23 ديسمبر، 2024 3:42 ص

لاتحزنوا يا أصدقائي أني ذاهبة الى مكان ليس فيه عمل ابداً

لاتحزنوا يا أصدقائي أني ذاهبة الى مكان ليس فيه عمل ابداً

في أحد كتبه ( لا اذكره عنوانه) ذكر جون مينارد كينز ، قصة أمرأة عجوز طلبت ان يُكتَب على شاهد قبرها عندما تموت العبارة التالية :
يا أصدقائي واحبتي ، لاتحزنوا على موتي ابداً ، فلقد ذهبت الى مكان مريح ليس فيه عمل بعد الآن !!!
اورد كينز ذلك المثال عندما كان يقول ان اضطرار الانسان للعمل لكي يعيش هو عذاب وعقوبة ليست هيّنة ابداً ..
وفي ظل ظروف الرأسمالية التي يعتَبر كينز منقذها من ازمة الكساد العظيم الذي كاد ان يودي بها ، والتي كان في نفس الوقت يتهمها بالوحشية وعدم التوازن وعدم العدالة .
انقذ كينز النظام الرأسمالي عندما قدم كتابه المعنون : النظرية العامة للاستخدام والفائدة والنقود .
دعى كينز في كتابه الى تدخّل الدولة في الاقتصاد لأجل الخروج من الأزمة من خلال زيادة الانفاق العام الممول بالعجز المتعمّد ..
وفعلاً نجحت افكاره في تجاوز الأزمة وأثبت عدم ملائمة نظريات الاقتصاد الكلاسيكي وفشلها ..
العمل ممارسة جميلة وتمنح الانسان دوراً في الحياة . ولكن يجب ان يكون العمل اختيارياً ويلائم رغبات الفرد العامل .
قال لنا أحد الاساتذة الهنود الكبار في محاضرة القاها علينا عندما كنا مجموعة من المشاركين في برنامج علمي في نيودلهي ، اذا اردت الحصول على افضل انتاجية من العامل فعليك ان تجعله يشعر بالمتعة في العمل كما لو كان يلعب !!
وحتى يحب الانسان عمله يجب ان يكون راضياً بأجوره وبجو العمل الذي يعمل فيه وبسلوك الادارة الانساني .
يجب ان يتمتع بالاجازات لفترة مناسبة .
كذلك يجب ان يكون قادراً على الانتقال إلى عمل آخر او مؤسسة أخرى.
اما اذا اصبح الحصول على عمل ، عملية شاقة وصعبة واذا كانت الاجور غير ملائمة وظروف العمل سيئة وتعامل الادارة غير انساني ومُهين لكرامة الانسان واذا كان الانتقال لعمل آخر ليس سهلاً ولايتوفر غطاء قانوني لحماية العامل ، حينذاك نفهم لماذا طلبت تلك المرأة ان يُكتَب على قبرها ذلك النص المؤثر .
لدي صديق امريكي قال لي حرفياً انه لايتمتع بالاجازة السنوية التي قررها له القانون . سألته لماذا ؟
اجابني لانه يخاف ان يفقد وظيفته اذا اكتشف رئيسه ان العمل يسير بشكل طبيعي في حالة غيابه.
هذه مشكلة ان الانسان لايستطيع التمتع بالاجازة خوفاً من ضياع وظيفته .
شخص آخر قال لي انه مضطر للذهاب الى العمل تطوّعاً يوم السبت مع انه يوم عطلة نهاية الاسبوع وذلك لكي يُبَيّن اخلاصه للعمل امام صاحب العمل ( الذي لم يجبره على الحضور)
وكذلك للانسجام مع باقي زملائه الذين يقومون بنفس الشيء: الدوام يوم العطلة !!
العامل المكبّل بالقروض لشراء المنزل وشرا السيارة وغيرها ، سوف يفقد كل شيء اذا فقد وظيفته . لذلك فأنه في حالة قلق ورعب دائم خوفاً من فقدان الوظيفة .
من الامور التي سبق وان ناقشت فيها أحد الاصدقاء المثقفين ، ماجاء في القرآن الكريم على لسان الجن : وذلك قول الله ( مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ).
لماذا وصفوا العمل بأمرة النبي سليمان بانه عذاب مهين ؟
لقد كانوا مُكرَهين وغير راغبين بالعمل ولايرتاحون لرئيسهم ..ويقال انهم استمروا بالعمل الدؤوب لمدة سنة لانهم لايعلمون ان سليمان قد مات.
القرآن كان صادقاً في نقل مشاعرهم بدقة..
آلان غريسبان ، رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي الامريكي السابق والمشهور، قال مرة كلاماً جعله يستقيل بعدها نتيجة ردة الفعل العنيفة ضده .
قال غريسبان: معدل البطالة المرتفع مفيد للاقتصاد لانه يجعل العاملين يعملون بجد واخلاص وانضباط خوفاً من البطالة !!
التقاعد المبكر او بعمر صغير نسبياً يعتبر بداية حياة بالنسبة للكثيرين لانه يضمن مورداً ثابتاً دون حاجة الى العمل .. وعندما ترفع الحكومات سن التقاعد تندلع التظاهرات احتجاجاً على ذلك لانهم يريدون الخروج من العمل بسرعة وبسن أصغر ..
الفيلسوف الانكليزي توينبي لديه كتاب عنوانه : سعادة الفراغ ..
يصف فيه حياته عندما تقاعد من بعض المهام وأخذ يخرج للغابة ويلهو دون قيود .. يقول توينبي : كنت اسير في نفس الزغابة سابقاً لكني لم اكن أرى ما أراه الآن .. كان ينبطح على وجهه على الارض لكي يراقب حركات النمل !!
يقول بدأت اكتشف قيمة ان يكون لدى الانسان وقت فراغ ..
في التنمية البشرية يعتبر امتلاك وقت فراغ مناسب ، من معايير التنمية البشرية العالية .”