ضمن سلسلة طويلة من التطاول والتجاوزات التي لا تليق بمسؤول يتولى رئاسة برلمان دولة تزعم رفع راية الاسلام والدفاع عنها، ناهيك عن كونه “رجل دين”، حرص علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الايراني على النبش في قبور الفتن المذهبية واستدعاء خلافات دينية تسببت في تدمير وتفرقة المسلمين لعقود وقرون طويلة.
يقول لاريجاني في تصريحات نشرت على لسانه مؤخرا في “وكالة أنباء فارس” أن النظام السعودي ينتهج سياسية الأمويين الظالمة والتي تسببت في سفك دماء الشعب اليمني، متهماً الدولة الأموية بأبشع التهم في استدعاء غريب للدين والمذهبية في التعبير عن سياق سياسي بحت.
شخصياً، اتفهم ماوراء تصريحات لاريجاني، فالرجل لم ينس يوماً أنه كان مسؤول عن تشكيل الوعي الجمعي الطائفي في إيران، حيث سبق له أن تولي إدارة الاعلام الايراني المؤدلج لنحو سبع سنوات انتهت في عام 2007، كما سبق له أن شغل منصب وزير الثقافة والارشاد الديني في حكومة رفسنجاني خلال حقبة التسعينيات، ولم يحقق فيهما شهرة توازي ماحققه من خلال ارتباط اسمه بمفاوضات البرنامج النووي الايراني، ولكن يبدو أنه عاد ليحاول مجدداً تحقيق مجد جديد على صعيد الدعاية الأيديولوجية والصراعات الثقافية والدينية!! فتغييب الوعي الجمعي للشعوب هو لعبة ايران المفضلة، ومن يقرأ تصريحات علي لاريجاني الأخيرة يدرك بسهولة أن هناك جرأة غير عادية على ترديد الأكاذيب والسعي لاقناع الجمهور ببعض التخرصات التي لا محل لها من الصحة ولا المنطق.
أهمية تصريحات لاريجاني ليست في كونه فقط أحد ملالي إيران المتعصبين دينياً وفكرياً وسياسياً، بل لأنه شخصية محورية في النظام الايراني سواء من خلال موقعه كأحد منظري هذا النظام الثيوقراطي، أو
بحكم انتمائه إلى أسرة لها باع طويل في تثبيت اركان هذا النظام، فشقيقه آية الله صادق لاريجاني يتولى رئاسة السلطة القضائية، أما شقيقه محمد جواد لاريجاني رئيس لجنة حقوق الانسان في السلطة القضائية، وعلي لاريجاني أيضا متزوج من قرينة آية الله مرتضى مطهري أحد الشخصيات التي كانت مقربة للخميني.
اللافت في الموضوع أن علي لاريجاني اختص في هجومه السعودية ووصفها بأبشع الالفاظ ووجه لها أسوأ الاتهامات، وهو في ذلك لم يخرج عن نهج عائلته وأشقائه الأصغر منه سناً، الذين يكنون حقداً شديداً للسعودية، فشقيقه الدكتور محمد جواد لاريجاني صاحب ما يعرف بنظرية “أم القرى” قد شن هجوماً حاداً على السعودية منذ فترة قصيرة على خلفية الأوضاع في اليمن وزعم بأن العائلة المالكة السعودية ستسقط في غضون السنوات العشر المقبلة، ولاريجاني الشقيق لا يقل حقداً عن أخيه الأكبر، فهو كما قلت صاحب نظرية “أم القرى” وهو من المحافظين المتطرفين المتعصبين لنظرية تصدير الثورة الايرانية والولاء المطلق للمرشد الأعلى. والنظرية باختصار قائمة على فكرة توسعية طائفية وتنطلق منها السياسات الايرانية الاقليمية في الوقت الراهن، لذا فلا غرابة أن نجد آل لاريجاني في مقدمة المتحمسين للتوغل في المحيط العربي، حيث يؤمن لاريجاني الشقيق بأنه لا بد لإيران من دور توسعي يتفادى الاصطدام بطموحات قوى اقليمية منافسة مثل إسرائيل، لذا لا غرابة في أنه صاحب أكثر التصريحات الاعلامية الايرانية صراحة على صعيد طمأنة إسرائيل من البرنامج النووي الايراني.
باختصار فإن علي لاريجاني وعائلته من أنصار فكرة التوسع على حساب دول الخليج العربية المجاورة، ويدافعون عن ذلك بكل شراسة، ويروجون لأفكار هذه النظرية الاستعمارية الطائفية التي تقول بأن “قم” هي أم القرى وليست مكة المكرمة، ويستهدفون بلورة نظرية دينية للعلاقات بين إيران والعالم العربي والاسلامي من منظور شيعي متعصب، معتبرين أن إيران هي دولة المركز للعالم الاسلامي، وأنها تمتلك معايير القيادة وأن عليها التصرف في سياستها الخارجية وفقاُ لما يمليه عليها دورها هذا!!. وفي ذلك يردد محمد لا ريجاني نفس مقولة شقيقه علي لاريجاني في الحديث عن إيران ومكانتها كقلب للعالم الإسلامي.
الخلفية السابقة ربما تفسر هذا البغض الطائفي للسعودية من جانب رئيس المؤسسة التشريعية في إيران، ومن الغريب أن يربط هذا التوجه الطائفي بالنبش في قبور الماضي واستعادة ماضي الفتن المذهبية في
التاريخ الإسلامية حين يتهجم بغرابة شديدة على الدولة الأموية، ويردد اتهامات بغيضة بحقها، وهو يدرك تماماً مدى حساسية هذا الكلام بالنسبة إلى مئات الملايين من المسلمين السنة في العالم أجمع!.
ولن استغرق في سرد أفضال الدولة الأموية على الاسلام والمسلمين، فلهذا الكلام كتبه بل مكتباته المنتشرة سواء بالطريقة التقليدية أو عبر شبكة المعلومات الدولية، والكثيرين يعرفون قدر هذه الدولة وماحققته من إنجازات على صعيد نشر الدين الاسلامي والتأسيس للحضارة الاسلامية بعد ذلك، ثم نالها وما نالها من التشويه المتعمد على يد الشيعة في التاريخ الإسلامي.
لم يكن من اللائق أن يقحم رئيس مجلس الشوري الايراني نفسه ـ بحكم دوره ومكانته السياسية ـ في هذه القضية الدينية الحساسة ثم يتهم السعودية بنشر التعصب والطائفية!! ولم يكن من غير المناسب أن تتحدث إيران بهذه اللغة الطائفية البغيضة ثم تزعم أنها تدافع عن الدين والعالم الاسلامي!!.
قد يعتقد بعض المتخصصين أن إيران الثورة ولت ومضت وطويت صفحتها، ولكن الحقيقة كما نراها الآن، أن هذه الصفحة لا تزال قيد المراجعة من الجانب الايراني، وأنها لا تزال محط اهتمام بالغ، ويحاول النظام الايراني استعادتها وتطبيقها على أرض الواقع مستغلا حالة الفوضى الأمنية والفراغ الاسترتيجي والسيولة السياسية غير المسبوقة التي يعانيها العالم العربي. ولكن ذلك لن يكون في ظل وجود دول وقادة عرب يرفضون الخنوع لهذا النفوذ الشيعي الطائفي البغيض والاستسلام لواقع تحاول إيران فرضه على الشعوب العربية، وحرمانها من مكتسباتها وتحويلها إلى مجرد “هوامش” لدولة المركز التي يحلم بها ملالي قم.
على قادة إيران أن يدركوا أن أحلامهم مفضوحة وطموحاتهم مكشوفة، وأن الأمن والاستقرار الاقليمي لن يتحقق بالنبش في قبور الفتن والمؤامرات واستدعاء الأحداث التاريخية للوقيعة بين المسلمين، وتفكيك منظومات الدول والنفخ في المذهبية والطائفية للقضاء على فكرة الدولة الوطنية في العالم العربي والاسلامي تمهيدا لانقضاض إيران على أنقاض الصراعات والحروب التي تشعلها.