23 ديسمبر، 2024 6:47 م

لاتهملوا دموع اليتيم

لاتهملوا دموع اليتيم

-1-

اليتامى في العراق شريحة كبرى ، وقافلة ذات عدد كبير …

فقد مُني الوطن الحبيب بجلاّد طاغ لايعرف قيمة للانسان العراقي فَبَالَغَ وأمعن في القتل، والابادة الجماعية، عبر الحروب والمغامرات الطائشة ، وعبر المقابر الجماعية التي مازال بعضها حتى الان بعيداً عن الاكتشاف..!!

وحين سقط الصنم ، ابتلي العراق بعصابات التكفيريين والارهابيين الذين لايتلذذون الاّ بدماء الآمنين من العراقيين …

وهكذا تضخمت الأرقام واتسعت بنحو فظيع .

-2-

وبالرغم من ان الاسلام العظيم أولى اليتيم رعاية خاصة ،وندب الى الاهتمام المتزايد بأحواله ، كما دلّت على ذلك النصوص المباركة الكثيرة – كتاباً وسنةً – إلاّ ان الحصيلة العملية لم تكن ذات صفات ايجابية ملحوظة ..!!

ان معظم ذوي الثروات والقدرات الماليّة، منهمكون في مشاريعهم الخاصة ،بعيداً عن حمل الهموم الانسانية الكبرى ، وبعيداً عن الاحساس العميق بمسؤولياتهم ازاء هذه الشريحة – شريحة اليتامى – وغيرها من الشرائح المسحوقة …

ان الآثار الناتجة عن تفاقم الاهمال والحرمان لهذه الشريحة – اليتامى – رهيبة، فقد تدفع بهم الى الاتجاه صوب الانحراف والانخراط في مسالك الخارجين على القانون …

-3-

ان البرّ الاجتماعي ليس عملية محدودةً بالاطار الحكوميّ الرسميّ ، بل هو عملية مفتوحة لابُدَّ ان يتنافس فيها الجميع باتجاه احتضان الايتام والضعفاء وإنعاشهم واشباع حاجاتهم المشروعة .

وليس هذا اعفاءً للحكومة من المسؤولية ازاءهم ، بل هو توضيح لابُدَّ منه، لان المهمة كبيرة ، وقد لايستطيع ان ينهض بها طرف واحدٌ على الوجه الأكمل …

-4-

وسنورد الآن نصاً ذكرته بعض كتب الأدب، يصوّر لنا عمق اهتمام الرسول الاعظم (ص) باليتيم، ومعلوم ان الرسول (ص) كان ( خلُقُه القرآن) … اي انه القرآن الذي يمشي بين الناس على الأرض بقدمين ….

ولقد قال (ص) :

{ انما بعثتُ لاتمم مكارم الأخلاق }

وبالفعل فقد بلغ القمة والغاية حتى قال عنه ربُّ العزة :

{ وانك على خلق عظيم }

النص

روي { ان النبي (ص) خرج لصلاة العيد، فرأى صبيا يبكي والى جنبه صبيانٌ يلعبون فقال له النبي (ص) :

لم تبكي ولا تعلب مع الصبيان ؟ }

صلى الله عليك يانبي الرحمة .

انك لم تكن تترك السؤال حتى عنّ سرّ بكاء صبيّ من الصبيان ، تراه بعيداً عن أقرانه ، حناناً منك عليه ، واهتماما منك بشأنه .

لقد كنت حقاً ” الرحمة المهداة ” للعالمين …..

ومن كان هذا شأنه مع الصبيان فكيف يكون مع الرجال ؟!

ولم يتأخر الصبي عن الجواب فقال :

(أنّ ابي مات في احدى الغزوات ، وتزوجتْ أمُيّ بغيره ،

فأكل هذا مالي وأخرجني من بيته، فأصبحت لا أمتلك شيئاً من الطعام والشراب والثياب ،

فلما رأيتُ الصبيان يلعبون ويأكلون ، وقد لبسوا الثياب الجديدة تجددّ حزني فلذلك بكيت )

ان مشكلة الصغار الذين يفقدون آباءهم ، مع أزواج أمهاتهم قديمة – جديدة، حيث ان كثيراً من اولئك الازواج لايكتفون بخشونة تعاملهم معهم فقط ،بل يعمدون الى الاستحواذ على أموالهم ويأكلونها وهم (انما يأكلون في بطونهم ناراً )

وهذا الصبي اليتيم هو واحدٌ من اولئك المغدورين المنهوبين المُضيّعين ….

وبعد ان بيّن الصبي ظلامته، وصوّر بكل صراحة وجلاء حالته ، ( أخذه النبي (ص) بيده وقال له :

أما ترضى ان أكون لك أباً ،

وفاطمة الزهراء أختاً ،

وعليّ بن ابي طالب عَمّاً ،

والحسن والحسين أخويْن ؟ ”

ووقعت هذه الكلمات على الصبي وقع الغيث على الأرض الميتة ، فأحيت أمله ، وأنعشت نفسه ، وغمرته بهجةً وسروراً فقال :

كيف لا أرضى بذلك يارسول الله (ص) .

فحمله رسول الله (ص) الى بيته ،

وألبسه أحسن الثياب ،

وقدّم له الطعام والشراب ،

فخرج ضاحكاً الى الصبيان وهو يقول :

مَنْ مثلي ، وأبي رسول الله (ص) ، وأختي فاطمة الزهراء (ع) وعميّ عليّ بن ابي طالب واخواي الحسن والحسين (ع) فقال الصبيان :

ليت أباءنا ماتوا كما مات أبوك ، فلما قُبِضُ النبي (ع) خرج الصبي يبكي ويحثو التراب على رأسه ويقول :

الآن صرتُ يتيماً ،

الآن صرتُ غريباً .