5 نوفمبر، 2024 5:05 م
Search
Close this search box.

لاتظلموا الادعاء العام

لاتظلموا الادعاء العام

مع انتخاب الحكومة الجديده وبدأ توجه واسع الى فتح الملفات المتعلقة بالفساد الاداري والمالي والجرائم التي حدثت من سبايكر والصقلاوية وضياع الموصل واجزاء واسعة من العراق بدأت بعض الاصوات توجه سهام النقد الى مؤسسة الادعاء العام في العراق وفي احيان كثيرة يكون هذا النقد جارحا ان لم يكن مهينا في بعض الاحيان وقد يكون النقد مقبولا ان صدر عن بعض الجهات التي ليس لها اطلاع كافي في المسائل القانونية ولكن ان يصدر النقد من بعض الحقوقيين يكون هذا النقد موضع الشك للبحث عن الدوافع فليس من المعقول ان يكون اي شخص يملك شهادة في القانون لايعلم ماهي اختصاصات الادعاء العام وماهي القيود على حركته في الدفاع عن الحق العام من هذا المنطلق ارى ان من الضروري ان نلقي الضوء على هذه المؤسسة التي عانت من الظلم الطويل طيلة الحكم الدكتاتوري الذي عمل على تهميشها الى اقصى درجة والان يوجه لها الاتهام بدون منحها الوسائل التي تكفل لها الحرية في تنفيذ الواجبات المناطة بها ولست هنا في موضع دفاع عن جهاز الادعاء العام ولكن لتبيان الحقيقة القانونية .

ان معظم الذين يوجهون الانتقادات من غير الحقوقيين انما يختلط عليهم مفهوم الادعاء العام في النظام القانوني العراقي ونظام النيابة العامة في النظام القانوني المصري

الأصل في ظهور مفهوم الادعاء العام هي المدرسه اللاتينيه وكان ذلك بفرنسا عام 1808 وبعضهم يرجعها إلى القانون الروماني ثم تبع ذلك المفهوم بعضا من الدول ذات الاصل القانوني الانجلو سكسوني حيث نجد ظهور مفهوم الادعاء العام بانجلترا عام 1879م.

إن مفهوم الادعاء العام في المدرسة الانجلوسكسونية والمتمثل في المدعى العام عندما عملت به الدول من غير ذات المدرسه اللاتينيه ، نجدها قد عملت بنظام الادعاء العام ولأجل قضايا محدده مثل القضايا التي تمس المجتمع ، والقضايا التي تمس أمن البلاد ، وقضايا المال العام والمتعلق بفساد الموظفين التنفيذيين، وشاغلي المناصب العامه القياديه، دستوريه كانت ام غيرها. بعكس المدرسة اللاتينية التي اخذ بها القانون الفرنسي والمصري حيث يعتبر الإتهام وقيد الدعوى الجنائيه ابتداء بما فيها التحقيق الجنائي من صميم أعمال النائب العام والنيابات العامه، دون تمييز للجرائم المرتكبه لتحريك الدعوى الجنائيه ، فنجد ان التحريات والاشراف عليها يقوم بها النائب العام وهو راس الهرم في جهاز النيابة العامة، وقد سُميَ نائبًا عامًا أي أنه ينوب نيابة عامة عن المجتمع في تحريك الدعوى الجزائية والإدعاء فيها أمام المحكمة المختصة ويوكل في ذلك إلى مجموعة من الأشخاص يسموْن وكلاء النائب العام أو وكلاء النيابة ، إذ لا يملك المجني عليه في الواقعة تحريك الدعوى الجزائية بنفسه عدا الإدعاء مدنيًا أمام المحكمة لطلب التعويض المادي أو الأدبي، والنائب العام غالبًا ما يكون رجلا بدرجة وزير وعضو في المجلس الأعلى للقضاء ، وتكون مسؤوليته الوظيفية أمام رئيس الدولة مباشرة ويتبع النائب العام جهاز كامل يسمى النيابة العامه وهي شعبة من شعب القضاء وهذا الجهاز مكون من محامين عموم ورؤساء نيابة ووكلاء نيابة ومساعدين ومعاونين، وجميعهم يمارسون وظائف قضائية وإدارية متصلة بجهاز النيابة.

وقد نشرت منظمة الامم المتحدة المباديء التوجيهية المتعلقة بدور النيابه العامة ومنها المبدأ (15) الذي يعتبر أحد أهم المعايير الدوليه المتعلقه بدور النيابه العامه . وينص على تولى اعضاء النيابه العامه الإهتمام الواجب للملاحقات القضائيه المتصله بالجرائم التي يرتكبها موظفون عموميون، ولا سيما ما يتعلق منها بالفساد وإساءه إستعمال السلطه والانتهاكات الجسميه لحقوق الانسان، وغير ذلك من الجرائم التي تمس المجتمع وأمنه. كما تنص المبادئ التوجيهيه للأمم المتحده على انه يقتضي في البلدان التي تكون فيها وظائف أعضاء النيابه العامه متسمه وصلاحيات استثنائيه ، أن يوفر القانون او القواعد او النظم المنشوره مبادئ توجيهيه، من أجل الإنصاف في إطار مقاربة مستقرة في إتخاذ القرارات المتعلقة بالمتابعة القضائيه بما في ذلك بدء الملاحقه أو صرف النظر عنها كما آمنت المبادئ التوجيهيه للامم المتحده وحددت واجبات الإدعاء العام والنيابات العامه أسسا منها على سبيل المثال. عدم التردد في بدء المتابعات عندما تكون التهم فيها تطال مؤسسة ، مع الأخذ في الاعتبار موقف المتهم والمجني عليه ، العمل باعلان مبادئ العدل الاساسيه المتعلقه بقضايا الإجرام والتعسف في استعمال السلطه. ومن ضمن الواجبات المهنيه ، والتي نصت عليها المبادئ التوجيهيه للامم المتحده يعتبر أعضاء النيابه العامه من الفاعلين الأساسيين في النظام القضائي ويجب عليهم اداء مهامهم بطريقه محايده وموضوعيه، وإجتناب جميع أنواع التمييز السياسي والاجتماعي أو الديني، أو العنصري، أو الثقافي أو النوعي. وتأدية واجباتهم بحياد ونزاهة، وضمان المحاكمه العادله ونظام قضائي عادل وتأدية واجبهم بانصاف وسرعه، وإحترام كرامة الانسان والتأمين على سلامة الإجراءات وسلامة أعمال نظام العداله الجنائية . بأعتبار ان النيابه العامه خصما شريفا وسلطه شبه قضائيه.

في العراق تعتبر مؤسسة الإدعاء العام في العراق جزء من السلطة القضائية و هو النائب عن المجتمع و الممثل له و يتولى تمثيل المصلحة العامة و يسعى في تحقيق موجبات القانون و هو بذلك يعد دعامة أساسية يرتكز عليها في العمل القضائي فهو يقف إلى جانب القضاء وتعمل ضمن اطار قانون رقم 159 لسنة 1979 المعدل بموجب القانون رقم 10 لسنة 2006 حيث حددت المادة اولا من القانون الاهداف المتوخاة من تنظيم جهاز الادعاء العام وهي :

اولا – حماية نظام الدولة وامنها ومؤسساتها، والحرص على الديمقراطية الشعبية، والدفاع عن مكاسب الثورة، والحفاظ على اموال الدولة والقطاع الاشتراكي.

ثانيا – دعم النظام الاشتراكي، وحماية اسسه ومفاهيمه في اطار مراقبة المشروعية، واحترام تطبيق القانون.

ثالثا – الاسهام مع القضاء والجهات المختصة في الكشف السريع عن الافعال الجرمية، والعمل على سرعة حسم القضايا، وتحاشي تاجيل المحاكمات بدون مبرر، لاسيما الجرائم التي تعيق مسيرة التحولات الاشتراكية.

رابعا – مراقبة تنفيذ القرارات والاحكام والعقوبات، وفق القانون.

خامسا – الاسهام في تقييم التشريعات النافذة لمعرفة مدى مطابقتها للواقع المتطور.

سادسا – الاسهام في رصد ظاهرة الاجرام والمنازعات، وتقديم المقترحات العملية لمعالجتها وتقليصها.

سابعا – الاسهام في حماية الاسرة والطفولة.

اما المادة الثانية من القانون فقد حددت مهام الادعاء العام وهي :

اولا – اقامة الدعوى بالحق العام، ما لم يتطلب تحريكها شكوى او اذنا من مرجع مختص.

ثانيا – مراقبة التحريات عن الجرائم وجمع الادلة التي تلزم للتحقيق فيها، واتخاذ كل ما من شانه التوصل الى كشف معالم الجريمة.

انصبت معظم الانتقادات على موضوع تحريك الشكوى ضد المتهمين بجرائم الفساد الاداري والمالي والمتهمين بالتفريط بالارواح العراقية والارض العراقية لذلك يجب ان نعود الى القانون ونجد ماهي امكانيات الادعاء العام في هذا المجال . ان المقصود بتحريك الدعوى الجزائيه هو البدء في تسييرها ومباشرتها امام الجهات المختصه وهي الاختصاص الذي نصت عليه الفقرة اولا من المادة الثانية من القانون رقم 159 الا ان هذا الاختصاص نجده محدودا بشرطين هما (مالم يتطلب تحريكها شكوى ) (او اذنا من مرجع مختص ) . و الجرائم التي لاتحرك فيها الدعوى الجزائيه الا بناءا على شكوى مقدمة من المشتكي وغالبا ما يكون هو المجني عليه او احد المقربين منه هنا تحرك الدعوى الجزائيه بمجرد تقديم هذه الشكوى الى الجهه المختصه وهي قاضي التحقيق والمحقق واي مسؤول في مركز الشرطه واي من اعضاء الضبط القضائي . الجرائم التي لا تحرك فيها الدعوى الجزائيه بشكوى من المشتكي وهنا يكون للادعاء العام الدور البارز في تحريكها فان مجرد طلب الادعاء العام من قاضي التحقيق او المحقق التحقيق مع المتهم او قيام الادعاء العام بتكليف احد اعضاء الضبط القضائي بجمع المعلومات عن الواقعه لغرض التحقيق يعد تحريكا لها وهذا ما اخذ به القانون الفرنسي وكذلك المصري اما في القانون العراقي فقد بينت المادة الأولى من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ بالقول “تحرك الدعوى الجزائية بشكوى تحريرية أو شفوية تقدم إلى قاضي التحقيق أو المحقق أو إي مسؤول في مركز الشرطة ممن وقعت عليه الجريمة أو علم بوقوعها أو بإخبار يقدم إلى إي منهم من الادعاء العام أوالى إي من أعضاء الضبط القضائي “”،فالمادة أعلاه حددت من هي الجهات التي تقدم إليها الدعوى الجزائية وهي قاضي التحقيق ، المحقق ،إي مسؤول في مركز الشرطة ، إي من أعضاء الضبط القضائي ، واعطت الحق في تحريك الدعوى الجزائيه اولا للمشتكي وثانيا للشخص الذي علم بوقوع الجريمه وثالثا للدعاء العام اي ان الادعاء العام هو احد الجهات التي تكون من اختصاصها تحريك الدعوى الجزائيه وليس له الدور الرئيسي ونرى بان القانون العراقي قد تأثر كثيرا من هذا الجانب بالقانون الانكليزي

نرى ان المادة السابعة من القانون اوجبت على الادعاء العام، القيام بما ياتي :

اولا – النظر في شكاوى المواطنين المقدمة اليه، او المحالة عليه من الجهات المختصة ومتابعتها.

ثانيا – تفتيش المواقف واقسام دائرة اصلاح الكبار ودائرة اصلاح الاحداث وتقديم التقارير الشهرية عنها، الى الجهات المعنية.

كما اوجبت المادة الثامنة من القانون على :

اولا – على الجهات القائمة بالتحقيق، اخبار الادعاء العام بالجنايات والجنح فور العلم بها، وعلى الدوائر والمؤسسات كافة اخباره في الحال بحدوث اية جناية او جنحة تتعلق بالحق العام.

ثانيا – على الجهات المختصة – عدا ما استثنى منها بنص خاص – اعلام الادعاء العام بتشكيل اللجان والهيئات والمجالس التي تتولى التحقيق والمحاكمة وبالقضايا التي تنظرها، قبل موعد المرافعة فيها بمدة لا تقل عن ثمانية ايام، وتزويده بنسخ من القرارات التي تصدرها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها.

فاذا تناولنا قضايا الفساد الاداري والمالي نرى أن القانون رقم 30 لسنة 2011 قد عرف جريمة الفساد في المادة 1 بالقول (قضية فساد: هي دعوى جزائية يجري التحقيق فيها بشأن جريمة من الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة وهي الرشوة والاختلاس وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم، واية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد ٢٣٣ و ٢٣٤ و ٢٧١ و ٢٧٢ و ٢٧٥ و ٢٧٦ و ٢٩٠ و ٢٩٣ و ٢٩٦ من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل، واي جريمة اخرى يتوفر فيها احد الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات ٥ و ٦ و ٧ من المادة ١٣٥ من قانون العقوبات النافذ المعدلة بالقسم (6) من القانون التنظيمي الصادر عن مجلس الحكم المنحل الملحق بأمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة المرقم 55 لسنة 2004) . اما الفقرة الثانية من نفس القانون فقد نصت على (ثانياً :- يرجح اختصاص الهيئة التحقيقي في (قضايا الفساد)على اختصاص الجهات التحقيقية الاخرى بضمنها الجهات التحقيقية العسكرية والجهات التحقيقية لدى قوى الامن الداخلي، ويتوجب بتلك الجهات ايداع الاوراق والوثائق والبيانات المتعلقة بالقضية الى هيئة النزاهة متى ما اختارت الهيئة اكمال التحقيق فيها). كما ان الفقرة ثانيا من المادة 13 من القانون الزمت قاضي التحقيق عند مباشرته التحقيق في قضية فساد إبلاغ مدير الشؤون القانونية في هيأة النزاهة بذلك ويطلع المفوضية بسير التحقيق أولاً بأول بناءً على طلبها ، ويجوز للمفوضية أن تختار في أي وقت تشاء أن تتحمل مسؤولية التحقيق ، فإذا اختارت الهيأة أن تتحمل هذه المسؤولية يحول قاضي التحقيق ملف القضية بالكامل إلى الهيأة فوراً ويتعاون معها ويعلمها عن القضية ويتوقف عن القيام بالتحقيق الذي كان يجريه. من هذا يتبين ان دور الادعاء العام في جميع القضايا التي تدخل ضمن قانون هيئة النزاهة قد تراجع الى مابعد المجنى عليه ومن علم بالجريمة وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية بموجب قانونها رقم 57 لسنة 2004 ثم المفتشون العموميون بموجب قانونهم رقم 57 لسنة 2004 يتحملون مسؤولية التدقيق والتحقيق وتقييم الاداء لزيادة المساءلة والنزاهة والاشراف على الوزارات لمنع وتحديد وردع الاحتيال والهدر واساءة استخدام السلطة والافعال غير المشروعة ، واحالة مخالفي القوانين التي تستوجب تحقيق جنائي الى الجهات القضائية المختصة.

اما في الجرائم العسكرية فقد اشار قانون اصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم 30 لسنة 2007 في المادة 4 الى (اولا – تختص المحكمة العسكرية بمحاكمة المتهم في الجرائم التالية بصرف النظر عن زمن وقوع الجريمة . ا – اذا ارتكب العسكري احدى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات العسكري او القوانين العقابية الاخرى ولم يترتب عليها حق شخصي للافراد

ب – اذا ارتكب العسكري احدى الجرائم المنصوص عليها في القوانين العقابية غير هذا القانون ضد عسكري اخر وكانت متعلقة بالوظيفة يجوز للمحكمة العسكرية او السلطات العسكرية المختصة ايداعها الى المحاكم العدلية للبت فيها .

ثانيا – تختص المحكمة المدنية في نظر الجرائم في الحالتين الاتيتين :

ا – اذا كانت الجريمة مرتكبة من عسكري وضد مدني .

ب – اذا قررت السلطة العسكرية ايداع القضية الى محكمة مدنية ان كانت متعلقة بحقوق مدنيين .

مما تقدم نرى ان من الظلم الكبير توجيه اللوم والنقد الى جهاز الادعاء العام الذي بالرغم من المهام الكبيرة التي القاها القانون على كتفيه نرى ان نفس القانون والتشريعات العراقية قيود كبيرة حدت من حريته في في الدفاع عن الصالح العام وان النقد الجارح يتنااسى التضحيات الكبيرة التي قدمها رجال الادعاء العام في خدمة العدالة وبناء المجتمع العراقي .

أحدث المقالات

أحدث المقالات