كلما شاهدتُ الشباب الابطال وهم يناضلون في ساحة التحرير ومناطق العراق الاخرى ..يسافر ذهني بعيداً الى العبارات الكبيرة التي يطلقها بعض الساسة الصغار والكبار بين الحين والآخر من على شاشات التباهي ومحاولة رسم دور البطولة التي يتقمصها هذا السياسي او تلك السياسية ويصرخون باعلى اصواتهم انهم منتخبون من الشعب وان الشعب هو الذي اختارهم من بين ملايين المرشحين الاخرين.
حسناً طالما ان الشعب اختاركم – فلابد ان تكونوا بين الشعب كل لحظة وكل مصيبة تلم بالشعب ..اليس هذا هو المنطق الذي نحتكم اليه نحن كبشر؟
اليوم اجد ان كل الذين – انتخبهم الشعب – كما يقــــــولون خائفون مذعـــــورين لانهم يتوقعوا ان يفتك بهم الشعب في اي لحظة وان ساعتهم اصبحت قريبة.
أتمنى ان ارى برلمانيا واحدا من اؤلئك المنتخبين من قبل الشعب ان يحضر مرة واحدة الى ساحة التحرير لنشاهد كيف سيتعامل معه الشباب الثائر..امنية لايمكن ان تتحق لانهم جميعا خائفون وجلون من ثورة الشعب لأنهم فاسدون حتى النخاع. من يدري لعل الشمس تشرق من جديد وينهض وطني مرة اخرى ليحاسب كل من سرق قوت الشعب وكل من ذهب للعلاج خارج البلاد ليعمل عملية بواسير باموال الشعب او ذهب لينظف مهبل زوجته او عملية اخرى كشد البشرة ونفخ الشفتين وانا وبقية الفقراء نحلم بشيء بسيط ..بسيط جدا….تحية لساحة التحرير وتحية لأبنائي الذي استشهدوا وهم يحــــملون علم الوطن الجميل.. كلما تقدم الزمن في العراق كلما صارت هناك صور كثيرة تنبثق للوجود وتعلن عن ان هذا البلد طفق يتقدم نحو الضياع وان عجلة التقدم والتطور صارت ابعد مما نتصوره ويتصور الانسان المستقيم الذي يحلم بوطن هاديء مستقر جميل . جلستُ في سيارة الاجرة المتهالكة نوعا ما من بغداد الجديدة الى ساحة بيروت عبر شارع فلسطين وانا فرح جدا لأنني تمكنت من جمع مبلغ بسيط لشراء اصغر دراجة نارية قابعة في محل من محلات شارع فلسطين . سنة كاملة وانا استقطع من راتبي التقاعدي مبلغا بسيطاً – بَيْدَ – انه كبير جدا بالنسبة لي وللظرف العصيب الذي نعيشه جميعا في زمن التغيير – والقضاء على القائد الضرورة . شاهدتُ تجمعا قرب وزارة النفط – شباب في عمر الورود – كلهم بعمر ابنائي- يحملون العلم العراقي الجميل ويحلمون بتلبية حق من حقوقهم المشروعة – لا اكثر من هنا او ذاك. اطلقت زفرة في فضاء السيارة الامامي القريب من السائق الشاب. استدار نحوي وهو يبتسم قائلاً ” ها عمو يبدو ان المشهد رسم في ذهنك شيئاً ما…” اجبته ساخراً من كل شيء ” ولماذا يقف الشباب هنا..لماذا لايعملون ولماذا لاتوظفهم الدولة..هل هم عراقييون أم ماذا؟ ” . ضحك السائق بصوت مرتفع وقد ظهر على وجهه نوع من انواع التهكم الدفين ” لا عمو ..كل هؤلاء من الصومال ومن تانزانيا والقسم الاخر من مدغشقر وقليل منهم من الصحراء الكبرى ..التي لا اعرف اين تقع. ” راح يمسح دمعة ثمينة شقت طريقها نحو خدهِ الجميل . نظر نحوي مرة اخرى وقال بصوت متقطع ” انظر ..ياعمو..هذه معاملتي..انا مهندس ميكانيك..كل يوم اذهب الى مكان ما طلبا للتعيين ولكن لا احد ينظر نحوي وكأنني مصاب بالجذام..زوجتي هي الاخرى مهندسة – كانت زميلتي في نفس الصف..هي الان تخيط ملابس الجيران وتساعدني في مصروف البيت..هذه ليست سيارتي انا سائق فقط. متى سنعيش كما يعيش الناس في الخليج. سأمت الحياة هنا في هذا البد المعوق.” قبل ان يكمل حديثه طلبت منه ان ينزلني لأعود ادراجي الى البيت..لن اشتري دراجة صغيرة . حاول ان يجعلني اسمع بقية حديثه لكنني رفضت بشدة. ابتعدت السيارة دون ان يكمل حديثه اخرجت منديلي ورحت امسح دموعي الغزيرة التي راحت تغسل كل اثار الفرح هناك في قلب العاصمة بغداد.