22 ديسمبر، 2024 6:51 م

لاأنطيك ولااخلي

لاأنطيك ولااخلي

لايخفى على الجميع أن تميز العراقيين وابتكاراتهم ليس بجديد على الإعلام العالمي، إذ يسجل العراقيون حضورهم في مجالات العلوم كافة، بما يؤكد تفوقهم من بين جنسيات بلدان العالم، فنسمع بين الآونة والأخرى خبر اختراع مواطن عراقي شيئا جديدا، في مجالات الحياة الطبية او الهندسية او الزراعية او الإلكترونية، او غيرها مما يعود بالنفع الى الإنسانية جمعاء.
وبالرجوع إلى الخلف بضع سنين، أذكر هاهنا اختيار وكالة ناسا الفضائية اختراع أربع طالبات عراقيات بعمر الورد، ليكون ضمن رحلتها الى محطة الأبحاث العالمية العائمة في الفضاء، بعد فوزهن بالمركز الأول في الولايات المتحدة الأمريكية، عن ابتكارهن طريقة فريدة من نوعها لتصفية المياه. اللافت في الأمر أن أعمار تلك الطالبات لم تكن تتجاوز آنذاك الخامسة عشر، وتناقلت القنوات والإذاعات يومها هذه البشرى، وتصدر الخبر مانشيتات الصحف وكان حديث الساعة بين شرائح المجتمع، وقطعا هم يسلطون الضوء على الاختراع وليس على جنسية مخترعه، ومن المؤسف حقا، أن بلدا غير بلدهن هي التي تروج له، وتسعى الى إظهار الصورة بأوسع أطرها، وتكون مدعاة فخر واعتزاز لها.
إن الحكومات التي تعاقبت في عراقنا بدءًا من النظام السابق انتهاءً بالحكومة الحالية، لم تولِ هذا الجانب اهتماما مناسبا، بل على العكس، فقد حاربت العلماء من الذين لديهم طاقات وأفكار جديدة في اختصاصاتهم، وكبحت طموحاتهم ووأدت اختراعاتهم في مهدها، لأسباب عدة تنضوي تحت مثلنا: (لاأنطيك ولااخلي رحمة الله تجيك). فعلى سبيل المثال ماقامت به سلطات النظام السابق في ثمانينيات القرن الماضي، حين توصل رجل ميكانيكي (فيترچي) الى فكرة تصنيع طائرة هليوكوبتر مبسطة، مستغلا بذلك مامتوافر لديه من امكانيات بسيطة من أدوات لسيارات مستهلكة، وحين أراد إدخال اختراعه حيز التنفيذ -وبدأ بالفعل بتنفيذه- اختفى الرجل في دهاليز السلطات الأمنية والمخابراتية لنظام البعث، ولم ير النور بعدها ولم يره أحد حتى اللحظة، ولا أحد يعلم أي أرض غيبته، فكل الذي يعلمه العراقيون أن اختراعه قد دفن واندرس سره الى الأبد. وتعددت مثل هذه الاختراعات التي لم تلق الأرضية المشجعة لها اوالحاضن لفعالياتها.
اليوم تتكرر نفس الصورة بأوجه أخرى في باقي العلوم، فالطالبات الأربع لسن الوحيدات في مجال الابتكارات والاكتشافات الجديدة، والميكانيكي لم يكن الوحيد أيضا فيما وصل إليه، ولست هنا بصدد الدعاية والإعلان عن أحد، وترويج ما اخترعه اواكتشفه فهم كثر، اذ هناك من العراقيين كمّ يجب ان لايستهان بقدراته وامكانياته، ممن تجود به عقولهم بكل جديد في مجالات الحياة وتطبيقاتها.
هو أمر ليس بجديد على شعب كالعراقيين، فمنذ سالف العصور كانوا سباقين في مجالات العلوم كافة، فضلا عن الآداب والفنون والصناعات العسكرية، وكانت ابتكاراتهم نبراسا استنار به علماء الغرب فيما بعد. واليوم وبتناسل طبيعي وشرعي، يجيد أحفاد السومريين والبابليين والآشوريين ممارسة دورهم في صناعة الحياة، ومواكبة مسيرة التقدم بمجالاته كافة. وهنا ينبغي على الدولة -لاسيما المؤسسات المعنية- ان ترعى اهتمامات كهذه وتحتضنها، وتمول القائم بها ماديا ومعنويا، لتتيح لطاقاته ان تتفجر، وتأتي بما يخدم العراق والعراقيين على وجه الخصوص، والإنسانية على وجه العموم.
أليس من حق هؤلاء ومن حق العراقيين جميعهم، على من بيدهم أمر تقدم وازدهار هذا البلد، أن يأخذوا بأيديهم ليسهموا في رقي البلد بعقولهم؟ أم مازال مسؤولونا وساسة عراقنا مكبلين بالأحقاد والضغائن على أبناء جدلتهم، ومتمسكين بسياسة كبح الطاقات التي انتهجها من سبقهم، واختاروها إرثا لهم بدل إرث حمورابي ونبوخذنصر في العلوم والآداب والفنون.
[email protected]