“قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
نحن الشعب العراقي نصارع الآن حرارة الصيف القائض وانحسار الكهرباء بروح متفانية وصبر جميل وقابلية تحمل عالية، منقطعات النظير، ونمارس وهج المظاهرات السلمية الاصلاحية التي يتصاعد لهيبها تصاعدا طرديا بين جمعة وأخرى، ونبتهج بعرس الإصلاحات بتفاؤل كبير وترقب شديد، كما ونكافح المحن المتعلقة بالحرب المفروضة علينا من قبل داعش وأسيادها ومن قبل المفسدين وأدواتهم، ونواجه الكساد المالي والاقتصادي والانتاجي, ونكادح التقشف بشجاعة وجلد، وعلينا أن نتصدى لهذه المحن ونحن على ثقة عالية بثبات ارادتنا ووعي شعبنا المقدام وهدي مرجعيتنا الرشيدة ورباطة جأش حكومتنا الاصلاحية الواعدة بالمضي قدما نحو الاصلاح مااستطعنا، ولو ان هذه المحن تمر على العراق بسلام فلا نبالي، ولكن القادم مجهول كمجهولية البداية حينما ورطونا بالديموقراطية الغربية الكؤود التي افرخت لنا نظام حكم هزيل ودستور مقعد وجامد، وعجز سياسي حاد وأقطاعيات سياسية متنفذة تفتقر لأبسط مبادئ الروح الوطنية، وأفرخت لنا بعض من آلسياسيين الذين لايخافون الله ولايستحون من مواطنيهم ولا من ناخبيهم، ولايؤدون الامانة ولا يحترمون من وضعوا ثقتهم فيهم، ولا يملكون ذرة من حياء، ولا وازع من التزام من شرف سياسي واخلاقي -مع فائق احترامنا وإعتزازنا بالخيرين الابرار-، وأفرخت لنا-أي الديموقراطية- ويلات وأزمات متنوعة مفتعلة، وامبراطوريات متداخلة داخل دولة أتعبها الارهاب والفساد، فهي اخذت منا الواجبات وسلبت منا الحقوق والخدمات والقيم الانسانية والوطنية، فصار الواحد منا كأنه غريب في وطنه، وصار القوي منا ياكل الضعيف، وصار السارق سيد ومحترم ومتنعم، والشريف النزيه راضخ ذليل ومملق، والمتحزب سائد وعزيز، والمستقل متنح وحقير، والفقير المعدوم لامكان له في هذا البلد الغني التي سرقت ثرواته واستهدفت خيراته،”َرَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”.
ففي واحدة من تطبيقات مهزلة الديموقراطية المارقة “المفاوضات” التي جرت خلف الكواليس في سابقة ليس لها نظير لاقتسام كعكة العراق بأساليب الطائفية والحزبية والمكوناتية والمحاصصة الخبيثة المخجلة والجارحة لكرامة العراقيين التي أنهكت ميزانية العراق وتسببت في تردي الخدمات وأخفقت بحالات الاعمار والبناء، وساهمت في استهتار وتمادي بعض الوزراء وآلسياسيين والنواب والدرجات العالية، فصار العراق نهبا ونحلة لجشعهم ودنائتهم، ولم تسلم مفاصل الحكومات العراقية الاخرى من هذه الطريقة، فالطريقة التي تشكلت بها الحكومات هي”طريقة وضع اليد المحاصصاتية الطائفية الحزبية”على الحقائب الوزارية والمفاصل المهمة والخطيرة في الدولة على حساب المعايير المهنية والادارية والقيادية ومعايير الكفاءة والمواطنة ومعايير وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فقسمت المناصب والسلطات في الدولة على هذه الطريقة البائسة وعلى حساب الكفاءة والنزاهة والاقتدار الاداري أيضا، مع غض النظر العمدي عن الظروف المتداعية التي يمر بها البلد الجريح والشعب الصابر المظلوم، وهذه الطريقة امضى واقسى من حالات الخيانة العظمى.
فقد حلم الشعب عليهم كثيرا، وعلى مختلف السلطات التشريعية والحكومية كان حلمه أكثر، وحلم كذلك صابرا على ماكنة الكتل والأحزاب التي تعمل تحت قبة البرلمان، فكانت على مايبدو ويكأنها ساهرة لرعاية مصالحها ومكاسبها الحزبية الضيقة ويكأنها ماوجدت في هذا المكان إلا لركوب موجة الفساد السياسي والمالي والاداري والتشريع لادامته والتغطية عليه.
ولم يكتفوا بالقسمة فحسب، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ليحملوا المواطن البسيط وزر أعمال المفسدين والفساد، وتحميله جريرة دفع الرواتب الخيالية والمخصصات الإنفتاقية للوزراء والأعضاء وذوي الدرجات العالية، التي أدت إلى افراغ الخزينة من أموالها الهائلة وتكبيل الدولة بديون باهضة، فبادروا فوق ذلك بابتكار طرق شيطانية خبيثة بفرض التعرفة الكمركية على قوت المواطن البسيط، بل بادر أكثر من واحد لرفع أسعار الكهرباء والماء والهاتف ومصادر الطاقة ودحر مفردات البطاقة التموينية، بل طالبوا بالغائها نهائيا، وركبوا موجة التفنن في أقتراح استقطاع 5% من رواتب الموظفين والمتقاعدين، الرواتب التي هي أصلا لاترقى حتى إلى مستوى خط الفقر، وشتان بين موقف هؤلاء وبين ما قرأته عن قصة سيدة أشفقت على شعبها بتخفيض نسبة الضرائب المفروضة على شعبها، والقصة شعبية مستوحاة من التراث الأنكليزي،”فالسيدة جوديفا بطلة هذه القصة، والتي إرادت رفع وزر الضرائب الثقيلة والباهضة والتي تقع على كاهل الشعب، والتي يفرضها عليهم زوجها الملك حاكم مدينة كوفنتري بكل قسوة، فناشدته مرارا وتكرارا لتحقيق مطلبها الآنف، ولكن زوجها وفي كل مرة يرفض مطالبها بعناد، لأنه ملك ظالم ومتجبر وفيه عرق يهودي ينبض بحب المال، وبعد الحاحها واصرارها عليه، طلب منها قائلا، وهو منزعج من توسلاتها: إذا كنت مصره على ذلك ومشفقة على الشعب فليس لديك سوى خيار واحد يضمن لك موافقتي، هو أنك تركبين الحصان وتجوبين شوارع مدينة كوفنتري وأنت عارية !! وفعلاً هذا ماحدث, وبالتالي فان السيدة جوديفا ضحت بسترها من أجل شعبها وكان لها ماطلبته من زوجها الملك، لكن بعد اللتيا والتي، وبعدما جابت شوارع المدينة عارية”.
فما دهاكم، ومن أغواكم، أيها المفسدون؟، إذ من الله عليكم وإعادكم إلى بلدكم فإستوطنكم فيه ملوكا بعد إن كنتم عبيدا أذلاء في دار الغربة، وسخر لكم الشعب العراقي ليوصلكم لهذه المراتب الراقية ومكنكم على رقاب أبنائه ومعايشهم ومصادر رزقهم لتبرونهم من بعد معاناة وظلم زامنهم للمدى الذي جعلهم أن يستقبلونكم بالورود ويأخذونكم بالاحضان، وخولوكم التصرف ببلدهم وبثرواته الهائلة وأمواله الطائلة، فكان الأحرى بكم ان تحمدوا الله وتشكروه على ماأعطاكم وحباكم به من نعمة ومن درجات عالية ومقامات رفيعة، والأحرى بكم أن تعضوا على بلدكم بالنواجذ، وتردوا الجميل لشعبكم، وتحفظوا الأمانة والمال والعرض والعهد وتبروا بالقسم، ولكنكم وللأسف الشديد بدلا من ذلك ركبتم موجة الفساد التي ستهوي بكم إلى واد سحيق من الذل والهوان والعار والندم والشنار فضلا عن خزي الآخرة وعذابها، فوالله انها لحماقة وسوء خاتمة وقصر نظر وتقدير.
هذا فآل بنا المآل في هذا الجو اللاهب لئن نخرج للشارع ونرفع اصواتنا العوالي بوجه الفساد بتسديد الهي وبامارة مباركة مرجعيتنا الرشيدة وبمعجزة الهية قد لايأتي بها إلا الأنبياء والأوصياء، فدارت الدائرة عليهم ونارت بهم النائرة وإنقلبت الدنيا على رؤسهم وكأنه يوم الحساب بمشيئة الحق سبحانه الذي يمهل ولا يهمل، واننا نسعى بذلك وبإذن الله وبفضل إصرار الشباب والخيرين بإصواتهم المدوية والهادرة بإسترداد جميع أموالنا المنهوبة والمسروقة لحد الدينار والفلس وبالسكة العراقية، وارجاع حقوقنا المغتصبة وباقي اعتباراتنا المسلوبة، فانها لاتضيع كما يظن هؤلاء, كما “لا يضيع حق وراءه مطالب”.
وهكذا فكلما كان الصوت مدويا وهادرا، كلما ردت الينا الحقوق، وتوقفت عجلة الفساد، رغما عن أنوف الفاسدين والمرجفين والانتهازيين، ومااستمعوا لصوت الشعب والجماهير المنتفضة الا على مضض من اسماعهم وقناعاتهم وتخاذلهم، وفي النهاية سيستمعوا لصوت الشعب الهادر ونداء المرجعية الرشيدة، بعد أن نفذ صبر الشعب وتهاوى حلمه، فاستفاق من حكمته وذهب لركوب حزمه وغضبه كمطية له لبلوغ مرحلة الاصلاح وملاحقة الفاسدين اينما وجدوا، فهنيئا لكل الجماهير التي خرجت في هذا الفصل القائض المتميز بارتفاع درجات الحراره الحارقة، مطالبة بحقوقها التي سلبت بغطاء المحاصصة والتكتل على وضح النهار وامام أعين الناس -“عيني عينك”-، وسوف لن تتوقف الا ببلوغ اهدافها واكتمال عمليات الأصلاح، وبمحاسبة جميع المقصرين، وكل الخونة والفاسدين والمارقين والمستهترين.
المضحك المبكي المؤسف، أن يطل علينا أحد السياسيين متباكيا ووجلا قائلا: “أنه يخشى المظاهرات أن تطيح بالعملية السياسية!!”، فأي عملية سياسية هذه التي يتباكى عليها بدموع التماسيح؟،، لم لايبكي على الوطن المنهوب المكلوم المفجوع بإبناءه الشهداء وبترابه المغتصب وبأمواله وثرواته المبددة والمسروقة وبديونه التي قصمت ظهره؟، إنما يتباكى على مصيره المجهول ومخصصاته الضخمة وحماياته المؤلفة وسياراته الفارهة وفلله الفخمة وجاهه ووجهه الدنيوي الزائل وإمتيازاته الباطلة!! فهيهات هيهات “لو ترك القطا ليلا لنام” فإن القول ماقالت حذام، فيا أيها السيد المبجل والرجل المحترم، عد من حيث آتيت فالشعب إليك قادم، وسيف الاصلاح مسلط على رقبتك ورجال الله قادمون إليك، وعليك أن لاتدعي بعد الآن من انك أكثر حرصا من الشعب على العملية السياسية، فالعملية السياسية التي كنت تتكلم عنها مشوهة بسبب الارهاب والفساد والمحاصصة، وأنت أول من ساهم بتشويهها، وعدد انواعها.
والحق نقول بتساؤلات مشروعة دائما مايرددها المجتمع والناس هذه الأيام في الشارع وفي مواقع التواصل الاجتماعي، الا وهي:
ماهي انجازات العملية السياسية؟
وماهي المشاريع الاسيتراتيجية التي انجزت تحت مظلة العملية السياسية؟
وهل حافظت العملية السياسية على ارض الوطن من الضياع والأغتصاب؟
وهل حفظت العملية السياسية هيبة الوطن في المحافل الدولية؟
وهل حافظت العملية السياسية على ثروات البلد من السرقة والاختلاس والنهب والتبذير والاسراف؟
وهل بنت العملية السياسية دولة مؤسسات ومواطنة ام دولة احزاب وتكتلات ومحاصصات؟
وهل اقرت العملية السياسية دستورا يحفظ العراق من التفكك ام اقرت دستورا يشرع للفساد والنهب؟
وهل بنت العملية السياسية جيشا مهنيا قويا يؤمن بوحدة العراق والدفاع عن ارضه وسيادته؟
وهل أبقت العملية السياسية واحدة من موسسات الدولة لم ينخرها الفساد؟
فتبا لكم إيها الفاسدون ولعمليتكم السياسية التي لم تجلب لنا الا سوى الخراب والدمار للعراق والعراقيين.
يذكر أن المرجعية الدينية في النجف الاشرف قد طالبت رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بـ”تسمية” من يعرقل مسيرة الاصلاح، داعية اياه الى أن يكون اكثر جراة وشجاعة في خطواته الاصلاحية وضرب المفسدين بيد من حديد، داعية للابتعاد عن المحاصصة الطائفية والحزبية في تسمية المناصب الحكومية، وابعاد المفسدين، والعمل بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
وعلى السيد العبادي أن يبوء بهذا التشريف على الرغم من أن التركة ثقيلة والطريق وحش وشاق، وأن يكون اهلا لحمل الأمانة وتنفيذ خطط الاصلاح التي حملها اياه الشعب والمرجعية الرشيدة، وكيف لا فهو يمتلك مقومات النجاح لما حباه الله من ملكات قيادية وادارية وعلمية، من ذكاء وابداع ومبادرة وعلم وتواضع ونزاهة وصدق وشفافية، فضلا عن انه يعرف كل صغيرة وكبيرة في دهاليز السياسة والحكم، ولاتمر عليه شاردة وواردة الا وهو يعرف مصدرها واسبابها وغاياتها، وهو رحل درس الهندسة وحاز على شهادة الدكتوراه، وعاش في الغرب وتعلم من تجاربه الكثير في السياسة والعلاقات العامة وطريقة التعامل مع الدول، اضافة إلى انه رجل مؤهل لتسلم زمام الأمور في هذه المرحلة الخطيرة المتسمة بالإصلاحات، فأملنا أن “لاتؤلهوا الرجل، ولا تخذلوه -بالمدح والذم، والأهازيج والتطبيل، فتغيبوا انسانيته وكفاحه ومستقبله السياسي- فإنه مأمور”، وما عليك الآن ياسيدي”العبادي” إلا أن تمتشق سيف العدالة والاصلاح بيد، ولتضرب باليد الاخرى من حديد رؤوس الفاسدين، وتخلص العراق والعراقيين مما نحن فيه، وتخلصنا من أكبر محنة وأخطر ورطة، ولا تأخذك في الله وفي الوطن والحق لومة لائم، واغتنم الفرصة التي قد لاتتكرر ولاتعود، ولا تدعها تمر مر السحاب دون أن تستثمرها، سيما وانك حظيت بأكبر تأييد وقبول ليس له مثيل في التاريخ الماض والحاضر، كان من ابرزها تأييد المرجعية الرشيدة ووقفة الشعب العراقي الكريم فضلا عن التأييد الوطني والاقليمي والدولي والأممي، فامض إلى ماأنت إليه ماض، والوقت كالسيف إن لم تقطعه يقطعك، وخير البر عاجله، ونحن بصدد ان نتأمل حديثك الأخير، إذ حمل بين طياته الهم الكبير، فيجب علينا أن ندركه ونفكك دلالاته, وما التوفيق إلا من عند الله العزيز العظيم.
اما مسألة انجاز الاصلاح نحن نعلم علم اليقين انه يحتاج مزيدا من الصبر والتروي، وإلى مزيدا من الوقت، اما التسرع والعجالة في اتخاذ قرارات اصلاحية مفصلية غير مدروسة فإنها تعطي مردودا عكسيا قد ينجم عنه ارباكا اداريا وفراغا سياسيا، فالمعضلة كبيرة والخسارة فادحة، وبعد كل هذا الخراب فالبناء يحتاج إلى كثير من الوقت ومزيدا من المطالبات والتضحيات.
أما مايحدث من أصلاحات جزيئه في المحافظات من أقاله واعفاء وتبديل لاتمثل الا مدخلا بسيطا قد يؤدي إلى عرقلة في صلب الإصلاحات وذر الرماد في العيون، فمهمتنا الأساسية هي تحجيم دور الأحزاب في الحكومة والقضاء على المحاصصة الحزبية والطائفية والمكوناتية، “فما يقومون به من اجراءات ربما قد تكون بنية أخسر جزءا ولا تخسر الكثير”.فعلينا أن نستمر … ونستمر، فنحن كما قال السيد المسيح (ع):”اسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ”.
“ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا اخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون”