23 ديسمبر، 2024 6:36 ص

تشكلت المنظومة السياسية الجديدة في العراق بعد عام 2003 وفق حقائق اثنية وقومية ، لايمكن تجاهلها او التغاضي عنها ، حيث كانت تمتلك من الحضور والقوة ما جعلها تفرض نفسها على الجميع وأولهم المحتل الامريكي .. فلا احد يستطيع ان ينكر او يسوف نمطية اجتماعية ودينية عاش عليها المجتمع العراقي لقرون طويلة ، خضعت لفترات مد وجزر لصالح هذا المكون او ذاك ، لكنها بقيت كل تلك المدة  تعمل بالخفاء وخلف الكواليس لايتجرء احد على الخوض بها او اظهارها للعلن خوفا من بطش السلطة الحاكمة التي توالت على حكم العراق منذ الفتح الاسلامي 15 هجرية والتي كانت في اغلبها ذات صبغة طائفية واحدة ..او حفاظا على السلم الاهلي والتعايش من قبل عقلاء القوم من جميع الطوائف والاثنيات ، وبعد سقوط الصنم كل ماقامت به الولايات المتحدة الامريكية هو ابراز هذا التنوع للعلن وبدون اي ضوابط او محاذير ، وانزاله الى الشارع من خلال مجلس الحكم الذي شكلته السلطة المدنية للاحتلال الامريكي ..ليأخذ هذا التنوع صبغة سياسية قائمة على نسب التعداد السكاني لتلك المكونات ، وكانت لهذه الخطوة ان ينتج عنها خروج قرن الشيطان في ارض الرافدين ،وايقاض مارد الفتنة والتناحر السياسي والطائفي والقومي بين مكونات الشعب في ظل ثلاثية افرزتها مرحلة مابعد البعث وحكم الاقلية ، ولدت صراعا على السلطة بين الشيعة العرب الذين ظلوا لقرون طويلة يعيشون عقدة التهميش والاقصاء التغييب الحقيقي في محيط سني لبس عباءة القومية العربية مارس عليهم اعلاما شوفينيا جردهم فيه حتى من عروبتهم ..وهم الان مؤمنون باحقيتهم في حكم العراق كونهم يشكلون الاغلبية فيه ، والطرف الاخر من هذا الثالوث هم الكورد الذين عاشوا على حلم الدولة الكوردية ويخافون من عودة الماضي الذين عانوا فيه القتل والتهجير والاقصاء ، مما جعلهم شركاء المحنة مع الشيعة العرب ويعيشون نفس المخاوف والهواجس ..واما الطرف الثالث فهم السنة العرب الذين صور لهم الاعلام القومي الطائفي العربي بان ماحدث بعد 9 نيسان 2003 هو هزيمة لهم ولسلطانهم الذي امتد في العراق لاربعة عشر قرن ..ان هذه المعادلة المعقدة جعلت كل طرف من هذه الاطراف يعمل في اطار تخندقه العرقي والطائفي ، فكان الضحية هو العراق الذي قاده هذا الصراع والتشتت الى حافة الهاوية وهو الان يعيش هاجس التقسيم ، في ظل متناقضات فرضت نفسها عليه سمحت للارهاب ان يمد اذرعه وبقوة على مساحته الجغرافية ، ضمن مؤامرة اشتركت فيها اطراف خارجية وداخلية ، تداخلت فيها الخنادق ..وفي ظل هذا الظرف الشائك والمعقد لازالت الانظار في الخارج والداخل ترنوا الى البيت الشيعي المتمثل بالتحالف الوطني ، الذي يعد العمود الفقري للمنظومة الحاكمة الان ، وما سيفرزه صراع الارادات بين مكوناته التي تمثل معظم الطيف الشيعي في العراق ..لذا عليه ان يكون بمستوى المرحلة وخطورتها ، وان يعمل قبل كل شيئ على توحيد صفوفه وتجاوز خلافاته الجزئية ، ويتخذ قرارات جريئة تصحح الكثير من اخطاء الماضي ، وتعيد رسم الخارطة السياسية في لعراق ، ابتداء من اختيار رئيس وزراء يحظى بمقبولية جميع الاطراف ، على ان لايكون هذا الاختيار على حساب كرامة وهيبة المكون الشيعي من خلال الخضوع لاملاءات الاخرين ونزواتهم ..يليها اعادة ترتيب اوراقه مع حلفاء واصدقاء الامس القريب الكورد ، ومد جسور الثقة والتعاون من جديد بينه وبين هذا المكون المهم من الشعب العراقي ومحاولة حل جميع المشاكل العالقة بين الطرفين تحت مظلة الدستور ..واهمها استعادة كركوك ونفط الاقليم ..وعلى التحالف الشيعي احتضان السنة العرب وتطمينهم ومحاولة سحب البساط من تحت اقدام المنظمات الارهابية التي سعت الى استدراج السنة العرب الى فخ العنف عبر الشعارات الطائفية والقومية وايهامهم بعقدة التهميش والاقصاء ..ويتم ذلك عبر ثلاث طروحات قابلة للتطبيق على ارض الواقع واذا ما تبنى التحالف الوطني واحدا منها فسيكون الحل لاهم مشاكل العراق الجديد ..وهي اما الفدرالية التي تضمن عدم تحول الاقليم السني الى قاعدة للتطرف والارهاب وقاعدة انطلاق للجماعات المتطرفة في الاعتداء على المكونات الاخرى للشعب العراقي ..او تشجيع وتبني الجماعات المؤمنة بالعملية السياسية والتغيير في تلك المناطق والتعاطي معها وجعلها الركيزة الاساس لمنظومة امنية واستخباراتية قوية تحول دون حدوث انتكاسات امنية كبيرة كما حدث في الموصل وتكريت ، والحل الثالث هو توسيع قاعدة التحالف الوطني الشيعي وتحويله الى مؤسسة سياسية كبير تظم اطراف وزعامات وواجهات سياسية واجتماعية من الطرف الاخر ، قادرة على احداث تأثير ملموس على الارض في مناطقها الساخنة تضمن حدوث حالة انسجام وتقبل لدى جماهير تلك المناطق للتغيير الذي حدث بعد سقوط الصنم عام 2003 ..وعليه فأن الفرصة لازالت سانحة للتحالف الشيعي بحل الجزء الاكبر من المشاكل التي تعاني منها البلاد طيلة الاحد عشر سنة الماضية ، وأعادة اللحمة الوطنية والسلم الاهلي الى ربوع العراق الجريح عبر مصالحة وطنية حقيقية وليست صورية قائمة على الرشوة والمجاملات ، مستغلا هذه الفرصة التاريخية التي منحت لهم  بحكم العراق بعد اقصاء دام لقرون طويلة ..وعليه استعادة المبادرة من خلال تحديد الاهداف ووضوح الرؤية وصدق النية ..ولكي لايذكر التاريخ بأن  الشيعة العرب اتيحت لهم فرصة حكم العراق وفشلوا ..لذا عليه ادراك حجم وعظم المهمة المناطة به ..وان لايفرط بهذا المكتسب الكبير كما فرط به الشيعة العرب عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921.