تعد المرحلة الزمنية بعد الانتهاء من طرد الدواعش الى موعد الانتخابات المقبلة في الحياة السياسية العراقية, مرحلة تشكل ونشوء جديد, او استمرار لواقع متدهور, وهي بذلك تشبه حالة الخلايا الجذعية غير المتخصصة في الحيوان, والقادرة على التحول الى خلايا متخصصة عظمية او عضلية او غيرها حسب ما يحيط بها من ظروف.
التحول الكبير بعد سقوط النظام سنة 2003 لم يأذن في نشوء حياة سياسية مستقرة تمتلك منهج واضح في بناء الدولة, ولم يلاقي رضى واطمئنان من جميع الاطراف فالانقسام الطائفي والقومي يعشعش تحت طاولة الاتفاقات السياسية, ويستظل تحت سقف الدستور, ومحاولات الرجوع الى الوراء يسمع صوتها في كل يوم طيلة الاربعة عشر سنة الماضية, والفساد كان من ابرز صفات جميع مفاصل الدولة الا اللمم, وقصور النظر السياسي ساهم في تعطيل الكثير من المشاريع, وكل ماذكر كان قادراً على اسقاط الدولة والنظام الجديد, لولا وجود عنصرين هما المرجعية وقدرتها على ضبط ايقاع الجماهير في الاوقات الحساسة, وثراء خزينة الدولة والتي لعبت دور المخدر الاجتماعي لكثير من الفشل والفساد.
لم تكن وحدها طول المدة كفيلة بكشف حماقات بعض الساسة وجهلهم, بل ساهم سقوط الموصل ومارافقه من احداث كثيرة في ايجاد قناعة لدى المجتمع السني عموما بحماقة التصديق بالشعارات الطائفية, وضرورة الالتفات الى حجم المأساة التي خلفتها تلك الاحداث على ارواح الناس, ومصالحهم كما اوصلتهم الى قناعة القبول بالخيارات الديمقراطية, لا من اجل تخريب العملية السياسية كما كان في السابق, بل في ترميم ما أتلفته تلك الافكار والمواقف, ومن جهة اخرى كان لهبوط اسعار النفط دور كبير في كشف القرارات الارتجالية وتضييع مئات المليارات مع تردي اقتصاد الدولة ومعايش الناس وتفشي الفساد بشكل مخجل.
مرحلة ما بعد داعش يمكن ان تكون مختلفة كثيرا عن ما قبلها, لانها تشكل بروز وعي قسري للعراقيين يكشف عن امرين؛ الاول ظاهرة تراجع اقتصادي وبطالة ساحقة وغياب لحلول طويلة الامد, والثاني سقوط الكثير من الافكار التي كان جملة من الساسة يعبئوا الناس من خلالها فلا التخويف بعودة البعث بات منتجا, ولا (كلا كلا امريكا) اخذ يستنهض ركام الآلاف من خريجي الجامعات والعاطلين عن العمل, كما ان نيران داعش وسمت جميع العقول ومنعتها من اعادة التفكير بالمنطق الطائفي, ولكن هل يكفي ذلك في بداية حياة سياسية جديدة تنتهج العمل, واستخدام موارد الدولة بالشكل الامثل, ومغادرة الولاءات الاقليمية والحقد الطائفي والقومي؟
ان ذلك منوط بامور عدة منها ادراك المجتمع للمرحلة المقبلة وقابليتها على التشكل نحو الافضل او البقاء مترنحة في مكانها, وان تأخذ النخب الثقافية دورها في التبشير بهذه المرحلة التي ان لم تنتج تجديد في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, فانها سوف تستصحب الواقع الى ما شاء الل.. ومنها مساهمة الاحزاب في تقديم مرشحين للمواقع التنفيذية والتشريعية والسياسية من وجوه جديدة لا تتحمل لائمة الفساد والتستر عليه والفشل والخطاب المتشنج والتحريضي, ويبقى الدور الاكبر هو لخيارات الشعب في الانتخابات المقبلة والذي ان شاء يعجل من حالة التعافي والا فأن السنن الالهية قادمة لا محالة ولكن بعد ان يذوق الناس جزاء خياراتهم غير الدقيقة……… وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ.