23 ديسمبر، 2024 8:17 ص

لابُدَّ من عَزْلِ الفاسدين

لابُدَّ من عَزْلِ الفاسدين

-1-
قرأتُ لرضي الدين الزيّات (محمد بن الحسن بن المحسن ) وهو من شعراء القرن السادس الهجري – بيتين طريفين هما :

قالوا : تَغَيَّرَ عنّا في ولايتِهِ

فصار يمنعُ ودّاً كان يَمْنَحُهُ

فقلتُ لا تكثروا من لوم صاحِبِكم

فَعَنْ قليلٍ فسادُ العَزْلِ يُصْلِحُهُ

وكما قال الزيّات :

انّ هناك من تمسخ السلطةُ أخلاقَه ، وتُغيّر طباعَهُ وعاداتِهِ ، وتنقلهُ من خندق الى خندق :

من خندق المتمسكين باهداب الآداب والخلق الرضيّ، الى خندق المغرورين المتنكرين حتى لأصدقائهم .

وكتب “الحميري” الى الوزير ابي عبد الله الحسين الماشليّ .

أسيدَنا الوزير نسيتَ عهدي وقد شبّكت خَمْسَكَ بَيْنَ خَمْسي

وقولك إنْ وليتُ الأمر يوما لاتخذن نَفْسَكَ مِثْلَ نفسي

فلما أنْ وليتُ جعلتَ حظي من الانصاف بيَعكَ لي بِبَخْسِ

لقد كان (الحميري) و(الماشليّ) يدا بيد لا يتفارقان غير أنَّ السلطة غيرّت الماشلي عليه .!!

-2-

واذا كان الزيات الشاعر قد قال ما قال في القرن السادس الهجري ، فانَّ ما ظهر في ذلك القرن من مظاهر التمرد على النظام الأخلاقي بمجرد

الوصول الى السلطة، قد امتد الى أيامنا هذه، وقد عانى “العراق الجديد” من هذه “الحالة السلبية” كثيرا، ذلك أنّ كثيراً منهم لم يكن معدوداً في المهنيين ذوي الكفاءات والمقدرة، قد تسلل الى مواقع مهمة، وتبوأ مراكز عالية، لابل أنّ بعضهم لا يملك الاّ الشهادة المزورة التي لا قيمة لها علميا وعملياً …!!

وقد تقدّم هؤلاء المزّورون على غيرهم، وفقاً لمعادلات وحسابات ومحاصصات ما أنزل الله بها من سلطان، فنخروا الهيكل العام لمؤسسات الدولة واجهزتها ، فضلاً عن الكوارث الأمنية والسياسية والاقتصادية التي رزحت تحت وطأتها البلاد ، وذاق مرارتها العباد …

-3-

والجميل في البيتين أنَّ الشاعر الزيّات ينهى عن لوم المتغيرين على أصحابهم، لأنه يرشحهم لِعَزل سريع يُرجعهم الى مواقعهم التي كانوا فيها قبل تولي السلطة ، وعندها لايبقى لديهم ما يمكنهم الاستناد اليه في مسلكهم الطائش ..

-4-

انّ العزل لمن تَسّنَم منصباً لا يستحقه ،هو ما تفرضه الموازين والقوانين، وهو ما تشهده البلدان المتحضرة الراقية، ولكنّ “العراق الجديد” أصبح مستثنى من كل تلك المواضعات القانونية ..

انه اصبح بلد “الصفقات” السياسية ، والتوافقات التي لا تكترث بما تقتضيه الأصول القانونية والحضارية ..!!

-5-

وحين استشرى الفساد ، وبلغ السيل الزبى، هاجت الجماهير واستمرت التظاهرات، مدعومة بموقف المرجعية العليا المشدّد على وجوب الإصلاح ، ومحاسبة الفاسدين ، والضرب بيد من حديد لاجراء التغييرات المطلوبة

فبدأت بالظهور (حُزَمُ الاصلاح) ولكن بوتيرة بطيئة … وبقيت الحيتان الكبرى خارج نطاق المساءلة والمحاسبة حتى هذه الساعة ، الأمر الذي فاقم من نقمة الجماهير وحفزها على التصعيد …!!

انّ رؤوس الفساد وناهبي المليارات معروفون، وملفات الفساد موجودة فلماذا يتوانى الادعاء العام عن التحقيق معهم واحالتهم الى القضاء ؟!

إنّ الحراك الشعبي لن يهدأ اذا لم يوضع (كبار الفاسدين المفسدين) وراء القضبان …

إنّ الجماهير المتحشدة في ساحات التظاهر في معظم المحافظات العراقية لم تخرج للنُزْهَة …

وهي لن تحابي أحداً ، ولن تقبل بأنصاف الحلول أو أرباعها …

إنّ الفساد المالي والاداري كان من اهم الاسباب التي مهدّت للأوغاد من (داعش) دخولهم وقيامهم بما قاموا به من مجازر وجرائم يندى لها جبين الانسانية خجلا .

انّ الارهاب والفساد توأمان ..،

وهما وجهان لعملة واحدة ،

وهكذا يتضح أن مسألة القضاء على الفساد ، وطرد الفاسدين ومحاسبتهم واحالتهم الى القضاء وانتزاع ما نهبوه من الثروة الوطنية، هي مسألة مصيرية لا هوادة فيها .

[email protected]