23 ديسمبر، 2024 1:29 ص

لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة

لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة

مقدمة الكتاب
بعدما تناول كتابي الأول «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل» من مجموعة كتب «لاهوت التنزيه»؛ بعدما تناول الرحلة من «تأصيل مرجعية العقل»، إلى «المذهب الظني»، يواصل كتابي الثاني هذا الرحلة، هذه المرة من «المذهب الظني» إلى «لاهوت التنزيه»، إلى الإيمان العقلي، أو الإلهية اللادينية، كعقيدة ثالثة، بين الإلهية الدينية، واللادينية اللاإلهية، بين الدين والإلحاد، ليفكّك بين متلازمَين تلازما مُدَّعىً أو مُتوهَّماً، ألا هو التلازم غير الواجب منطقيا، بين الإيمان والدين. ففي الوقت الذي يعبر كل دين عن ثمة إيمان، لا يجب أن يعبر كل إيمان عن ثمة دين. وهذا التفكيك يجري تناوله بقطع النظر عن صحة أو خطأ أي من الخيارات، الإيمان الديني، الإيمان اللاديني، الإلحاد، اللاأدرية، بل هو تفكيك بمعنى عدم التلازم من الناحية المنطقية؛ عدم التلازم بين الإلهية والدينية من جهة، وعدم التلازم بين اللاإلهية واللادينية من جهة أخرى، صحت إحدى الخيارات الأربع في واقع الأمر أو لم تصح.

«لاهوت التنزيه»، والذي يعني تنزيه الله عن الدين، إذا ما آمن من آمن بالله، هو في نفس الوقت لاهوت التحرير، بمعنى تحرير العقل، كمقدمة لتحرير الله ولو مفهوما، والذي هو مقدمة لتحرير الإنسان، الذي لا ينبغي أن يحدّ من حريته غير ضابطي العقل والضمير، الأول ليعقلنه عقلنة بعد عقلنة، والثاني ليؤنسنه أنسنة بعد أنسنة، كادحا نحو المطلق دون بلوغ المطلق، فالنسبي الواعي للكمال الذي اسمه «إنسان»، يسير أبدا نحو المطلق، مع بقائه نسبيا، يتكامل، ولا يبلغ مطلق الكمال، من حيث إن المطلق اللامحدود واحد غير متعدد، متوحد غير متجزئ، سواء كان المطلق هذا هو الله كما نؤمن به نحن الإلهيين، أو كان المثال في عالم التجريد، فيما هو الكمال المطلق في كل شيء، حتى لو لم يكن له وجود إلا كمفهوم في الفكر وفي عالم التجريد.

فمع قارئتي وقارئي في سياحتنا وإبحارنا في محيط «لاهوت التنزيه».