-1-
اليتامى في العراق شريحة كبرى ، وقافلة ذات عدد كبير …
فقد مُني الوطن الحبيب بجلاّد طاغ لايعرف قيمة للانسان العراقي فَبَالَغَ وأمعن في القتل، والابادة الجماعية، عبر الحروب والمغامرات الطائشة ، وعبر المقابر الجماعية التي مازال بعضها حتى الان بعيداً عن الاكتشاف..!!
وحين سقط الصنم ، ابتلي العراق بعصابات التكفيريين والارهابيين الذين لايتلذذون الاّ بدماء الآمنين من العراقيين …
وهكذا تضخمت الأرقام واتسعت بنحو فظيع .
-2-
وبالرغم من ان الاسلام العظيم أولى اليتيم رعاية خاصة ،وندب الى الاهتمام المتزايد بأحواله ، كما دلّت على ذلك النصوص المباركة الكثيرة – كتاباً وسنةً – إلاّ ان الحصيلة العملية لم تكن ذات صفات ايجابية ملحوظة ..!!
ان معظم ذوي الثروات والقدرات الماليّة، منهمكون في مشاريعهم الخاصة ،بعيداً عن حمل الهموم الانسانية الكبرى ، وبعيداً عن الاحساس العميق بمسؤولياتهم ازاء هذه الشريحة – شريحة اليتامى – وغيرها من الشرائح المسحوقة …
ان الآثار الناتجة عن تفاقم الاهمال والحرمان لهذه الشريحة – اليتامى – رهيبة، فقد تدفع بهم الى الاتجاه صوب الانحراف والانخراط في مسالك الخارجين على القانون …
-3-
ان البرّ الاجتماعي ليس عملية محدودةً بالاطار الحكوميّ الرسميّ ، بل هو عملية مفتوحة لابُدَّ ان يتنافس فيها الجميع باتجاه احتضان الايتام والضعفاء وإنعاشهم واشباع حاجاتهم المشروعة .
وليس هذا اعفاءً للحكومة من المسؤولية ازاءهم ، بل هو توضيح لابُدَّ منه، لان المهمة كبيرة ، وقد لايستطيع ان ينهض بها طرف واحدٌ على الوجه الأكمل …
-4-
وسنورد الآن نصاً ذكرته بعض كتب الأدب، يصوّر لنا عمق اهتمام الرسول الاعظم (ص) باليتيم، ومعلوم ان الرسول (ص) كان ( خلُقُه القرآن) … اي انه القرآن الذي يمشي بين الناس على الأرض بقدمين ….
ولقد قال (ص) :
{ انما بعثتُ لاتمم مكارم الأخلاق }
وبالفعل فقد بلغ القمة والغاية حتى قال عنه ربُّ العزة :
{ وانك على خلق عظيم }
النص
روي { ان النبي (ص) خرج لصلاة العيد، فرأى صبيا يبكي والى جنبه صبيانٌ يلعبون فقال له النبي (ص) :
لم تبكي ولا تعلب مع الصبيان ؟ }
صلى الله عليك يانبي الرحمة .
انك لم تكن تترك السؤال حتى عنّ سرّ بكاء صبيّ من الصبيان ، تراه بعيداً عن أقرانه ، حناناً منك عليه ، واهتماما منك بشأنه .
لقد كنت حقاً ” الرحمة المهداة ” للعالمين …..
ومن كان هذا شأنه مع الصبيان فكيف يكون مع الرجال ؟!
ولم يتأخر الصبي عن الجواب فقال :
(أنّ ابي مات في احدى الغزوات ، وتزوجتْ أمُيّ بغيره ،
فأكل هذا مالي وأخرجني من بيته، فأصبحت لا أمتلك شيئاً من الطعام والشراب والثياب ،
فلما رأيتُ الصبيان يلعبون ويأكلون ، وقد لبسوا الثياب الجديدة تجددّ حزني فلذلك بكيت )
ان مشكلة الصغار الذين يفقدون آباءهم ، مع أزواج أمهاتهم قديمة – جديدة، حيث ان كثيراً من اولئك الازواج لايكتفون بخشونة تعاملهم معهم فقط ،بل يعمدون الى الاستحواذ على أموالهم ويأكلونها وهم (انما يأكلون في بطونهم ناراً )
وهذا الصبي اليتيم هو واحدٌ من اولئك المغدورين المنهوبين المُضيّعين ….
وبعد ان بيّن الصبي ظلامته، وصوّر بكل صراحة وجلاء حالته ، ( أخذه النبي (ص) بيده وقال له :
أما ترضى ان أكون لك أباً ،
وفاطمة الزهراء أختاً ،
وعليّ بن ابي طالب عَمّاً ،
والحسن والحسين أخويْن ؟ ”
ووقعت هذه الكلمات على الصبي وقع الغيث على الأرض الميتة ، فأحيت أمله ، وأنعشت نفسه ، وغمرته بهجةً وسروراً فقال :
كيف لا أرضى بذلك يارسول الله (ص) .
فحمله رسول الله (ص) الى بيته ،
وألبسه أحسن الثياب ،
وقدّم له الطعام والشراب ،
فخرج ضاحكاً الى الصبيان وهو يقول :
مَنْ مثلي ، وأبي رسول الله (ص) ، وأختي فاطمة الزهراء (ع) وعميّ عليّ بن ابي طالب واخواي الحسن والحسين (ع) فقال الصبيان :
ليت أباءنا ماتوا كما مات أبوك ، فلما قُبِضُ النبي (ع) خرج الصبي يبكي ويحثو التراب على رأسه ويقول :
الآن صرتُ يتيماً ،
الآن صرتُ غريباً .