قيل للفرزدق الشاعر العربي المعروف : كيف أصبح جرير أشعر شعراء عصره ؟ قال : وجد حجرا وأجرا فبنى
ولسائل يسأل : كيف هيمنت أمريكا على العالم وأتخذت من العراق جار أيران مرتكزا لآعادة المعادلات في المنطقة ؟
والجواب : لآن أمريكا لازالت تمسك بمفاتيح ألاقتصاد ” مصارف , بنوك , صندوق نقد دولي , تحويلات , أتصالات ” ولازالت تمسك بتقنية أستخراج النفط والغاز وفي ذلك الكثير من ألاسرار ” ولازالت تمسك ببورصة الصناعة ألام ” طائرات حربية , صواريخ بلاستيكية وعابرة للقارات , أقمار صناعية , قنابل نووية مختلفة ألانواع , طائرات بلا طيار ” ولازالت تمسك بأعالي البحار والمضائق في العالم , ولازالت تمسك حتى بلغة العلوم العالية فكل الدارسين لمراحل الماجستير والدكتوراه العلمية التخصصية لابد لهم من أمتحان ” التوفل ” في بلادهم , ولابد لهم من أجتياز أمتحان ” أيلتس ” أذا كانوا يريدون الدراسة في جامعات أمريكا وأنكلترا , ورسم هذا ألامتحان ” 240 ” دولارا عدا مصاريف السفر والنقل والفنادق , وطلابنا في العراق لايجدون فرصة في بغداد لذلك منهم من يسافر الى أربيل أو عمان ألاردن أو بيروت أو أنقرة وأسطنبول وهناك فرصة لآداء هذا الامتحان في طهران والمكان في فندق الاستقلال رغم التوتر الموجود بين أيران وأمريكا ألا أن التفوق وسيادة اللغة للمنتصر القوي تفرض نفسها وهذا ما لايدركه غالبية الناس وربما حتى الذين يحتاجون أداء تلك ألامتحانات , أن تقنية بيوتنا لازالت تحت الهيمنة ألامريكية , وموضة ملابسنا هي رهن لمزاج الشركات الغربية وعلى رأسها أمريكا , ومن هنا فأن الذي يملك كل هذه ألابعاد والخصوصيات هو من يتمكن معرفة أحوال الناس ومستوى تفكيرهم , فيسبقهم بالخطط مثلما يسبقهم بالقوة , وهذا ماهو عليه أمريكا , وما عليه نحن هو عكس ذلك تماما , أن المتمكن المكتفي يمكن أن يكون وطنيا مخلصا لبلاده أكثر من غير المتمكن وأكثر من غير المكتفي , وألامريكيون ومعهم ألاوربيون عرفوا هذه المعادلة قبل مايزيد على ثلاثمائة سنة في بلادنا وعملوا عليها فأتفقوا على أن يتركوا أهل هذه المنطقة ومنها العراق غير متمكنين وغير مكتفين حتى يظلوا بحاجة لهم وهذا مايحصل ألان للعراق وللمنطقة وأذا كانت أيران حاولت بعد ثورتها ألاسلامية التخلص من شراك هذه اللعبة وتكون أستثناء ألا أنها لازالت لم تتخلص من كل الشراك رغم محاولتها الجريئة في ألاستقلال وألاعتماد على نفسها وأستثمار مواردها , ألا أن الحصار ألاقتصادي كان ثقيلا ومؤلما لها , وعدم نضوج المستوى الثقافي والوعي السياسي لشعوب المنطقة جلب لآيران متاعب كثيرة لكنها لازالت تمتلك ألارادة في التحدي وهذا عندما تضاف له طاقة ألايمان يصنع أشياء ليست في الحسبان .
أما عندنا في العراق فنتيجة تدني مستوى الوعي لازالت علاقة المواطن بالدولة علاقة لم تتخلص من تبعات التخلف الثقافي والسياسي , ولازال وعي الناس ملتبس بين المقدس وغير المقدس , وهو أختبار قديم في هذه المنطقة فشلت فيه شعوب وأمم , ونجحت فيه شعوب وأمم لآمد محدود لآن عناصر الفشل حاضرة تحمل معها هدم ألافكار الصالحة وتستبدلها بأفكار شريرة عندما يغيب القدوة أو الرمز فيستعاض عنه برموز غير حقيقية كما يحدث عندنا في العراق اليوم , فيكون موت الحضارات كما حدث للحضارة ألاسلامية التي أنقطع عنها من ينتسب لها قولا وليس عملا فما عاد التواصل بقادر على بناء مرتكز حضاري جديد , ومن لايمتلك مرتكزا حضاريا في عصره لايكمنه دخول التاريخ , والشعوب ألاسلامية والعربية ومنها العراق لاتمتلك مرتكزا حضاريا معاشا يحتاجه أهل العصر , نعم هم يمتلكون منطلقا نظريا , ولكن المنطلقات النظرية تظل أحلاما وأمنيات أذا لم يتم مزاوجتها مع الواقع العملي بصيغة ” نظرية علمية ” أو ” خطة أقتصادية ” أو ” مشروع تنمية أجتماعية ” أو ” صناعة عصرية ” وبدون ذلك نبقى معلقين في الهواء , ومكاننا الصحيح على ألارض ” وألارض وضعها للآنام ” وليس مكاننا في الهواء .
عندما نقول أن اللعبة لازالت بيد أمريكا , لانريد أن نفقد ألامل , ولا نريد أن نتصاغر ونفقد ألارادة , ولكننا نريد أن نستقرئ الواقع على ضوء معطيات حسية , فالحس في مفهومنا ألايماني أحد مرتكزات نظرية المعرفة وفهم العالم , فالعراق اليوم لايمتلك طيرانا حربيا كافيا , ولايمتلك معدات تسليحة كافية لماذا ؟ ثم ظهر لنا أننا لانمتلك القيادات العسكرية وألامنية المخلصة الكافية , ولانمتلك جيشا وشرطة مدربة تدريبا كافيا ؟ لماذا حدث لنا كل ذلك ؟ لآننا لم نكن نمتلك وعيا وثقافة حقيقية تعمل للوطن وللآنسان , وبقينا ننشغل بمسميات لاتنتمي لثقافة صنع ألانسان المتوحد مع ربه ومجتمعه ” يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي الى ربك راضية مرضية , فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي ” أن مفهوم الشيعة والسنة ولد كمشاغبة ولم يولد كحاجة روحية , الحاجة الروحية تكفلها ألاسلام بصيغة الكون المتدين , وخليفة ألارض يجب أن يكون متدينا لاعلى طريقة ألاكراه والقمع وأنما على قاعدة ” التأمل والتفكر ” ” قل أنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادا وتتفكروا مابصاحبكم من جنة أن هو ألا رسول كريم ..”
ولآننا ضيعنا بوصلة ألانسان المتفكر المتصل بالسماء , وبوصلة الوطن الذي ينتمي للآرض , والسماوات وألارض قالتا للرب الخالق أتينا طائعين فلماذا لانكون نحن كذلك , لايقول لي أحدكم أن ألامريكيين وألاوربيين واليابانيين وألالمان وألانجليز لم يقولوا ولم يؤمنوا كما قالت السماوات وألارض لربها وهم متعلمون ولم يعملوا بتلك القاعدة ولكنهم اليوم أقوياء متمكنون ولهم الغلبة ولم يصبحوا جزءا من الكون المتدين ؟ أقول لكم هذا صحيح , ولكن هذا التمكن وهذه الغلبة لاتدوم ” أن ألارض يرثها عبادي الصالحون ” وأنا ريد لنفسي ولكم ولآهل ألارض جميعا أن يعملوا على سياق هذا المفهوم برغبة وطواعية وتفهم ومحبة بعيدا عن القهر وألالغاء والتسلط , وألامريكيون اليوم نتيجة تمكنهم وغلبتهم منذ الحرب العالمية الثانية الى اليوم مارسوا تسلطا وأسسوا قهرا وما معاناة الشعب الفلسطيني ألا مثالا بتسليط الصهاينة عليهم , والتسلط والقهر بغي والباغي مصروع حتما , ولكننا علينا أن نهتم ببناءنا الداخلي حتى نستعيد قوتنا ولا نظل ننتظر مساعدة ألاخرين التي قدتأتي منقوصة وبمنة وقد لاتأتي ولانظل ننتظر ضعف من غلبنا , فذلك غيب لسنا مكلفين بمعرفة تاريخه , أن عادات التشيع والتسنن حجبت عن الكثير منا أصالة ومنابع ألاسلام الحقيقية لذلك لم يكن أئمة أهل البيت عليهم السلام يعملون بمسميات طارئة وأنما كانوا يؤصلون ألافكار ويرجعونها الى منابعها ألاسلامية في القرأن والسنة ولذلك لاتجد أختلافا في الفتيا بينهم وهذه من علامات صحة منهجهم , فالحزن على الحسين مثلا والبكاء عليه هو أمر مشروع يؤيده الدين والعقل و لم يكن ناشئا كما قد يتصور البعض من قلق على مصير الحسين فهو عليه السلام في الجنة بناء على قول رسول الله “ص” الذي لاينطق عن الهوى أن هو ألا وحي يوحى ” ثم أن يعقوب وهو نبي من أنبياء الله قد حزن على يوسف حتى أبيضت عيناه , والنبي محمد “ص” عندما توفي ولده أبراهيم قال : أن القلب ليحزن وأن العين لتدمع وأنا عليك لمحزونون يا أبراهيم ثم أمر بعدم لطم الخدود وخدش الوجوه ونفش الشعر على الميت لآن ذلك أعتراضا على قضاء الله , ثم أن قضية الحسين هي مشروع الصراع بين الحق والباطل والطريقة التي قتل فيها تمثل فاجعة أنسانية وليست قضية شخصية ولانزعة عاطفية تعصبية , وأنما هي مواساة للنبي “ص” وعلي بن أبي طالب ولفاطمة الزهراء وتعظيم لشعيرة من شعائر الله في الجهاد أصبح الحسين بطلها وشهيدها , ثم أن محاولة أستنكار مراسم أحياء مناسبة أستشهاد الحسين هي محاولة لقمع المشاعر ألانسانية في التأثر والحنين واللوعة التي تصل الى حد البكاء وهي حالة نفسية وشعور لايلام عليه ألانسان , فالناس في كل مكان تبكي موتاها وأحبتها دون لوم وأستغراب , قال الشاعر :-
لولا الحياء لهاجني أستعبار .. ولزرت قبرك والحبيب يزار
لذلك أقول لانريد لبعض أخواننا في الوطن أن يظلوا ينظرون لمراسيم أحياء ذكرى شهادة ألامام الحسين بمنظار طائفي تعصبي يفرق ولايوحد , وشيعة أهل البيت عندما يرفعون شعار ” يالثارات الحسين ” لايقصدون بذلك الثأر من أخوانهم أهل السنة , وأنما يقصدون الثأر من كل باطل وفاسد بالعمل على أصلاحه على قاعدة ” أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ” أي قل للظالم أنت ظالم ولاتقف معه وعارضه بالطرق المناسبة , وقل للمظلوم أنت مظلوم وقف معه , والواجب من أخواننا أهل السنة أن يقفوا مؤيدين لآخوانهم أهل الشيعة في مراسم أحياء عاشوراء كما يفعل بعضهم وكما يفعل بعض المواطنين المسيحيين والصابئة , وبهذه الصورة لانعطي للآمريكيين فرصة التفريق بيننا لاسيما وأنهم عائدون الى العراق كما توحي بذلك تصريحاتهم ومواقفهم وقضية تبنيهم لمايسمى بالتحالف الدولي ضد داعش هو مقدمة لخطوات وخطط أخرى بحيث لايتركون ألارض للآيرانيين والسماء لهم كما يحلو لبعض الصحف وألاعلاميين تصوير المشهد , وسأترك موضوع دراسة وتحليل الموقف ألايراني والموقف ألامريكي في العراق الى وقت أخر حتى لاأطيل على القارئ , فأقول : أننا ألان في حالة أختبار لشخصيتنا العراقية من خلال القدرة على التفكير التي توصلنا الى القدرة على التوحد والقدرة على البناء , وهذا ممكن وينتظر منا الشروع بالتواصل والتلاحم فلايليق بنا أن يظل ألاكراد على خلافاتهم مع المركز , ولايليق بنا أن نظل شيعة وسنة متفرقين , لآن تسمياتنا هذه طارئة والحساب على ألاصل وألاصل هو ألاسلام , وألامريكيون يضحكون علينا في سرهم لسطحيتنا والحزب الجمهوري والديمقراطي في أمريكا لايختلفون على الستراتيجية ألامريكية وهم يتفقون علينا وضدنا ولكن بطرق ملتوية يسمونها الدبلوماسية الناعمة , فلماذا لانتفق نحن على أصولنا , وأصولنا ألاسلامية نجاح لنا في الدنيا وألاخرة ولكن بشرط أن ننمي زراعتنا وصناعتنا ونعتني بصحة مواطنينا ولكن ليس بهذا المستوى من ألاطباء الذين باعوا المهنة وأن نطور مدارسنا وجامعاتنا ولكن ليس بالمدرس الخصوصي وأستاذ الملازم المستنسخة وأن نعيد النظر بتنظيم جيشنا وشرطتنا حتى لايكون فاسدا فيهم وبينهم , وأن ننظم أقتصادنا وننوعه حتى لانظل معتمدين على البترول , فأمريكا تريد بنا شرا بعد أن وضعت سلم أسعار النفط ينخفض سريعا ونحن من المتضررين من ذلك وهذه رسالة لكل منتج للنفط , فألاخوة في أقليم كردستان العراق عليهم أن يعرفوا مع تغير الخطط في المنطقة وتغير أسعار النفط لم يعد أمامهم ألا العمل الموحد من خلال الدولة الفدرالية حتى نتلافى مخاطر مايخطط لنا ولاينسى الجميع أن جوبايدن نائب الرئيس ألامريكي صرح هذه ألايام قائلا أنا صهيوني ؟ أننا لايمكن لنا التخلص من شراك اللعبة الدولية التي تستهدفنا من خلال داعش وعصابات ألارهاب التكفيري ومن خلال الطوق النظيف بالمفهوم الصهيوني ومن خلال أنخفاض أسعار النفط , ومن خلال عودة القوات البرية ألامريكية بذرائع متعددة لم نحسب حسابها مبكرا وضيعنا فرصا كثيرة لبناء أقتصادنا وجيشنا وتطوير معرفتنا وأختصاصاتنا العلمية , أننا لازلنا مخترقين أستخباراتيا ولانملك حماية لآقتصادنا ومعرفتنا وعقولنا مثلما تفعل الدول التي تحمي علمائها وأقتصادها وسيادتها وهذا ألامر لايتم مالم تتغير عقولنا وسياستنا وثقافتنا ومؤسساتنا من مجلس النواب والحكومة الى أعضاء مجالس المحافظات والمحافظين وقادة الجيش وألاجهزة ألامنية , أننا بحاجة الى مشروع تغييري جذري يشمل أحزابنا فكلها فاشلة , ويشمل نقاباتنا فكلها دون المستوى المطلوب ويشمل منظمات المجتمع المدني التي لم تنشأ على أسس ودوافع صحيحة , ويشمل قضائنا المخترق بالولاءات وعدم الكفاءة القانونية بما فيها المحامون وعدم ألاعداد المناسب للمحامي وألاطباء وقد أصبحوا متاجرين بصحة الناس والصيادلة وتلاعبهم بالدواء والمهندسين وخضوعهم لآغراءات المقاولين , والمقاولون وأقترابهم من السياسيين الفاشلين والفاسدين أفسد الجميع , والتجار وتحولهم الى غشاشين ومتلاعبين بألاسعار , وعمال البناء وتحولهم الى عدم ألاخلاص والجد بالعمل والموظفون وتحولهم الى طابور كسول مترهل لايعمل سوى خلق المعاناة للمواطن , أن بلدا فيه وزراء سراق بلا كفاءة وفيه نواب لايعرفون معنى الحياة الدستورية التعددية وفيه أنتخابات يتلاعب فيها المال السياسي وتغيب عنها الضوابط القانونية وفيه نزاهة يتعين موظفوها بالواسطة , بلد يستورد كل شيئ ولاينتج ألا البترول ومع ذلك يستورد البنزين لهو بلد مخيف يحتضر بكل مالهذه الكلمة من معنى , ولكنه يظل يمتلك أمكانات الحياة والنهوض عندما يمتلك أهله زمام ألارادة والمبادرة , فأنعاش المحتضر يعتمد على جدية المسعف وخبرته , فأعملوا على أن يكون البلد بيد الجادين العارفين المخلصين العلماء تطبيقا لقوله “ص” أذا أجتمع خمس وعشرون نفر منكم ولم يؤمروا من هو أعلمهم فعملهم باطل ” وهذا الحديث نخص به الدكتور حيدر العبادي رئيس الحكومة وكل من يهمه أمر العراق,