23 ديسمبر، 2024 4:32 ص

لاتقلقوا .. الاتفاقات صامدة

لاتقلقوا .. الاتفاقات صامدة

حتى بين الدول ذوات السيادة لاتوجد بينها اتفاقيات ومعاهدات  وتوافقات بقدر مالدينا. اخر الاتفاقيات التي بشرنا السيد وزير المالية هوشيار زيباري بانها مازالت صامدة الاتفاق النفطي بين بغداد واربيل. وقبله وثيقة “الاتفاق السياسي” التي  تشكلت الحكومة الحالية بموجبها. هل يصح ان يكون كل شئ لدينا مرهون باتفاق ولا يمضي الا بصفقة في دولة واحدة لها دستور واحد؟ واقع الحال لا يشير بعكس ذلك. والاهم ليس التنفيذ من عدمه بل بقاء الاتفاق صامدا حتى لو كان هشا.
السبب الرئيس هو عدم تبلور رؤية لدى المشاركين في العملية السياسية لبناء دولة. غياب الرؤية يتكرر دائما واهم تجليات تكراره  استمرار عقد الاتفاقات والمواثيق والتشبث بها. المفارقة ان الجميع يعتقد ان ما يعمله يتطابق مع الدستور. وهذا امر في غاية الخطورة. فحين لايجري لهذا السبب او ذاك تنفيذ بعض بنود الاتفاق بصرف النظر ان كانت الاسباب وجيهة ام لا فان النتيجة هي اما الانسحاب من البرلمان واحيانا الكابينة الحكومية او التهديد بما هو اثقل من ذلك.
 وحين يحصل ان لا يتطابق مضمون هذا الاتفاق او ذاك مع رؤية طرف او يتزامن جزء من سياق التطبيق مع موسم انتخابي او مزايدة سياسية لالهاء الشارع بكمية جديدة من الشعارات فان التراجع عن الاتفاق او الاخلال به يصبح احد ميادين الاستثمار السياسي. ان مما يضاعف من حجم الاسى والالم ان عمليتنا السياسية تخطت عامها الحادي عشر ومع ذلك لاتزال خاضعة لمبدا التوافقات برغم اننا خضنا ثلاث دورات انتخابية كاملة وشكلنا خمس وزارات. الاهم من ذلك ان خطر التنظيمات المتطرفة وفي المقدمة منها تنظيم داعش الارهابي لم تغير كثيرا من نمط السلوك السياسي السائد لدى ابناء الطبقة السياسية. فاحتلال محافظات ومدن عراقية بالطريقة التي حصلت بها وفرت للاسف جوا اخر للاستثمار السياسي.
لقد كان المتوقع ان يوحد هذا التنظيم الاجرامي الجميع بوصفه خطرا لايستثني احدا طبقا لسلوكه وممارساته وقيامه باتباع سياسة الارض المحروقة بدء من هدم اضرحة الانبياء والاولياء الى تهديم الاثار وحرق الاجساد حية. لكنك حين تقول معاتبا لهذا الطرف او ذاك بانه ينبغي الارتفاع الى  مستوى التحدي الذي تمثله داعش يقول لك الجميع .. قف عند حدك. كلنا ضد داعش ولن نسمح لاحد بالمزايد علينا. المنطق يقول ان الوطن حين يتعرض للتهديد لاوقت ننفقه في المزايدات والهتافات. ولكن في كل التجارب العالمية فان الاخطار بمن فيها الكوارث الطبيعية مثل الاوبئة والحرائق والفيضانات توحد المختلفين. ومع ان هناك من بيننا من بدأ يشعر بالارتياح او ربما الفخر بان “داعش” وحدت العراقيين دون ان يسال نفسه عن اي العراقيين يتحدث في وقت يعود كل واحد الى هويته الفرعية بعد زوال داعش بينما المفروض ان تكون المواطنة هي السبيل للوحدة والتوحد والاندماج لانها واحدة اما المخاطر فمختلفة. علينا الكف عن سياسة الاختزال. الزعيم يختزل الكتلة. الكتلة تختزل المكون. المكون يختزل الوطن.