22 ديسمبر، 2024 8:05 م

لاترهبونا بسكين داعش مرة أخرى

لاترهبونا بسكين داعش مرة أخرى

يخوض العراق معركة صعبة ضد تنظيم داعش منذ عام ونيف بعد نجاح مقاتلي الأخير في السيطرة على ثلث الأراضي العراقية عقب انسحابات متتالية للجيش العراقي ولايمكن اعتبار هذه المواجهة المصيرية بمعزل عن موجة الارهاب الأعمى الذي ضرب العراق عقب الغزو الامريكي متسترا بلباس “المقاومة” بل تعتبر أحدث تجلياتها وأوسع امتداداتها ، لكن المتتبع للمشهد العراقي يدرك وللوهلة الأولى بأن معركة العراقيين مع التطرف لاتسير في المسار الصحيح وتفتقد دوما للحلقة الأخيرة التي تترجم تضحيات أفراد القوات المسلحة والشرطة والحشد الشعبي والعشائر لنتائج ملموسة في الميدان من الناحية الهجومية لا الدفاعية فقط ولاتبدو لها نهاية قريبة رغم طول مدتها الزمنية نتيجة الاصرار على اعتماد الحلول الأمنية سبيلا وحيدا في مكافحة الارهاب واهمال الجانب الفكري للصراع باعتبار ان الارهاب هو فكر أساسا وعليه ينبغي مواجهته بفكر معتدل مضاد ونبذ الحلول السياسية بفتح قنوات تواصل وحوار جاد مع الممثلين المعتدلين للطائفة السنية لتضييق الخناق على داعش لدواعي طائفية في الغالب وهو مايفسر قدرة قوى التطرف على تحقيق نجاحات تؤهلها للعودة مجددا واحتلال الأرض والأخذ بزمام المبادرة في القتال بعد هذه السنوات الطويلة من صرف الأموال الطائلة والجهود البذولة في سبيل بناء قوات الجيش والشرطة.

لقد خاضت دول أخرى مثل السعودية ومصر والجزائر معاركها الخاصة ضد الارهاب وخرجت منتصرة بوقت أقصر أحيانا وتكلفة أقل غالبا من الحالة العراقية ولعب الجانبين الفكري والسياسي فيها دورا حاسما بايجاد الحلول المناسبة لظاهرة الارهاب مثل لجان المناصحة الفكرية والفقهية التي أسسها ولي العهد السعودي الحالي الأمير محمد بن نايف ومراجعات الجماعة الاسلامية المصرية في السجون و ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في الجزائر الذي قدمه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقه فور وصوله لسدة الرئاسة ونال ثقة

الجزائريين في استفتاء شعبي عام 1999 كنوع من التعزيز للحل الأمني الذي تمكن بدوره من دحر التنظيمات المتطرفة استخباريا بالدرجة الأولى.

الجميع يعلم ان الهجمة التي تعرض لها العراق ولايزال شرسة وكبيرة وتداخلت فيها عدة قوى محلية واقليمية يجمعها مناهضة فكرة وجود نظام ديمقراطي في بغداد لكن التصدي لها وهزيمتها كان ممكنا لو تمكنت أحزاب الاسلام السياسي المتربعة على السلطة من اقامة نظام عادل وبناء جيش مهني وتأسيس اقتصاد قوي كبديل عن المحاصصة والطائفية والفساد التي تميز بها عهدها منذ 12 عام وهو ما مد في عمر الارهاب ومنحه زخم غير اعتيادي .

ومن هنا ندرك سذاجة ورقة داعش التي ترفع بوجه التظاهرات الشعبية والتي تبدو الأخيرة في جعبة الأطراف المتضررة من الاصلاحات الحكومية فبعد فشل محاولة ايهام الناس من خلال تصوير التظاهرات كحملة منظمة ضد الدين !!! بفضل الوعي الشعبي ودخول مرجعية النجف الأشرف على الخط الداعم لها ، تم الترويج بأن المظاهرات قد انطلقت في وقت غير مناسب وهو مايؤثر سلبا على المجهود الحربي في خضم معركة التحرير ضد تنظيم داعش نتيجة الاضطرار لسحب قوات من خط المواجهة لتأمين المتظاهرين ناسين أو متناسين عدة أمور منها ان هذه القوات هي لحماية المقرات الحكومية من غضب المتظاهرين لا عليهم وان هناك أطراف سياسية تسعى لجر المتظاهرين للعنف لتحقيق هذه الغاية والتذرع بها لقمع التظاهرات وان النصر المؤزر في الحرب ضد الارهاب في الوضع الراهن وفي ظل المعطيات الحالية يبدو بعيد المنال بعد التراجع عن الفلوجة والتقدم البطيئ في أطراف الرمادي واستمرار معارك الكر والفر في بيجي دون حسم .

لقد عانى العراقيون من ويلات الارهاب الذي استهدف الجوامع والحسينيات والكنائس والأسواق ومؤسسات الدولة وقوات الجيش والشرطة لمايزيد عن عقد من الزمان نتيجة لضعف وفساد حكومات المحاصصة المتتالية و الأجهزة الأمنية وهو ما أوجد ثغرة كبيرة نفذت منها داعش والقاعدة قبلها للواقع العراقي وهو مايجب أن يفهمه الساسة جيدا المطالبين أيضا بادراك حقيقة استحالة استمرار حالة السكوت الشعبي على هذا الكم الهائل من الفساد والذي دفع ثمنه العراقيون دما والعراق دمارا.

ان التظاهرات المنادية بالاصلاح جاءت لتدعيم الجبهة الداخلية وسعت لتخليص الدولة من سطوة شبكات الفساد المهيمنة على مفاصلها والتي ساهمت سياساتها الفاشلة في دعم الارهاب وتقوية شوكته ، ومن هنا لايمكن قبول فكرة التأثير السلبي للمظاهرات على المعركة مع الارهاب ولايعقل أيضا أن توضع داعش كسكين على رقبة كل مواطن عراقي مطالب بالاصلاحات على قاعدة (أنا و من بعدي الطوفان) فاما أن نكسب المعركتين ضد الفساد والارهاب معا أو نخسرهما معا وهو ما أكدته المرجعية الدينية عندما ربطت بين عملية الاصلاح ووحدة العراق مع اقرار الجميع بأن الفساد والارهاب وجهان لعملة واحدة وثبوت ان كلا منهما بحاجة للأخر

لتدعيم كيانه والمحافظة على بقاءه ولا أعتقد اننا نجافي الحقيقة عندما نقول صراحة باستحالة تحقيق الانتصار على الارهاب الخارجي دون حسم المواجهة مع الفساد الداخلي.