23 ديسمبر، 2024 3:21 م

لاخير بانتخابات لا تأتي بحكومة أغلبية سياسية

لاخير بانتخابات لا تأتي بحكومة أغلبية سياسية

شهر واحد يفصلنا عن يوم الانتخابات النيابية العراقية , وعيون العالم جميعا مشدودة لما ستتمخض عنه هذه الانتخابات من نتائج , لا سيّما دول الإقليم المجاورة التي تتابع هذه الانتخابات باهتمام يفيق اهتمام العراقيين أنفسهم , فدول الجوار التي تتنافس على مواقع النفوذ في العراق , تسعى كل منها لتحقيق اجنداتها من خلال هذه الانتخابات , فالسعودية وتركيا تريدان إبعاد نوري المالكي عن تشكيل الحكومة القادمة بأي ثمن , و إيران لا تريد تغيير المالكي في هذا الوقت تحديدا , وهذا يرتبط ارتباطا وثيقا بالوضع في سوريا وعموم المنطقة , فانعكاسات هذا الصراع الإقليمي ستكون واضحة على سير العملية الانتخابية , والمال السعودي لن يترك الساحة لإيران فارغة لتنفيذ رغباتها ومصالحها الإقليمية , وحلفاء السعودية في العملية السياسية , القدماء والجدد مستعدّين لتنفيذ كل ما يطلب منهم , بالتنسيق والتعاون مع بعض الأطراف الشيعية الحانقة على نوري المالكي , فبدون هذا التعاون والتنسيق تصبح مهمة السعودية في إبعاد نوري المالكي عن تشكيل الحكومة القادمة شبه مستحيلة , فالصراع الإقليمي على مواقع النفوذ في العراق سيأخذ كافة الأبعاد في هذه الانتخابات .
وبغض النظر عن طبيعة هذا الصراع وتداعياته , فالمصلحة العراقية تكمن بأن تسفر هذه الانتخابات عن حكومة أغلبية سياسية قوية تنهي تجربة حكومات التوافق الفاشلة , وتمنع تكرار تجربة مجلس النوّاب الحالي والحكومة الحالية , فحكومات التوافق والمحاصصة التي توالت على حكم العراق بعد سقوط النظام الديكتاتوري المجرم , قد فشلت فشلا ذريعا في نقل العراق إلى بر الأمان وتحقيق حلم الناس في حكومة تزيح عنهم آلام ومآسي النظام السابق , بل على العكس من هذا , فهذه الحكومات قد ضاعفت من هذه الآلام والمآسي , بسبب فساد هذه الحكومات التي قامت على اساس المحاصصات الطائفية والقومية , فالفساد هو السمة المشتركة لكل هذه الحكومات , وبعد هذه التجربة المريرة مع حكومات التوافق والمحاصصة , تصبح حكومة الأغلبية السياسية هي المخرج الحقيقي من كل تبعات المحاصصات اللعينة وآثارها .
ونحن على اعتاب انتخابات نيابية جديدة , لا بدّ من توجيه الناس باتجاه انتخاب حكومة أغلبية سياسية , فانبثاق مثل هذه الحكومة سيكون الخطوة الأولى باتجاه محاربة الفساد , ويفتح آفاقا جديدة من التعاون والانسجام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية , هذا التعاون الذي فقد تماما في هذه الدورة الانتخابية , فليس مهما من يكون على رأس هذه الحكومة سواء كان المالكي أو غيره , بل المهم الاتفاق على مبدأ حكومة الأغلبية السياسية , ونزع شعارات الشراكة والوحدة الوطنية الكاذبة والتي لا تمّثل إلا الوجه القبيح للمحاصصات اللعينة , فالآمال تتجه صوب هذه الانتخابات من أجل حكومة أغلبية تحقق مطالب ورغبات الشعب وليس مطالب دول الجوار , فدول الجوار غير معنية بأن تكون الحكومة قوية أو كفوءة أو نزيهة بقدر ما يعنيها تحقيق اجنداتها السياسية .
وليس من الضروري أن تكون هذه الحكومة ممثلة لكل مكوّنات الشعب العراقي , بقدر ما أن تكون هذه المكوّنات ممثلة في مجلس النوّاب العراقي , ومن أجل تحقيق هذه الرغبة وهذا الطموح وإنهاء عهد التوافقات والمحاصصات , يتوجب على ممثلي الأغلبية ومن هذه اللحظة الاتفاق على معيار محدد يتمّ من خلاله تسمية رئيس الحكومة القادمة بعد نهاية الانتخابات وإعلان نتائجها مباشرة , وعدم تكرار تجربة الانتخابات السابقة , ولا خير بانتخابات لا تأتي بحكومة أغلبية سياسية تنهي معانات الشعب العراقي .