23 ديسمبر، 2024 9:54 ص

لامؤامرات كونية في العراق

لامؤامرات كونية في العراق

أن تعيش على فرضية أنك مستهدف وهناك من يتآمر عليك طيلة الوقت، فهذا شيء سلبي للغاية. ستكون أسير النظرية وإنت بذلك تعلم او لاتعلم قد افسدت حياتك وجعلت القلق يلازمك والخوف يسيطر على محيطك. هذا لايعني ان العالم خالي من المؤامرات، بل هي موجودة في حدودها ودوافعها وغاياتها وأسبابها، لكن المبالغة في التعاطي مع الأمر وتصوير اتفه الأمور وأبسط الأشياء على إنها مؤامرات، ستجني من ورائها كثير من السلبية النفسية والعملية.

لعشرات السنوات كان العراقيين يعيشون آبان حكم البعث ونظام صدام حسين في هوس المؤامرة الكونية التي تستهدف وجودهم وبلدهم وإمكانياتهم ومقدراتهم، وهذا كان منطقي حدوثه وطبيعي رواجه بالنظر للأزمات السياسية والعداء المعلن بين العراق والعالم بل وأكثر من ذلك كانت الحروب الكثيرة التي خاضها العراق خير برهان للشارع العراقي على إن بلادهم مستهدفه لسبب او أخر. لكن الحقيقة لم يكن هناك مؤامرة كونية بل فشل سياسي من كل الأطراف سواء الدولة العراقية أو بقية العالم في حل المشاكل. اذن هي لم تكن مؤامرة كونية بل مواقف منطقية بالنظر لتأزم العلاقات، وقد يكون بني على ذلك تحالفات ومؤامرات اقليمية ودولية لكنها في النهاية تبقى في نطاق عدم التفاهم والخلاف والمشاكل. بمعنى لم تكن الدولة العراقية أو بقية العالم يقيمون علاقات جيدة متبادلة، ثم إكتشفنا ان هناك من يتآمر على الأخر.

بعد سقوط نظام البعث وإنفتاح العراق على العالم والمحيط والأقليم، كان يفترض أن تنتهي حالة الهوس بالمؤامرات فلايمكن تصورها من الولايات المتحدة مثلاً وهي موجودة في آرضنا وتساهم في بناء نظام جديد، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. كذلك إنتفت كافة الأسباب المؤدية للشعور بأن هناك من يتآمر على العراقيين، فلا عداء مع أحد ولاجيش يقلق الجوار ولانظام يتبنى أفكار حادة بعيدة كل البعد عن السياسة. وبالفعل كانت هذه الحالة موجودة وملموسة لعام واحد او اثنين، ثم عدنا للمربع الأول. الأحداث الأمنية والفشل السياسي الداخلي والخارجي كان مبرر كافي لإشاعة الشعور بالمؤامرة، وبالطبع لا أحد يستطيع الجزم بوجودها من عدمه.

العام الأخير وصولاً لليوم إرتفع الشعور بالمؤامرة عند الناس وهذا لايمكن اثباته واقعياً بل إستشعاره غالباً، فمن بعد سقوط نينوى وصلاح الدين وعدة مدن إخرى، كان من الصعب على الكثيرين وهم الأغلبية على ما أظن، إستيعاب ماجرى وأنه برؤيتهم لايمكن أن يكون إلا بدفع وتوجيه وكل هذه الكلمات التي تبين أن الأمر في النهاية مؤامرة. لكن لا أحد يستطيع إثبات انها كانت فعلاً مؤامرة أو من مصدرها بدليل ملموس ولا يمكن نفي الفرضية بكلمات إستنتاجية، ذلك لأن الأمر معقد ومركب.

يلفت إنتباهي اليوم مع العمليات العسكرية الجارية والطلعات الجوية للتحالف الدولي، أن هناك من يشيع بين الناس أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قد زود تنظيم داعش بمعدات عسكرية عبر الطائرات وأنه قام بقصف تجمعات للجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي في تواريخ عدة واماكن مختلفة، بل وصل الأمر للقول أن هناك طيار عراقي من القوة الجوية العراقية قد تم فصله من الوظيفة بعدما حلق بطائرته فوق نينوى ليرى أن جنود إمريكان يدربون مقاتلي تنظيم داعش في معسكر للتدريب وإلى ما ذلك. هذا الكلام قد يبدو سخيف للبعض وقد لايجد له أهمية كي يطرح في موضوع ويناقش، لكنه سيتراجع عن رأيه فيما لو علم انها تصريحات رسمية ومواقف سياسية من شخصيات حكومية وبرلمانية وحزبية بل وحتى دينية. أنه أشبه بحديث المقاهي ومنشورات الفيسبوك لكنه موجود وحدث ويحدث لدرجة أن الحكومة شكلت لجنة تحقيقية لم تتوصل لشيء ومن إدعى هذه الأخبار بعد طلبه للشهادة نفى او لم يثبت بل والبعض تغيب ولم يشهد او يزود الحكومة بدليل واحد يثبت صحة هذه الأدعاءات. ومع توقف عمليات تكريت وإنتظار القوات للأوامر وحسب الخطة الموضوعة من قادة الجيش العراقي والحشد الشعبي التي تتبنى الحفاظ على المدن وفق التصريحات الحكومية وإستنزاف التنظيم في معركة محسومة وشبه منتهية لصالح الجيش العراقي، تكثر الشائعات والأخبار وتتصدر فكرة المؤامرة عقول الناس. بعد توجه السيد عمار الحكيم للقاء الملك الأردني قبل يوم أو اثنين، تم إستثمار ذلك بشكل يبدو سياسي مدفوع لغرض إستثارة الشارع العراقي. فقد قيل أن الملك الأردني قد طلب من السيد الحكيم أن تتوقف العمليات في تكريت حتى يخرج منها عزت الدوري وقادة للبعث وأخرون للجيش السابق. ولانعرف مدى قدرة السيد الحكيم على تنفيذ هكذا مطلب إن تم الطلب منه، وهل يقبل، وهل تفعلها الأردن، وهل يتواجد عزت الدوري في تكريت؟. كلها اسئلة منطقي الأجابة عنها بالنفي.

مايجري هو أن هناك من يدفع بأتجاه إشاعة فرضيات المؤامراة، مستغلاً بذلك الواقع الإمني والسياسي في العراق والمنطقة عموماً، لغرض تحقيق مكاسب سياسية وحزبية على حساب أخرون. بالتالي أن الناس تصدق والناس ترى وتسمع وتعيش الواقع وكل هذا ينسجم مع قبول الشعور بالمؤامراة ولو بشكل داخلي. نحن أمام أزمة ومشكلة حقيقية، فأشاعة هذه الفرضيات لها تأثير سلبي للغاية في المجتمع وفي الدولة بل وفي نفوس حتى المقاتلين من الجيش. ماذا يفعل الجندي مثلاً في المعركة وهو يستمع لنائب برلماني يقول أن الولايات المتحدة تقصف الجيش العراقي وتزود بطائراتها مقاتلي تنظيم داعش بالسلاح والعتاد؟.