-1-
من الصعب على متوخي الوصول الى الحقيقة التسليم بكلّ ما يسمع ..، وبكل ما يقرأ …
فكثيراً ما يسمع أو يقرأ عن الحادث الواحد روايات متضاربة وهنا يحار:
بايّها يأخذ ؟
وما هي موازين ترجيح احداها على الروايات الأخرى ؟
وقديما قيل :
” وما آفة الاخبار الاّ رواتُها “
-2-
ومعنى ذلك :
ان مهمة المؤرخ خطيرة للغاية وعسيرة أيضاً ..!!
ومهمة المتلقي الواعي لا تختلف عن مهمة المؤرخ …
-3-
من هنا يخضع الفقهاء الأحاديث المروية عن المعصوم (ع) الى لونيْن من التمحيص :
الأول : التمحيص السندي فيبحثون عن الرواة وأحوالهم، وعلماء الامامية يأخذون برواية ” الثقة ” – وهو الذي لا يكذب – وان لم يكن إماميّاً –
وهكذا هُشِّم حاجز الطائفية …
الثاني : التمحيص الدلالي ، فهل تدل الرواية بمنطوقها على حكم إلزامي معيّن أو لا تدل على ذلك ؟
-4-
ومن المعايير المهمة التي تركها لنا أهل البيت (ع) في هذا المجال :
انهم أمرونا بعرض الأحاديث على كتاب الله تعالى ، فما وافق الكتاب يؤخذ به ، وما خالفه يُضرب به عَرْضَ الجدار .
-5-
دعاني الى هذه المقدمة قضية وقعت قبل أيام .
اتصل بي أحد الأحبة وقال لي :
ان فلانا – وهو صديق عزيز – قد توفيت أمُّه ، وستقام الفاتحة على روحها في المكان الفلاني .
وحين اتصلتُ بمدير مكتبه قال لي :
لست على علمٍ بذلك
ثم استدرك وقال :
انها ليست أمّه بل عمته …
وأخيرا :
انكشف لي أنها لست أمّه ولا عمته ، بل ان لها علاقةً سببيّه بأخيه ..
-6-
أقول :
يقع هذا الحادث قبل أيام ويضطرب الكلام فيه الى هذا الحدّ، فما بالك بما وقع من الحوادث منذ قرون ؟!
-7-
إنّ هناك شخصيات أسطورية .. لم يكن لها وجود في الواقع
اقرأ مثلا ما كتبه المرحوم السيد مرتضى العسكري بعنوان :
مائه وخمسون صحابي مختلف .
ورحم الله الشاعر د. الوردي حيث قال :
وكفرتُ بالتاريخ كلُّ خُيوطِهِ
نُسِجَتْ على نَوْلٍ من الأهواءِ
-8-
وبناء على ذلك فان التقارير المرفوعة الى المسؤولين لابُدَّ ان تخضع لتمحيص شديدٍ، خشية ان تكون مكتوبة بدوافع مغموسة بالشبهات،
ومنها تقارير المخبر السري سيئة الصيت – والتي تتعرض للكثير من الرجال بغير الحق …
-9-
بل حتى الاخبارات الشفهية الموجهة ضدّ الاشخاص، لأنها قد تكون مصطبغة بلون من الحسد أو العداء، وفي هذا يستوي المسؤلون وغيرهم .
-10-
ان النمّام الذي ينّم لك، ينم عليك أيضا،
وهو من مرتكبي الكبائر الذين يقعون في مستنقع الفسق بمحض ارادتهم …
فكيف تصدّقه وتعمل برأيه ؟
انه يريد أنْ يوقع العداوة بينك وبين أحبابك،
فهو اذن من الشياطين ..!!
فحذارِ منه ومن كُلّ شياطين الانس والجن .