23 ديسمبر، 2024 7:00 م

لاهوت إبليس الملاك الساقط – 3

لاهوت إبليس الملاك الساقط – 3

تقديم / كامل علي
 
مقدمة:
أطّلعت على سلسلة من المقالات للكاتب السوري المبدع فراس السوّاح بعنوان (لاهوت إبليس الملاك الساقط) ولكون هاجس التنوير يتملكني من عدة سنوات، حاولت اختصاره وتقديمه للقراء الافاضل ولكني اكتشفت بأنّ الإختصار سيقضي على الفائدة المرجوة من النشر لذا سأقدم سلسلة المقالات تباعا كما نشرت.
في هذه السلسلة من المقالات سنلاحظ كيف ولد إبليس في ألميثولوجيا وخاصة في ديانة مصر القديمة وكيف تطوّر مفهومه وكيف أقتبست ألأديان ألإبراهيمية (اليهودية،المسيحية، ألإسلام) مفهوم  إبليس من الميثولوجيات السابقة عليها وطورته بما يتناسب مع معتقدات الدين الجديد، كذلك سنطّلع على لاهوت ابليس في الديانة الزرداشتية والمعتقد الغنوصي.
 
                      
الأفكار التأسيسية:
 
تكاد شخصية الشيطان أن تكون غائبة عن كتاب التوراة العبرانية، فهو لا يظهر إلا مرات قليلة حيث يتخذ دور التابع ليهوه المنفذ لأوامره في معظم الأحيان.
وربما كان واحداً من ملائكته موكلاً بإتيان بعض المهام الشريرة، على ما نفهم من مطلع سفر أيوب وهو الموضع الوحيد في التوراة الذي يلعب فيه الشيطان دوراً بارزاً. ولعل السبب في بقاء الشيطان في دائرة الظل، هو كون الخير والشر وجهان متكاملان للإله التوراتي الواحد، فهو صانع الخير وصانع الشر يوجههما بطريقة تخفى غاياتها عن أفهام عباده. نقرأ في سفر إشعيا 45، 76: “أنا الرب وليس آخر، مصِّور النور وخالق الظلمة، صانع السلام وخالق الشر، أنا صانع كل هذا”. ونقرأ في سفر يشوع بن سيراخ 11، 14-15: “الخير والشر، الحياة والموت، الفقر والغنى، من عند الرب”. ونراه في سفر التثنية 32، 39-42 يتباهى بأن سهامه تسكر بالدم ويأكل سيفه اللحم مغمساً بدم القتلى: “أنا أميت وأحيي، سحقت وإني أشفي… إذا سللت سيفي البارق وأمسكتْ بالقضاء يدي، أُسكر سهامي بدمٍ ويأكل سيفي لحماً بدم القتلى والسبايا ومن رؤوس قوات العدو”.
وهو حين يغضب يخرج دخان من أنفه ونار من فمه. (المزمور 18، 7-8). وعندما يتحرك يسبقه الوباء ومن عند رجليه تخرج الحمى. (حبقوق 3، 4-6).
لقد دونت آخر الأسفار التوراتية التي اعتبرت قانونية خلال الفترة الانتقالية من القرن الثاني إلى القرن الأول قبل الميلاد، وهي الأسفار الـ 39 التي أقرها مجمع يمنيا في فلسطين عام 90 للميلاد باعتبارها الأسفار الرسمية المكونة للكتاب المقدس العبري.
إن خلو الإيديولوجيا التوارتية من مفهوم واضح عن الشيطان قد جعلها خلواً أيضاً من فكرة التاريخ الذي يقوده صراع الخير والشر إلى نهاية للزمن يعقبها تحويل كامل للوجود إلى مستوى ماجد وجليل، كما جعلها خلواً من فكرة الثواب والعقاب والجحيم والنعيم في العالم الآخر.
إن التاريخ يتحرك بشكل خطي في الإيديولوجيا التوراتية ولكن لا نحو خلاص الإنسانية جمعاء من ربقة الشيطان في اليوم الأخير الذي ينتصر فيه الخير على الشر، بل نحو يوم ينتصر فيه بنو إسرائيل على كل أعدائهم ويجعلونهم عبيداً في خدمتهم؛ عند ذلك يحل ملكوت الرب على الأرض، وهو مملكة يوتوبية يحكمها الإله يهوه بشكل مباشر.
وخلال هذه الأحداث يلعب المسيح اليهودي دوراً حاسماً، فهو الإنسان المتفوق الذي يُمسح ملكاً على إسرائيل ويجمع منفييها من جهات العالم الأربع، ويحارب أعداءها في كل مكان ممهداً لقيام ملكوت الرب.
لقد دُوّنت أواخر الأسفار التوراتية التي اعتبرت قانونية، خلال الفترة الانتقالية من القرن الثاني إلى القرن الأول قبل الميلاد، وهي الأسفار التي أقرها مجمع يمنيا في فلسطين نحو عام 90 للميلاد باعتبارها الأسفار الرسمية التي يتألف منها الكتاب المقدس اليهودي وعددها 39 سفراً.
ولكن الأسفار التي تم استبعادها من المجموعة الرسمية، وأسفار أخرى تم تدوينها لاحقاً وصولاً إلى نهاية القرن الثاني الميلادي، وجميعها اعتبرت منحولة، أي معزوة إلى أسماء شخصيات توراتية لم يكونوا مؤلفيها الحقيقيين، مارست تأثيراً على الفكر الديني اليهودي لا يقل عن تأثير الأسفار الرسمية، ومدت الفكر الرباني والتلمودي اللاحق بكثير من عناصره المؤسِسة.
وبتأثير من الأفكار الزرادشتية التي شاعت في المنطقة المشرقية، فقد قدمت هذه الأسفار غير الرسمية أفكاراً جديدة على الإيديولوجيا الدينية التوراتية، أهمها فكرة الشيطان الكوني، وصراع الخير والشر الذي يقود حركة التاريخ، والقيامة العامة للموتى في اليوم الأخير، والثواب والعقاب، ومسيح آخر الزمن، والجنة والنار.
 
وقد انفردت هذه الأسفار بالتأسيس للاهوت إبليس باعتباره ملاكاً عصى ربه فأُبعد عن مملكة السماء مع من أغواهم من الملائكة، وتحول إلى شيطان يعارض إرادة الرب ويعمل على زرع الشر في العالم، وعلى وجه الخصوص في نفوس البشر.
وسوف نعمل فيما يلي على متابعة تطوير الأسفار غير القانونية لهذا اللاهوت الخاص، واستمراره في العقائد المشرقية التالية.
يتألف الأدب التوراتي المنحول من ستة وخمسين وثيقة تستغرق في آخر وأهم طبعة حديثة لها[1]يبتديء لاهوت الملاك الساقط بالتوضح في الوثيقة المعروفة بسفر أخنوخ الأول[2]في هذا السفر لايتحدث الكاتب عن ملاك واحد ساقط باعتباره أصلاً للشر، بل عن مجموعة من الملائكة يبلغ عددهم مائتين.
فعندما تكاثر البشر بعد وفاة آدم وحواء، وولد لهم بنات حسان وجميلات، حدث أن فريقاً من الملائكة أبناء السماء رأوهن فاشتهوهن، فقال بعضهم لبعض:
هلم بنا نختار لأنفسنا زوجات من بين بني البشر وننجب منهن نسلاً. فقال لهم رئيسهم سيمياز:
أخشى أن تتراجعوا عن فعل هذا الأمر بعد الشروع به وأدفع وحدي ثمن هذه الخطيئة العظيمة. فأجابوا جميعاً:
دعونا نقسم قسماً، ولتحل اللعنة على كل من يتراجع عن فعل هذا الأمر. فأقسموا جميعاً وارتبطوا بقسم اللعنة هذا؛ ثم هبطوا من السماء على قمة جبل حرمون. وهذه أسماء رؤسائهم:
سيمياز، راميئيل، تامئيل، دانئيل…إلخ. هؤلاء هم رؤساء العشرات، وكان الجميع تحت إمرتهم.ويتابع الكاتب فيقول بأن هؤلاء الساقطين الذين ينتمون إلى فئة ساهري السماء الموكلين بتفقد أحوال الأرض على الدوام، قد اتخذوا لأنفسهم زوجات من بين الناس، فولدت الزوجات لهم عمالقة طول الواحد منهم ثلاثة أذرع.
ولكن شر العمالقة كثر على الأرض وأكلوا الأخضر واليابس، وعندما لم يبق ما يكفي لطعامهم راحوا يلتهمون البشر أيضاً، فصعد صراخ البشر إلى السماء. عند ذلك نظر الملائكة ميكائيل وسورافيل (= إسرافيل) وجبرائيل من الأعالي، ورأوا ما يجري على الأرض من شر وعنف، فمضوا إلى الرب وأطلعوه على الأمر.
بعث الرب مع الملائكة إلى أخنوخ يأمره بأن يذهب إلى الساقطين وينقل لهم قضاء السماء بشأنهم؛ فهم سيشهدون ذبح أولادهم العمالقة، وبعد ذلك يقيدون في ثنايا الأرض لسبعين جيلاً حتى يوم الدينونة، عندها سيقادون إلى هوة النار وإلى العذاب الأبدي.
سمع الساقطون حكم الرب عليهم فارتاعوا، وطلبوا من أخنوخ أن يشفع لهم عنده ويقبل استرحامهم؛ فمضى أخنوخ وجلس عند ضفة النهر حيث قرأ استرحام الساقطين، وكرر ذلك حتى وقع عليه سبات وعرضت له رؤيا، فرأى فيما يرى النائم أنه قد عُرج به السماء حيث مثل في حضرة الرب:
“كنت ساجداً طيلة الوقت أرتعد. ثم كلمني الرب بصوته قائلاً:
تقدم يا أخنوخ واسمع كلامي… اذهب إلى ساهري السماء الذين أرسلوك لتسترحم من أجلهم وقل لهم:
لقد كان أحرى بكم أن تسترحموا من أجل الإنسان لا أن يسترحم الإنسان من أجلكم. لماذ توليتم عن السماء العليا المقدسة لتناموا مع النساء وتتدنسوا ببنات الناس، وتأخذوهن لكم زوجات مثل بني البشر وتنجبوا منهن نسل العمالقة؟ لقد كنتم قديسين وروحانيين، ولكنكم تدنستم بدم النساء وأنجبتم أولاداً من لحم ودم، ومثل الذين يموتون ويفنون صار لكم توق لجسد اللحم والدم.
لقد أعطيت أولئك نساءً ليخصبونهن وينجبوا منهن أولاداً لكي لا يفنى جنسهم على الأرض، أما أنتم فكنتم روحانيين وخالدين فلم أعطكم زوجات لأن السماء مسكنكم. والآن فإن العمالقة أولادكم نسل الروح والجسد سيدعون أرواحاً شريرة، لأن أرواحاً خبيثة سوف تصدر عن أجسادهم المذبوحة ويكون في الأرض مسكنها.
لن يأكلوا ويشربوا على الرغم من أنهم يجوعون ويعطشون. سوف يسببون الأذى والعنف والدمار على الأرض، ويدفعون الناس إلى الخطيئة وإلى المعصية، ويقومون ضد أبناء الناس وضد النساء لأنهم منهن أتوا.
عندما يَهلَك العمالقة سوف تعيث الأرواح الخارجة منهم فساداً وترتع بلا رادع إلى يوم الحساب الأخير، يوم يهلك الساهرون الساقطون. فقل لهم لن يكون لكم سلام أبداً”.
بعد ذلك يأخذ الملائكة أخنوخ في جولة تكشف له أسرار السماء، ويستغرق وصف هذه الجولة بقية الجزء الأول من السفر. وقد رأى، من جملة ما رأى، خزانات الرياح، وخزانات البروق والرعود وخزانات الغيوم والثلوج. ورأى منابع الأنهار كلها ومنابع البحر.
ورأى الملائكة التي تحرك عجلات القمر والشمس وبقية الأجرام السماوية، والملائكة التي تسند قبة السماء عند آفاق الأرض حيث بوابة السماء التي تخرج منها النجوم في مواعيدها، وبوابات الرياح الأربعة، وبوابات الثلج والبَرَد والضباب والندى.
ورأى مكان المطهر حيث تلبث أرواح الموتى في انتظار يوم الحساب الأخير. ورأى جنة الأبرار وجحيم الكفار.
تحتوي الأجزاء اللاحقة من السفر على عدد آخر من الرؤى مصاغة بأسلوب شعري ترميزي يفتقد إلى الشروحات التفصيلية التي ميزت الجزء الأول.
ولسوف نقتبس فيما يلي أهم هذه الرؤى المتصلة بموضوعنا، وهي التي تدور حول المخلِّص المنتظر المدعو بابن الإنسان، والتصورات الآخروية المتعلقة بنهاية الزمن.
 
مبدأ الأيام وابن الإنسان:
التي يُرجع الاختصاصيون زمن تدوينها إلى أواخر القرن الثاني قبل الميلاد. وقد عُثر على مقاطع متفرقة من هذا السفر باللغة الآرامية بين نصوص قمران (مخطوطات البحر الميت)، كما عُثر على مقاطع متفاوتة الطول منه باللغتين اليونانية واللاتينية. أما النص الكامل فمتوفر فقط باللغة الإثيوبية، لأن الكنيسة الإثيوبية قد تبنته باعتباره جزءاً من كتاب العهد القديم.
نحواً من ألفين من الصفحات. وقد اخترت التوقف عند أهم هذه الوثائق التي تحتوي على الأفكار التأسيسية للاهوت الملاك الساقط.”هناك رأيت الذي رأسه مبدأ الأيام (= الرب). كان شعره مشتعلاً بياضاً مثل الصوف، ومعه كائن آخر له مظهر إنسان ووجهه ممتليء نعمة كملاك قديس، فسألت الملاك المرافق أن يكشف لي سر ابن الإنسان من هو، ولماذا يرافق مبدأ الأيام. فقال لي:
هو ابن الإنسان الممتليء بالخير والذي به يحيا الخير. لأن رب الأرواح قد اختاره، وقدره كل خير أمام رب الأرواح إلى الأبد. إن ابن الإنسان الذي رأيت، سوف يرمي الملوك والجبابرة والأقوياء عن عروشهم وكراسيهم، لأنهم لم يحمدوه ولم يمجدوه ولم يعترفوا بمصدر مُلكهم وسلطانهم. سوف يخلع قلوب الأقوياء، ويكسر أسنان الخطأة ويخفض وجوه العتاة ويمرغها بالعار… فيضطجعون ولا يقومون”.
نلاحظ هنا أن الفكر المنحول قد تحول عن فكرة مسيح آخر الأزمنة في الإيديولوجيا التوراتية، إلى فكرة “الحقيقة المسيحانية” القائمة مع الله قبل خلق العالم. فالمسيح هو حقيقة كونية سوف تتجسد في إنسان عندما يأتي التاريخ إلى نهايته:”… قبل أن تخلق الشمس وبروج السماء ونجومها، دُعي اسمه أمام رب الأرواح.
سيكون نوراً تهتدي به الأمم وأملاً لجميع المحزونين. أمامه سوف يسجد أهل الأرض ويعبدونه ويحمدون ويباركون رب الأرواح بالأناشيد.
لأجل هذا تم اصطفاؤه وحجبه في حضرة رب الأرواح من قبل خلق العالم وإلى نهاية الدهر… في تلك الأيام سيُذلُّ الملوك والمتنفذون جراء ما اقترفته أيديهم… وسوف يسلَّمون إلى أيدي المختارين، فيحترقون مثل قش في نار أمام وجه القديسين وينمحي أثرهم…”.
القيامة والبعث:
في الرؤى التالية هنالك إشارات متفرقة إلى القيامة والحساب والمعاد نلخصها فيما يلي:
فمن علامات اقتراب الساعة انتشار الظلم وغياب العدالة، وشح المطر، وجدب الأرض، واضطراب مسارات الأجرام السماوية، وتغيير القمر لمواعيد طلوعه. وعندما تحل الساعة يحدث من الأهوال ما يجعل كل مرضعة تغفل عن رضيعها وترميه عن صدرها. عندها يُبعث من في القبور، وكل الذين هلكوا بدون دفن ومُحق أثرهم، كالذين هلكوا في الصحراء أو غرقوا في الماء والتهمتهم الأسماك، أو من افترستهم الكواسر؛ ويقف الجميع للحساب أمام رب الأرواح.
ثم تُفتح بوابة الجحيم وهي هاوية عميقة لا يسبر غورها ومهما وفد إليها من الناس لا تمتليء، فيها ملائكة العذاب ومعهم أدوات العقاب من سلاسل وقضبان وما إليها، وفي قعرها تضطرم نار أبدية تتلقف المجرمين.
 
سفر عزرا الرابع:
يقدم لنا هذا السفر تنويعاته الجديدة على التصورات الأخروية للفكر المنحول. وهو يعود في نسخته العبرية الأصلية إلى أواخر القرن الأول الميلادي، وله ترجمات إلى كل من اليونانية واللاتينية والإثيوبية والقبطية والأرمنية. ويحتفظ الفاتيكان بترجمتين عربيتين قديمتين تحت رمز العربية 1، والعربية 2.
في مدينة بابل التي سيق إليها عزرا مع بقية سبي مملكة يهوذا، تعرض له سبع رؤى متتابعة، في الرؤيا الأولى يناجي عزرا ربه ويطرح عدداً من التساؤلات حول أصل الشر ومصير إسرائيل والعالم وكيفية ثواب المحسنين وعقاب المسيئين، فيظهر له الملاك أوريئيل الذي ينقل له عن لسان الرب أجوبة تساؤلاته.
ففيما يتعلق بنهاية الزمن والتاريخ يقول له إن الساعة قادمة لاريب فيها، ولكن تسبقها إشارات وعلامات. ففي ذلك الوقت يتملك الناسَ ذعر عظيم، وتغيب سبل الحق ويختفي الإيمان في الأرض. الشمس تشرق في الليل والقمر يطلع في النهار، والدم ينبثق من الأشجار. الصخر يتكلم ويسمع صوته، والنجوم تغير مجراها وتتساقط على الأرض.
تتشقق الأرض عبر البطاح وتندلع نيران لا تنطفيء. تترك الطيور أعشاشها وتفر، والكواسر تهجر مقراتها، والبحر يلفظ أحياءه. تجف الحقول وتفرغ الأهراءات، ويختلط ماء الأرض الحلو بمائها المالح.
يقوم الإخوة والأصدقاء ضد بعضهم ويتقاتلون بضراوة. عمل الناس لا يعطي ثماراً وكدهم يذهب هباءً.
في الرؤيا الثالثة ينقل الرب لعزرا خبر مملكة المسيح القادمة على الأرض والتي ستدوم مدة أربعمئة سنة:
“هو ذا يوم يأتي بعد ظهور الإشارات التي أبنأتك عنها، فتظهر المدينة التي لا أثر لها الآن ويُكشف عن الأرض غير المنظورة الآن. عندها سيرى عجائبي كل من نجا من الكوارث التي أخبرتك بخبرها. عندها سيظهر المسيح ابني والذين معه، وسينعم الذين بقوا مدة أربعمئة سنة.
ثم يموت المسيح ويموت كل ذي نسمة حياة، ويعود العالم إلى الصمت البدئي مدة سبعة أيام كما كانت حاله قبل البدايات. بعد ذلك يستيقظ العالم النائم ويتلاشى منه ماهو قابل للفساد… ستلفظ الأرض الأجساد النائمة فيها، وتُخرج ردهات المطهر ما عُهد إليها من أرواح، ويظهر العلي مستوياً على عرش الدينونة.
عندها تزول الرحمة ويغيب الصبر ويبقى الحساب العسير، ويُعرض الثواب والعقاب. عندها تتعرى هاوية العذاب ويبرز في مقابلها مقام النعيم، يُكشف عن أتون الجحيم ويبرز في مقابله الفردوس المقيم.”عندها يقول العلي للأمم التي بعثت من الموت:
انظروا الآن إلى الذي أنكرتم وصاياه، ثم انظروا إلى هذه الجهة وإلى تلك، هنا النعيم المقيم وهناك العذاب والجحيم. هذا ما يقوله العلي في يوم الدينونة، يوم لا شمس فيه ولا قمر ولا نجوم، لاسحب فيه ولا رعد ولا برق ولا ريح ولا ماء، لا صباح فيه ولا مساء، لا صيف فيه ولا ربيع ولا حرّ ولا صقيع ولا وابل ولا ندى… وحده مجد العلي يتلألأ”.في الرؤيا السادسة نجد المسيح طالعاً من وسط البحر:
“هبت من البحر ريح دفعت أمامها كل أمواجه. فنظرت ورأيت من قلب الريح شكل إنسان يطلع من البحر. ثم رأيت ذلك الإنسان يطير مع الغيوم في الأعالي، وأينما أدار وجهه حدثت رجَّة ورجفة، وكلما هدر صوته ذاب سامعوه مثلما يذوب الشمع المحمى. ثم رأيت حشوداً تهب من الجهات الأربع لتقاتل الرجل الطالع من البحر، ولكنه اقتطع حبلاً عظيماً بيديه وقذفه عليهم، فتملك الذعر تلك الحشود التي تجمعت للقتال ولكنها عزمت على الهجوم. فلما رآها تقترب منه لم يرفع يداً ولم يمسك حربة أو سلاحاً، ولكنه أطلق من فمه زفيراً نارياً ومن لسانه عاصفة من الشرار، فامتزج الاثنان في تيار ملتهب انصب على الحشود المهاجمة فأتت عليهم جميعاً، ولم يبق في أماكن تجمعاتهم سوى الغبار والرماد وروائح الدخان. ثم رأيت الرجل يهبط من الجبل ويدعو إليه حشداً آخر هادئاً ومسالماً، فتقاطر إليه أناس بعضهم فرح وبعضهم حزين وبعضهم يرسف في الأغلال”.
يطلب عزرا تفسير رؤياه فيأتيه جواب الرب على لسان الملاك موضحاً له معنى كل ما رأى. بعد ذلك يسأل عزرا عن مغزى طلوع الرجل من البحر فيأتيه جواب العلي: “كما أن أحداً لا يستطيع أن يكتنه مافي أعماق البحر، كذلك لا أحد على الأرض يستطيع رؤية ابني ومن برفقته إلا عندما يأتي يومه ووقته”
(1) J.H. Charles worth, The Old Testament Pseudepigrapha, Doubleday, New York, 1983. (2)وهو السلف السادس بعد آدم من سلالة ابنه شيت، الذي يقول عنه سفر التكوين (5: 21-24) بأنه رُفع حياً إلى السماء