع المعاش.
هذه الثقة المستجدة المتولدة لدينا تجعلنا نذكر وبكل صراحة صمود وتحدي الحكومة العراقية برئاسة الدكتور العبادي وعدم انجرارها الى ما خططت اليه واشنطن وكيف انه رفض مشاركة قوات امريكية وكيف انه حدد فقط قبول الامور التي نحتاجها وهي وقف الدعم عن داعش وتزويدنا بالاسلحة الضرورية.
فلم تستمع حكومة العبادي الى تصريحات الامريكان وعلى رأسهم اوباما ومعه رئيس وزراء بريطانيا بل ورد الدكتور العبادي بشدة على الرئيس الفرنسي هولاند على تصريحاته الاخيرة كما بينا في مقالتنا السابقة (ماذا وراءك ياهولاند.. وماذا يحاك لنا) حتى اجبروا على الاعتذار، واخذ العراق زمام المبادرة في جبهات القتال غير مكترث بتلك التصريحات الامريكية الخرقاء التي هددت بان دحر داعش يحتاج الى اكثر من ثلاثة اعوام بل وتم تحرير جرف الصخر ببضعة اسابيع وبجهود عراقية خالصة الامر الذي ادى الى تراجع تصريحاتهم وان ديمبسي اضطر للقدوم الى بغداد ليفسر الامور بما ينسجم والمصلحة التاريخية الامريكية لحفظ ماء وجوههم خصوصاً وهو الذي صرح قبل مجيئه بان العراق بحاجة الى قوة استثنائية وتسليح السنة لطرد داعش.
والمشكلة ان هؤلاء الامريكان لازالوا يصرحون بوجوب تسليح السنة ومراعات حقوقهم وكأن الحكومة العراقية الجديدة تقف بالضد من المصالح السنية بينما يعرف الجميع مدى التعاون بل وربما الانسجام احياناً بين الاثنين في سبيل مستقبل عراقي مستقر وبنّاء.
لقد فضح التعامل العراقي الجديد مع الحكومة الامريكية كل الاعيبهم وسوء تقديراتهم وبدت مدى هشاشة رؤيتهم السياسية وكيف انهم سرعان ما ينكشفون على حقيقتهم عندما لاننبهر بالهالة التي يتمتعون بها. اذن نحن بخير انشاء الله وهكذا يجب ان يكون منحى تفكيرنا منذ الان فصاعداً.
ونحن نعلم ماهي داعش وكيف تم خلقها ولماذا، فها هو تصريح الدكتور المشهداني حيث يقول ( داعش بندقية امريكية جاهزة للايجار )، وها هو روبن كوك وزير خارجية بريطانيا يقول ( ان تنظيم القاعدة من نتاج سوء هائل في التقدير من جانب الاجهزة الامنية الغربية ، وبين ان قاعدة بيانات القاعدة وجدت وهي تحوي على معلومات عن الاف المقاتلين الذين تم تجنيدهم وتدريبهم بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الامريكية لهزيمة السوفيت ).
لهذا نقولها بصراحة ان هنالك مساحة كبرى لنجاحنا وتحدينا للسياسات الامريكية بل وحتى امكانية تغلبنا عليها في حالة صمودنا بمصداقية وطنية مخلصة ، وهذا لايعني باننا نبغي معاداتها بل نريدها كصديق ولكن من موقع العزة والثقة بالنفس دون التنازل اليهم في كل الاحوال والتخلص من عقدة الشعور بالدونية.
وهنا ادعو الى تشكيل غرفة عمليات سياسية عليا لدراسة كل الشخصيات السياسية الاوربية المتنفذة كرؤساء الدول الكبرى وفهم احتمالات ما يحاولون القيام به في كل مرحلة على شاكلة غرفة العمليات السياسية الامريكية.
هذا ويمكننا منذ الان اعتبار ان هذا العهد الجديد هو عهد تحول من الخنوع والاذعان لسياسة الدول الكبرى الى طرح الثقة بانفسنا والاعتماد على قوانا الذاتية وتبني الاستقلالية والانطلاق بكل ثقة لاخذ زمام امورنا وقراراتنا السياسية بانفسنا وترك الذيلية لاية دولة وهو كلام موجه الى السيد رئيس الوزراء الدكتور العبادي ووزير خارجيته وكذلك رؤساء الكتل وكل من يحاول بناء نفوذه من خلال اعتماده على الدعم الخارجي.
والله تعالى من وراء القصد.