23 ديسمبر، 2024 2:12 م

لاتبخسوا حقكم في الانتخابات

لاتبخسوا حقكم في الانتخابات

أيام قليلة باقية على موعد الانتخابات , وكثيرا من العراقيين لم يحزموا أمرهم بعد بخصوص الاقتراع , فالبعض لايعرف من يختار والبعض الآخر يشجع على العزوف ويعتقده انه أحسن الخيارات والبعض الآخر يتحمس لليوم الموعود,وفي رحى ذلك تزداد حمى الدعايات الانتخابية , فالمطابع العاطلة وجدت طريقا لكسب العيش المشروع وأسعار السمك المسكوف ارتفعت من جراء زيادة الولائم والحفلات , والشوارع غصت بملايين الصور التي أبدع أصحابها في معالجتها في ( الفوتو شوب ), ومن لم يستطع تمزيقها أو إزالتها فانه بانتظار رياح نيسان في أيامه الأخيرة فهي غالبا ماكانت تفسد احتفالات القائد الضرورة بعيد ميلاده المشهور .

وفي وقت تتشتت فيه آراء الناخبين وهم أصحاب القرار في أن يكون أو لايكون (المرشح ), فان للمرشحين رأيا آخرا فقد ازداد عددهم بشكل مضطرد ليكون 90400 بعد استبعاد 533 كما ازدادت عدد الكيانات لتبلغ 107, وعند تفحص هذه الأرقام نجد إن هناك زيادة في عدد المرشحين تبلغ 50% عن انتخابات 2010 وهو ما يعني من الناحية النظرية نضوج العملية السياسية وزيادة عدد المؤمنين بالتغيير من خلال الانتخابات وليس عن طريق الانقلابات كما كان يحصل خلال العقود الماضية , فكل التغييرات التي حصلت من سنة 1958 لم تكن بإرادة شعبية وإنما بمساندة الجيش أو الأغراب .

فحين تم الانقلاب على الملكية في سنة 1958 وتم سحل الملك والتمثيل بنوري سعيد الذي لم تصدر وثيقة مؤكدة بنسبة100% عن وطنيته أو عدمها , فان ذلك تم من خلال العسكر الذين استعانوا فيما بعد بمحكمة المهداوي لتوزيع الغنائم , وفي سنة 1963 تم الانقلاب على الزعيم عبد الكريم قاسم الذي انقسم فيه الناس بخصوص دكتارويته ونزاهته , والذي انتهى بتولي عبد السلام عارف زمام السلطة بعد أن أحدث صراعات دموية بين الشيوعيين والبعثيين , ثم جاء انقلاب 1968 الذي أزاح المسكين عبد الرحمن عارف لينتهي به الأمر في المنفى ليسجل سابقة خطيرة وهي عدم قتل الرئيس في الانقلاب.

ولم ينتهي حكم البعث في العراق الذي بدا بطريقة تآمرية على عبد الرزاق النايف وغيره تحت مسمى الثورة البيضاء إلا بعد 35 سنة من خلال الاحتلال الأمريكي للعراق , الذي حظي بغطاء دولي من خلال إصدار مجلس الأمن الدولي قراره الذي اعترف باحتلال الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف معها للعراق , والذي سوغ لها بإلغاء المؤسسات العسكرية والأمنية واجتثاث الناس بغض النظر عن دوافع الانتماء , مما سمح بهروب المجرمين والقتلة والمثرين على حساب الشعب للعيش بأعلى المستويات في الخارج وترك الآخرين ليعيشوا تداعيات التغيير .

وبعد أن سقطت ذرائع احتلال العراق تحت مسميات امتلاك العراق لأسلحة التدمير الشامل والعلاقة مع تنظيمات القاعدة , فقد شرع المحتل لبناء تجربة ديمقراطية أنموذجية لكي تسوغ الاحتلال وتجعله ثمرة لكي يرحم العراقيين والدين الأمريكيين , فأسسوا بالفعل لدعائم هذه التجربة ولكن بطريقتهم ومقاساتهم وليس بطريقة العراقيين , وقد أثمرت عن ولادة الخديج الذي أسموه الدستور , ومن شارك بوضعه يقول انه من أفضل دساتير العالم من حيث مدة انجازه أو من ناحية تضمينه لنصوص قابلة للتعديل أو تكييفها لاحقا من خلال اصدارالقوانين لإنعاش المنهج الديمقراطي الجديد .

وبموجب دستور العراق , فان بإمكان الشعب أن يغير البرلمان والحكومة كل أربعة سنوات من خلال صناديق الاقتراع وليس كما كان يحصل سابقا من خلال الانقلابات , والضامن هوالجيش المحلي ووجود القواعد الأمريكية في الدول الصديقة في الجوار التي بإمكانها معالجة كل محاولات الانقلاب على الديمقراطية (لاسامح الله ) , فالانقلاب لم يعد ممكنا من خلال الاستيلاء على مبنى الإذاعة والتلفزيون لان هناك عشرات الفضائيات والأرضيات التي تنتشر في عموم العراق وفي خارجه بالطبع , وان سقطت الصالحية التي تشغلها العراقية الآن فان هناك محطات بث لإسناد العملية الديمقراطية وحماية أية حكومة من السقوط في الانقلابات .

ويفترض في ضوء كل ذلك بان اختيار الأغلبية الفائزة في الانتخابات أو التي تتشكل بعد ظهور النتائج ( حسب تفسير المحكمة الاتحادية ) , هي بإرادة الناخبين وحدهم فحسب , وحسب تعليمات المفوضية المستقلة للانتخابات فانه لاتوجد قوة كونية أو غيرها بإمكانها مصادرة هذا الحق , ولكن الناخبين قد يستطيعوا التنازل عن حقهم القانوني من خلال ضعف مشاركتهم في الاقتراع أو العزوف عنها , فالانتخابات هي انتخابات والدستور لم يحدد نسبة معينة لكي تتم المعولة على النتائج , والعراق في هذه الحالة حاله حال الأنظمة الديمقراطية السائدة في العالم التي لم تحدد عدد أو نسبة المقترعين كمقياس لقبول النتائج , باعتبار إن من حق المواطن المشاركة أو عدم المشاركة ولكن النتائج تحسب على المشاركين فحسب .

وكما عرضنا أخواتي وإخواني العراقيين , فمن حقكم المشاركة أو عدم المشاركة كما بإمكانكم اختيار من تشاؤون , فالاختيارات هي التي ستحسم النتائج , وبعدها لايمكن أن يلام الآخرون من عدم اختيار الأنسب أو يندب حظه لعدم مشاركته في الانتخابات , فهي ثقافة يجب أن نتعلمها جميعا لأننا الوحيدون الذين سنقرر من نختار دون أن نتوقع بان معجزة من السماء ستنزل علينا في التغيير, فالانقلاب هراء وتدخل الأمريكان ضربا من المستعصيات , والحل الأسلم هو الاختيار وعدم القنوع في المنازل في يوم الاقتراع , وحاشى الله أن نقول من تنتخبون ولكن انتخبوا ولا تبخسوا حقكم في الاختيار , ونحن لسنا ناصحون لكم ولكنا شركاء في المواطنة وحسبنا هو التذكير بان التغيير الذي سيحصل هو الأول من نوعه لأنه خارج الاحتلال والانقلابات .