18 ديسمبر، 2024 7:42 م

لاتجعلوا دعوتكم للاصلاح كأموال الأغنياء دولة بينكم من دون التائهين فيكم !

لاتجعلوا دعوتكم للاصلاح كأموال الأغنياء دولة بينكم من دون التائهين فيكم !

سئلت وفي أكثر من مناسبة وهذه معلومة لعلي أقولها لأول مرة : “لماذا تكتب -مجانا ومن دون مقابل – في بعض الصحف والمواقع وانت تحمل على كثير من افكارها وايدولوجياتها بين الحين والاخر؟!” .
جوابي كان ومازال : الكل يعلم بداهة بأن مهمة طبيب الابدان هي علاج المرضى وليس الاصحاء، كذلك مهمة طبيب العقول المحنطة والقلوب المريضة والافكار – الاكسباير – المستوردة ، يجب ان تكون موجهة الى مرضى الافكار والقلوب وليس الى الاصحاء ، اذ ما فائدة ان اكرر – اعيد واصقل – امام ثلة من المتدينين والملتزمين بأن الاسلام عظيم ، وان الدين رائع ، وان الايمان بديع ، وان الصلاة والصيام فرض وكل من اخاطبهم يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويعتمرون ابا عن جد ،وكثير منهم اشد التزاما واغزر علما واوفر فقها واكثر حفظا من كاتب السطور نفسه وبمراحل …مافائدة ان اكرر امام الخلوقين والملتزمين والمحافظين بأن الخمر حرام ، وان لحم الخنزير نجس ، وان القمار كبيرة ، وان الزنا فحش ،وان قطيعة الارحام منكر، وان الطعن بالدين اثم ، وجلهم من الانقياء الشرفاء الاتقياء ممن لايعرف للحم الخنزير طعما ، ولا للخمر اسما ،ولا لموائد القمار شكلا ، ولا لمواخير الفحش الليلية والنهارية مكانا ولا لدور البغاء عنوانا “هذا الخطاب يتحتم توجيه بوصلته لمن يعاقرون الخمر واقعا ويأكلون الخنزير حقيقة ويلعبون القمار يوميا ويزنون ويصخبون ويفحشون ولايصومون ولايصلون ولايحجون ولا يزكون ، اولئك الذين هم في الدين يطعنون ، الى الالحاد يجنحون ، في المنكر يغوصون ، في العبثية واللا ادرية واللادينية والوجودية يغرقون، لا الى المؤمنين المتدينين الملتزمين ولو بالحد الادنى على طريقة فهم الاعرابي ودين العجائز ، الخطاب الدعوي والعلاجي يجب ان ينتقل الى الطرف الاخر الموبوء ، المريض ، المصاب ، الملوث ويتوجب ان لايظل دائرا بين المتعافين والاصحاء لأن دورانه هكذا حول قطب الرحى سيكون كحال المال بيد الاغنياء البخلاء حصرا ودولة بينهم من دون المساكين والفقراء وهم بأمس الحاجة اليه ..كذلك العلم الشرعي والمعرفة وزكاتهما هي ان يخرج نصابها للمحتاجين اليها ،لا الى المتخمين بها ” .
فإن قيل : ولكن الا تخشى على نفسك من التلوث ؟!
الجواب : لو ان كل طبيب تجنب المرضى خوفا من انتقال العدوى منهم اليه وتحاشاهم كما نفعل نحن ، لوجدت المرضى – مرضى الابدان والقلوب والاديان – صرعى على جانبي الطريق بعد فقدان الرعاية والعناية الصحية والتوعوية والوقائية اللازمة في كل زمان ومكان !
وخلاصة القول : الدعوة يجب ان تنتقل الى الطرف المريض المصاب بشتى الملوثات والاوبئة الفكرية والثقافية والنفسية والاخلاقية وان لاتظل دولة بين الاصحاء منهم فحسب ، هم يفعلون هكذا معكم فيشوشون عليكم افكاركم بإنتقالهم الى ضفتكم بشتى الوسائل والطرق المقروءة والمسموعة والمرئية ، بينما تراكم تتنجسون وتأنفون من الانتقال الى بقية الضفاف خشية العدوى او الغرق على ساحلها ، ماهذا الوهن ، ماهذا الخور ، ماهذا الضعف ، ماهذا التهاون ، الهذا الحد بلغ عدم ثقتكم بأنفسكم وبما تحملونه من مثل وقيم وافكار ، ما بالكم يا قوم الا تتعظون ..؟!
واعلم يا رعاك الله بأن الملوثات والاوبئة الفكرية والثقافية وكلما ظهرت في الضفة الاخرى وبين جموع الطرف الاخر من دون ان تتحرك سريعا وتبذل الوسع لعلاجها فإنها لامحالة ستتغول وتتضخم وتتراكم بما يصعب علاجه فيما بعد وستنتقل اليك بقضها وقضيضها لتفتك بك فتكا مريعا ان عاجلا او آجلا ، حاول ان تتعامل مع الاوبئة والملوثات الثقافية والاخلاقية والفكرية كتعاملك مع الاوبئة الفايروسية والملوثات الطبيعية وبروتوكولاتها الطبية الناجعة وخلاصتها : ” علاج من اصيب بها فورا واخضاعه للرعاية الصحية اللازمة بدلا من الفرار منه والتنمر عليه +العمل الجاد والدؤوب والحثيث لوقاية من لم يصب بها بعد والعمل على تحصينه منها قبل استفحالها + التوجه الى المناطق الموبوئة لمساعدتها وتعفيرها وانقاذ ما يمكن انقاذه من مصابيها ، وعلاج ما يمكن علاجه من ضحاياها بدلا من وقوفك منتشيا على التل زاعما أنك من اهل الجنة وان البقية الباقية كلهم من اصحاب السعير” اية انانية مقيتة تلك ، واي فهم خاطئ لمقاصد الشريعة الغراء ذاك …المسلم الحق هو الذي يحزن اشد الحزن على حال العصاة ولايفرح بمعصيتهم ابدا لأن الفرح بإنتشار المعاصي جهل ، ولأن السرور بإستشرائها بين الناس غرور ..المسلم الحق هو الذي يحزن لأن هناك من يشرك بالله تعالى ، او يكفر به .. يحزن لأن الله سبحانه جل في علاه لايعبد في مكان وزمان ما ، ولوجود من يجعل لله شريكا في ملكه ويجعل له ندا ..المسلم الحق لاينام بناء على ذلك الليل بطوله ولايهنأ له بال قط ، لا ان يفرح بزعم انه قد ضمن الجنة بهذا التيه الاصم الذي ضاع بين كثبانه وفي قفاره وبين متاهاته وفيافيه العاصون والاثمون ،بزعم ان العصاة قد خسروا انفسهم والجنة بمعاصيهم تلك وبالتالي فإنهم لن يزاحمونه على جنة عرضها السماوات والارض ابدا ” وماذا عن سكوتك المطبق عن الباطل ، ورضاك به ، وعدم التحرك بالممكن قل او كثر لإطفاء نيرانه المستعرة في كل مكان قبل ان تحرق اخضر المجتمعات ويابسها ؟!” سكوتك وترفعك عن النصح والتوجيه لوحده تقصير وسبة ووصمة عار وشنار ستحاسب عليها ، والنبي الاكرم صلى الله عليه وسلم ، يقول ” والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم” ، وسلوا الله تعالى العفو والعافية لكم ولأهليكم أن نجاكم مما ابتلاهم به وفضلكم على كثير مما خلق تفضيلا وسلوه بقلب صادق ان لايقلب قلوبكم بين عشية وضحاها فيجعل المرضى الذين تتنمرون عليهم اصحاء تائبين ولو بعد حين ، ويجعل الاصحاء بدلا منهم مرضى عاصين ، واياك ان تأمن مكر الله ولا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون ، واياك ان تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله تعالى ويبتليك ، وتذكر على الدوام الحكمة التي تقول بقياس امراض الابدان على امراض القلوب والاديان :
فقلْ للشَّامتين بنا أفيقوا …سيلقَى الشَّامتون كما لقينا
ان تقف في ضفتنا فحسب لتوزيع الكمامات واللقاحات والعلاجات والمعقمات والمطويات والكراسات الدعوية بيننا وتتلو علينا البروتوكولات الطبية الناجعة لتحصيننا وجلنا بفضل الله تعالى ومنته وحده من الاصحاء المتعافين ماخلا النزر اليسير والا فيما ندر، تاركا المرضى المساكين الحقيقيين هاهناك على الضفة الاخرى يموج بعضهم ببعض وهم يموتون ايمانيا وعقديا واخلاقيا وقيميا وفكريا ومجتمعيا بالجملة بعيدا عنك وعن دعوتك ونصحك وارشادك وعلاجك وانت تردد كالببغاء اما تنمرا واما تكبرا ولا اريد ان أصفك بوصف أخر قد يكون جارحا – طبهم مرض – فهذا هو الهراء بعينه الذي يتوجب مغادرته فورا من الان فصاعدا ، وحسبي ان اذكر هنا كأنموذج معاش على ما اقول ،بأن آفة المخدرات قد بدأت في بلاد الرافدين بعصبة قليلة من الفاسدين والسكارى والمشردين عام 2003 اما اليوم وبعد ان تغافل الدعاة والمصلحون عن الكارثة وغضوا الطرف عنها للاسباب التي ذكرتها آنفا فإن العراق اليوم يتصدر قائمة المدمنين والمتعاطين والمصنعين والمهربين والمتاجرين بالمخدرات بكل انواعها واصنافها الزراعية منها والصناعية عربيا واقليميا لأن جنابك – وآآآآآآخ من جنابك – كنت تنظر وما زلت الى العصاة على انهم من المجذومين او من الهالكين او من الهابطين ممن يتوجب عزلهم واهمالهم وتركهم وشأنهم والهروب منهم والاكتفاء بدلا من ذلك بالتكبير اربعا على هلاكهم وعوائلهم ومناطقهم ومدنهم وكأنهم جذام يتوجب الفرار منه حتى من دون ادنى تحرك لإنقاذهم وارشادهم وعلاجهم وتوعيتهم واطفاء النار التي تشتعل في كل مكان من حولهم بما يهدد مناطقك بالاشتعال قريبا ان لم تكن قد اشتعلت !
وليعلم الجميع ومن دون استثناء بأن واحدة من اهم اسباب كثرة الخلافات والجدالات والمهاترات بين المتدينين والملتزمين انفسهم في كل مكان هو لأنهم قد تركوا مهمة الدعوة الحقيقية الرائدة – كبرا وتنمرا – الى من يحتاجها فعلا ، وتحولوا بدلا من ذلك الى امر ونهي من ليس هو بحاجة الا الى جانب منها من باب الموعظة والتذكير والتعليم والنصح والتوجيه ، فحولوا بذلك انهار وبحيرات وعيون ومياه اجل فريضة في الاسلام ” الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ” الى ارض المنبع ثانية بدلا وعلى حساب ارض المصب التي ماتت أو تكاد أن تموت عطشا وبات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبخلاف المطلوب ، كذلك العلاج دولة بينهم من دون المرضى والظمأى الحقيقيين وهم بأمس الحاجة اليه في ظل الغزو الفكري والثقافي والمجتمعي الذي لايتوقف هديره على مدار الساعة في ظل طوفان المعلوماتية ، واعصار الشبكة العنكبوتية ، وزلزال المنصات الالكترونية ،وبركان المواقع الافتراضية، الامر الذي يفسر لنا لماذا كل هذا الجدال البيزنطي اليومي العقيم في الماتريدية والسلفية والاشعرية ، في الصوفية والسلفية ، في تأويل أو اثبات الصفات الالهية، بينما لايلتفت هؤلاء المتجادلون المتخاصمون المتنافرون فيما بينهم بتاتا لنصح وحوار وتوجيه وارشاد من لايؤمن بالله جل في علاه ولا بصفاته التي يتجادلون بشأنها اساسا ، الى من لا يؤمن بجنته ولا بناره اصلا ، الى من لايؤمن بملائكته ولا بكتبه ولا برسله ولا بالقدر خيره وشره ابتداءا ،الى من لايؤمن بوحدانيته مطلقا، الى من لايصدق ولايؤمن بوجود بعث ولا حياة اخرى بعد الموت ولا قيامة ولاقيام ولانشور اطلاقا ، ايعقل هذا ياقوم ؟!
لقد تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة وهجرتم الدعوة الى الحق على بصيرة وكلكم مأمور بها كل بحسب طاقته وعلى قدر استطاعته وترفعتم عن من يحتاجها واقعا وبإلحاح شديد ، لتتفرغوا بدلا من ذلك اما عصبية واما جاهلية واما مراءا واما لقضاء الوقت ، واما استعراضا للعضلات الفقهية والكلامية ، واما تسقيطا وتحاملا وتشهيرا ،واما توجيها من خلف الكواليس ، ليقذف بها بعضكم بعضا من دون الاخرين كليا ، وجلكم يظن أنه بذلك إنما يؤدي واجبه على افضل ما يرام ، وأنه يحسن صنعا ولله در القائل :
غفلت عن المصير فضل سعيي …فيا ويلاهُ من سوء المصيرِ
ويا ويل الذي ضحى بأخرى ….لعيش بهارجِ العمر القصيرِ
واختم الى من ندب نفسه للاصلاح ..مع التحية واقول على الائمة والخطباء والدعاة والتربويين والمصلحين الاجتماعيين التركيز على مسائل مهمة جدا لم تحض بكثير من المتابعة والاهتمام برغم ما تسببه من مصائب وتجره من كوارث وتتسبب فيه من تفكك العائلة وتمزق المجتمع وانهيار منظومتي القيم والاخلاق وانحسار الفضيلة مقابل تغول الرذيلة ، واولها الجشع والاحتكار في زمن الغلاء والوباء ، وثانيها الابتزاز الالكتروني ، وثالثها العنف الاسري ( وقد وصل بنا الحال الى مديات خطيرة للغاية لم يسبق لها مثيل قط بما تطالعنا به الاخبار يوميا من قتل زوج لزوجته واطفاله ، قتل زوجة لزوجها واطفالها ، قتل شقيق لشقيقاته او اشقائه ، قتل ابناء لامهاتهم وابائهم ، قتل اباء وامهات لأبنائهم ، ضرب الاطفال ضربا مبرحا يسفر عن تشوهات واعاقات مستدامة في بعضها ان لم تكن جسدية فنفسية ..الخ ” ورابعها المخدرات ، وخامسها التهاون بالطلاق ، وسادسها النزاعات العشائرية ، وسابعها القتل والسرقة ، وثامنها الرشوة ، وتاسعها القروض الربوية ، وعاشرها السحر والتنجيم ، كذلك وعلى شاكلتها الزنا والعلاقات الجنسية المحرمة ، والخمور ، والغش في المكيال والميزان ،التزوير ( تزوير العملات ، تزوير الشهادات ، تزوير المسنندات ، تزوير الانساب والاحساب ، تزوير الانتخابات ، تزوير الحقائق وبث الشائعات نحو فلان مات وهو ما زال على قيد الحياة ،وماشاكل) اضافة الى كارثة الانتحار شبه اليومي ” اما حرقا ، واما غرقا ، رصاصا ، سما ، شنقا ” ، منع الزكاة بكل اصنافها ” زكاة نقود ، زكاة زروع وثمار ، زكاة مواشي وانعام ، زكاة ذهب وفضة ، زكاة العروض التجارية ” مع ان الزكاة ذكرت مقرونة بالصلاة في كتاب الله العزيز عشرات المرات واذكر بقوله صلى الله عليه وسلم ” خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن ، لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم يَنْقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”.
وبالقياس على البلوى التي تعم بإرتكاب تلكم الموبقات فهناك بلوى آخرى تعم بالسكوت عنها وبناء عليه فأنصح هاهنا جميع المصلحين والتربويين والائمة والخطباء والدعاة والكتاب والمفكرين وبإلحاح بضرورة التحذير من هذه الاثام وتلكم الموبقات والحديث عنها بإستمرار ومن دون توقف حتى لايكونوا من الساكتين عن قول الحق في وقت نحن احوج ما يكون فيه للحديث والكلام .اودعناكم اغاتي.