23 ديسمبر، 2024 4:45 ص

لاديمقراطية دون اعلام حر

لاديمقراطية دون اعلام حر

في الوقت الذي تعتبر حرية الاعلام معياراً لنوع الديمقراطية وتجسيداً لمبدأ حرية التعبير ، تبادر هيئة الاعلام والاتصالات بتعليق بث برنامج ” مع احمد الملا طلال ” الذي تبثه قناة ” يو تي في ” تحت حجج خرق البرنامج لمعايير العمل الاعلامي وتعرضه بالإهانة لمؤسسة عسكرية نكن لها كل الاحترام والتقدير ، وبسرعة غير معهودة يصدر القضاء العراقي مذكرتي القاء قبض بحق مقدم البرنامج الزميل احمد وضيفه الفنان أياد الطائي الذي وجهت له تهمة انتحال صفة عسكرية .والحقيقة ان البرنامج القى الضوء على عمليات الفساد المالي في بعض مفاصل مؤسسة عسكرية مثل الجيش العراقي ، وهي قضية اعترف بها كبار القادة السياسيين في البلاد .
ورغم ان القضاء اطلق سراحهما بكفالة شخصية الا ان ، ايقاف البث والقاء القبض قبل الاستدعاء والتبليغ يعدان مؤشراً خطيراً على واقع حرية الاعلام والتعبير عن الرأي في سياقاتهما القانونية والدستورية .
و في الوقت الذي نحيّ شجاعة وتضحيات جيشنا البطل في تصديه للإرهاب وحمايته لسيادة البلاد ، فاننا نرى ان انتقاد وكشف الفساد المالي في أي مؤسسة بما فيها المؤسسة العسكرية هو تقوية لها وليس اهانة لها وتقزيما لدورها ، واعتراف رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي العلني من على شاشات الفضائيات المختلفة بوجود 50 الف فضائي في صفوف الجيش العراقي ، دليلاً واضحا الى ماذهب اليه البرنامج ، والعبادي كما هو معروف القائد العام للقوات المسلحة ، فهل كان اعترافه الصريح اهانة وتقزيما للمؤسسة العسكرية أم كشفاً لواقع الحال من استشراء الفساد المالي في بعض مفاصل هذه المؤسسة ؟
ومن هذا المنطلق وعملا بحرية الرأي والدور الرائد للإعلام في كشف الفساد المالي ينبغي على هيئة الاعلام والاتصالات مراجعة موقفها من ايقاف بث البرنامج ، كما على وزارة الدفاع التنازل عن دعواها ضد الزميلين ،ذلك ان ايقاف البث والقاء القبض اهانة حقيقية لحرية الاعلام التي هي المعيار الحقيقي للديمقراطية في البلاد .
كما يتوجب على النخب الثقافية والاعلامية ونقابة الصحفيين العراقيين رفع صوت التضامن والرفض للسلوكيات التي تحاول تكميم الافواه وعرقلة قيام الاعلام بدوره في كشف الحقائق امام الجمهور.
والحقيقة ان محاولات تكميم الافواه ظاهرة خطيرة فرسانها المؤسسات الحكومية والشخصيات السياسية التي تعتبر النقد عبر وسائل الاعلام استهدافاً شخصياً أو محاولات مدفوعة الثمن فتلجأ الى القضاء والى الصلاحيات الحكومية والنفوذ السلطوي ، في الصغيرة والكبيرة لدقع وسائل الاعلام الى الصمت المعلن منه والمستور كيما تتخلى عن دورها في كشف مواقع الخلل والفساد المالي في تلك المؤسسات !
ان على مؤسسات الدولة والشخصيات السياسية ان تقتنع بان الاعلام والديمقراطية قضيتان متلازمتان ، فلا يمكن الحدبث عن ديمقراطية بدون اعلام حر ولايمكن الحديث عن اعلام حر دون ديمقراطية حقيقية والخلل في احدهما هو خلل في المنظومة الديمقراطية برمتها ن وبالتالي لايمكن الحديث عن عملية سياسية ديمقراطية في مشهد النظر الى الاعلام الحر كأداة للتسقيط وليس لكشف المستور وايصال الحقائق للجمهور !