من يستعرض تأريخ الأمم والشعوب في سالف الزمان وتأريخها القديم والمعاصر, يرى إن مشاكلاً بين مكونات هذه الشعوب أدت الى صراع دموي. ولكن لم يستغرق هذا زمناً طويلاً حتى تنبه عقلاء القوم الى خطورة الصراع على أوطانهم ومستقبل أجيالهم فنحوا للحوار والتفاهم أسلوباً وطريقاً للخلاص, بالركون لحلول وسطية.لأطفاء نار الفتن. فيتنازل فيها الغرماء عن سقف مطالبهم. ويلتقون في نقاط تفاهم. فيحل السلام. وبمرور الزمن تناسى الناس كل ما حدث وأخذوا الدرس منه فإنطلقو وبنوا أوطانهم وصححوا الأخطاء تدريجياً وإبتعدوا ن كل مايثير الفتن. ومن خلال هذا نمت الثقة بين كل المكونات وإطمئن الأقليات وذوي الأفكار على سلامة تواجدهم ومستقبلهم في أوطانهم فتقدمت هذه الأمم وإرتقت ونشط إقتصادها وإزدهر فيها العلم وشاعت المعرفة وإنزوى الجهل والمرض وتوفرت فرص العمل ونَعمت الشعوب بأرقى الخدمات ورسخت فيها العدالة.
ولكن نحن أمة عدنان وقحطان ومن أنزل عليها الرحمن القرآن وأنعم عليها بالأسلام الذي دعانا للسلام وسمانا بالمسلمين وأمرنا إن إختلفنا بالمجادلة بالتي هيَّ أحسن, فلم نتعلم لا من تعاليم الأله العلي القدير, ولامن تجاربنا في الماضي, ولا من الشعوب والأمم الأخرى . فعند أي خلاف أو إختلاف نغرق بشبر من الماء. وتتوقف عقولنا ونلجأ للغة السلاح. ولا يدر بخلدنا مبدأ الحوار أو التفاهم فتعلو قعقعة السلاح فوق كل الأصوات المطالبة بحلول هادئة. وإن كانت هذه الأصوات خجولة خافتة لا تحظى بأي فكر نير أو عزيمة لأنها تخشى التخوين .ولا نكتفي بقتل بعضنا البعض, وتدمير بنانا التحتية وهدم أوطاننا بيدنا, بل نستعدي الغير ممن يتربصون بنا الدوائر للتدخل المسلح لتبرير هذا العدوان, الذي يثلج قلب عدونا. ويحقق له المراد, لأضعاف هذه الأمة. ونتوسل ونتذذل من أجل هذا. ونخترع أكاذيب. ونقدم أدلة مزيفة ليبرر عدوانه. ويشرعنه ويغطيه.لا بل نوفر له المال والمساعدات اللوجستيه ليقتل أطفالنا. ويرمل نساءنا. ويزرع الرعب في مجتماعتنا . فيضطر الناس للهرب من الأوطان والهجرة للمنافي طلباً للنجاة, مع علمهم بما سيجري للغالبية منهم من ذل وعوز وضنك عيش, وممارسة مهن وأعمال لا تليق بهم. ولا يرتضونها لوكانوا في أوطانهم المتخمة بالثروات والأموال ونِعَم الله المنهوبة.
وبعد أن أَذاق حكام طغاة شعوبنا الويل. ثارت مطالبة بحريتها. ولكن شعوبنا العربية ومع شديد الأسف كالت بمكيالين. فقد تحزَّب وتخندق البعض مع الشعب الذي ثار في قطر آخر غير بلده حسب منطق طائفي بعيد عن الأنسانية ومعادي للأسلام الذي ندَّعي به. فنشط من نشط من الأذناب المرتبطين بقوى الشر وغذوا نار الفتنة وأوجروا نار الحرب .وبالمقابل لم نسمع صوتاً للعقلاء من دعاة الحلول السلمية والتفاهم للتغير السلمي للسلطة. والأنتقال لحكم الشعب بالوسائل السلمية
الديموقراطية.وإنطلق الخبثاء والأغبياء لأستعداء القوى الكبرى , التي هللت وكبرت وفتحت ذراعيها لهم. فقرعت طبول الحرب وسعت بحمى ملتهبة لِتُشرك قوى إقليمية لضرب هذا لبلد أو ذاك وتدميره .وما جرى في العراق خير دليل فعندما إحتل العراق تنادى الأخوة الأشقاء من كافة الدول العربية للجهاد. ولكن ليس ضد المحتل, بل لتفجير أماكن تجمع العمال الفقراء, ونسف المساجد والكنائس على رؤوس المصلين. ففُجِّرت الأسواق الشعبية التي يرتادها أبناء المذهب الآخر. وكانت مساجد سوريا مفارخ لأرسال القتلة بإسم الجهاد.وسال الدم العراقي. وترملت النساء وتيتم الأطفال, وحلَّ الدمار ولا يزال, بفعل عمل طائفي بعيد عن الأنسانية ومفاهيم الأسلام السمح الكريم ,الذي حرم قتل الأنفس دون حق. وما يجري لشعبنا الشقيق في سوريا, وما تمر به من محنة وقتل وإرهاب على الهوية, ودماء بريئة تسيل وبحقد طائفي, غُذيَّ ودعم بفكر خبيث مدمر, تدعمه الصهيونية والماسونية العالمية التي تتزعم العالم اليوم شاخص للعيان, ولا يخفى على كل ذي بصيرة, فلا الحاكم تفهم مطالب شعبه, وركن للحل المنطقي السلمي, فراح المجرمون والمتربصون والمنتفعون من زبانية المخابرات والأجهزة القمعية يدفعونه للحل الأمني البوليسي القمعي ليقاتل الشعب بعضه بعضاً. ولا من تُسمي نفسها بالمعارضة سلكت طريق الحوار لأنتقال السلطة لممثليين حقيقين للشعب سلمياً, بل رفضته مسبقاً. وراح أركانها يتذللون على أعتاب الأعداء, طالبين النصرة, متوسلين بمن يريد بهم وبشعبهم الشر وتدمير بلدهم وسحقها كما سُحِقَ العراق.ولا أدري ماذا سيقول من إستعدى الأجنبي على شعبه في سوريا عندما تنهال القنابل والصواريخ على رؤوس الأبر ياء؟ هل هذه صواريخ رحمة أم سيقولون إحتلال أم ستخرسهم الطائفية, كما أخرست القرضاوي عندما دعى للجهاد في العراق؟ وهومقيمٌ في بلد فيه أكبر قاعدة للأحتلال ( السيلية) التي إنطلقت منها القاذفات الأستراتيجية لتقتلنا وتدمر بنانا التحتية وتلوث بيئتنا بشتى الملوثات المسرطنة التي ندفع ثمناً لها كل ساعة .
إن الضربة العسكرية لسوريا التي تلوِّح بها القوى الكبرى وتدعمها قوى إقليمية وسورية ليس الهدف منها إزاحة النظام السوري وتحقيق الديموقراطية والحرية وحقوق الأنسان لشعبنا في سوريا.إن الهدف هو تحقيق التوازن العسكري الأرض بين طرفي النزاع. ليستمر القتال ويمتد الى دول الجوار العربية منها والأسلامية وتلتهم النار المنطقة بأكملها . فلم يحن الوقت لأزاحة هذا النظام عن الحكم وفق ما خططت له القوى الكبرى المتحكمة بالعالم والهادفة لتعزيز إسرائيل. فبإدامة الصراع تأمن إسرائيل وتبقى هيًّ الأقوى. فتتصرف على هواها وتسلب ماتشاء من الأراضي العربية. وتفرض السلام الذي تريد.سلام بلا فحوى ولا معنى بل هو إذلال وسلب إرادة وحقوق.وأمتنا نائمة ومخدرة فلقد نسيت وتناست معنى الحقوق ومعنى الحرية والأرادة الوطنية والقومية.
فأمر أمتنا عجيب تغض الطرف عن إحتلال دائم ومستمر في بلدان عدة. وتستنكره في مكان آخر. ترقص على أشلائها. وتتلذذ بالغرق بدماء شبابها وأطفالها. تطرب لجوعها وهيَّ ترى بغاة يهنئون به ويسلمونه بخنوع للأجنبي لينهبه. وتهنأُ بذلها.قانعة بالفتات.أمةٌ سعيدة بجهلها ومرضها وعوزها وتهزج (حنّا لليل والخيل يا ويل ياويل.ويا محلى النصر بعون الله وبالروح بالدم . وأخيراً تاج تاج على الراس) بئس إذن هيَّ من أمة لا خير بها. فهيّ أسوء أمة في الناس.تنهى عن المعروف وتأمر بالمنكر.أمة تشتري ذلها وتتلذذ به.
من عجيب أمور أمتنا عندما يسقط ديكتاتوراً ينتمي لمذهب معين ويحل محله حاكم من مذهب آخر, ينكر عليه هذا الحق الكثر سواءً في بلده أو في أقطار أخرى ويتهمونه بالمروق عن الدين وبالتبعية والعمالة, مهما كان إسلوبه في الحكم ومهما قدم أو أخر . ويرمونه بتهم ما أنزل الله بها من سلطان. وقد يكون بريئاً منها. لا لشيء, إلا الطائفية فهم لا يهتمون إلا بها ويربطون كل شيء بها فلو قال الشهادتين قالوا زنديق وأعجمي . فيحللون هذا هنا ويحرمونه هناك. وعندما يثور شعب على طاغية, يتهم أتباع مذهب هذا الطاغية من ثاروا عليه بالعمالة. وإنهم غير عرب ولا بالمسلمين. ويرون حاكمهم الطاغية عادلاً ديموقراطياًلأنه من مذهبهم. فيستدعون جيوشاً و قوات عسكرية موالية لمذهبهم, معتبرين هذا أمراً طبيعياً .وليس تدخلاً سافراً لقمع غالبية الشعب .أما إن ذهب بعض المقاتلين من المذهب الآخر الى قطر مجاور لنجدة حكومة لا تدين بالولاء لمذهبٍ آخر تقوم الدنيا ولا تقعد. ويتهمون من تدخل بالعدوان. كيل فاضح بمكيالين وتطرف مذهبي مقيت. يحللون أمراً لهم ويحرمونه على الآخرين.وثاقب البصيرة يعرف هذا ويدركه. فالديكتاتور والطاغية دكتاتور وطاغية إن كان من هذا المذهب أو ذاك. والخروج عليه حق مشروع.وبأسف شديد أرى يومياً وأسمع من يُسَمون من البعض بالمثقفين ما ينافي الثقافة والضمير والحس الوطني فقد سلبتهم الطائفية ثقافتهم وضميرهم فإنساقوا كالقطعان وراء أجلاف الطائفيين والمهوسيين بالتكفير.
مرت إيرلندا بذات الحال وتحاربت طائفياً ولكن تنادى العقلاء من داخل إيرلندا و خارجها وإنتهى كل شيء وحلَّ السلام. فهل جفَّ وعقم رحم أمة العرب والأسلام من الحكماء والعقلاء؟
أين من يسمون أنفسهم بعلماء المسلمين؟ وأين المجتهدون والفقهاء وأصحاب الفكر؟ لماذا لم يتدخلوا ويذهبوا لمفاوضة الطرفين وطرح الحلول؟ أم إنهم دمى تحركها أصابع أجنبية ؟أين حذلقتهم بالحلال والحرام ؟أليست دماء الشعوب محرمة ؟أم إنهم بلغاء فصحاء في التكفير والتخوين والذبح والسلخ والأبادة الجماعية؟
ولكن لا عجب فأمتنا أمة عدنان وقحطان التي تحاربت أربعين عاماً من أجل ناقة جرباء. أمة لا تعرف قيمة السلام ولا الأسلام. ولا تفهم للديموقراطية معنى. فأمتنا تتوسل وتتذلل من أجل إبادتها فهي أسوء أمة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف. والله ليخجل الأنسان أن يكون منها .ولم تَعد جهنم تتسع لها . ألا لعنة الله على الظالمين. وعذراً أيها الأحبة فلقد طفح الكيل.