حذر السيد همام حمودي (المجلس الإسلامي)، رئيس لجنة العلاقات الخارجية النيابية، من تداعيات الأزمة السورية على أمن العراق والمنطقة في حال تسلم المجموعات المسلحة المتشددة السلطة في سورية .
وقال في تصريح صحفي مؤخرا : “إننا متخوفون من المجموعات التكفيرية في سورية، ونشعر بالخطر الحقيقي. والبيت العراقي سيحترق والمنطقة كلها اذا تسلمت هذه المجموعات السلطة في سورية ”.
وأضاف ” كلما طال الصراع في سورية كلما تجذر الإرهاب، وكثرت المجموعات المسلحة التكفيرية، وكلما جُرت المنطقة الى المعركة، وأصبح هناك تصادم بين الدول الإقليمية، وبالتالي قد تتغير الخريطة”.
إن في هذا الحديث الأحاديِ في النظر إلى الأمور، والمائل لطرف واحد من أطراف المعادلة، أربع نقاط مهمة تستوجب العرض والتحليل والنقاش.
الأولى إشارته إلى تداعيات الحريق السوري وامتداد نيرانه إلى العراق، والثاني ربط هذه التداعيات بتسلم السلطة في سوريا من قبل المجموعات المسلحة المتشددة ، أما الثالثة فقلقه من حرب في المنطقة تغير الخارطة.
مقدما، ليس لأحد أن ينكر حتمية احتراق دول الجوار إذا طال الصراع، وبالأخص تلك التي اختارت الانخراط في هذه الحرب الطاحنة، إما بإرسال مجندين، أو بتهريب سلاح ومال، أو بقصف مواقع المعارضة السورية من وراء الحدود، أو بافتعال مسرحيات هروب المئات من أخطر كوادر القاعدة وقادتها المجرمين المدانين بالإرهاب، وتسهيل عبورهم إلى سوريا، مثلما جرى في سجنيْ أبي غريب والتاجي، لدعم النظام الحليف.
ومن هنا يتحمل حكام هذه الدول كامل المسؤولية عن امتداد الحريق إلى الدول التي يحكمونها. فالثابت والمعروف أن هؤلاء الحكام لا يتحركون (في المحرقة السورية) بدوافع الحرص على أمن دولهم وشعوبهم، ولا خوفا على سوريا (شقيقتهم) ذاتها، بل بموجب تعهدات أملتها عليهم انتماءاتهم الطائفية أو مصالحهم السياسية التي ارتبط تحقيقها واستمرارها بمصالح دولة خارجية يعتقدون بأن الولاء لها وخدمة أهدافها، حتى لو تقاطعت مع مصالح شعبهم، واجبٌ تفرضه العقيدة الواحدة.
وفي هذا يكونون قد سرقوا حقوق النصف الآخر من الشعب العراقي الذي لا يوافقهم على هذا الارتباط ولا على هذه القناعة. ورغم أنهم يتمسحون بأذيال الديمقراطية فهم بانحيازهم العقائدي والسياسي يدوسون على الديمقراطية بأقدام حديدية لا ترحم.
أما النقطة الثانية في حديث السيد همام فهي المتعلقة بتسلم الجماعات المسلحة المتشددة السلطة في سوريا. وفي هذه يختلف معه كثيرون. فليس من حقه، وهو السياسي المسؤول وليس المواطن العادي الذي تخفى عليه تفاصيل المشكلة السورية، أن يعتبر قدرة هذه الجماعات على تسلم السلطة أمرا قابلا للتحقيق. فهو يمحو بجرة قلم حقائق الواقع المعاش القائم على الأرض، ويتجاوز شهادات متعددة من منظمات إنسانية محايدة، ومنها مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، أقرت بأن المتشددين، (جماعة النصرة وغيرها من الفصائل الدينية المتشددة) لم تكن تمثل في بداية الثورة أكثر من اثنين بالمئة من مجموع المقاتلين، ثم أصبحت الآن خمسة بالمئة، وقد يتصاعد العدد باضطراد كلما طالت الحرب وتقاعس المجتمع الدولي عن إنهاء الصراع، وكلما تسابقت القوى الخارجية، الإقليمية والعالمية، إلى مد هذه الجماعات بالمال والسلاح لإضعاف المعارضة وإطالة أمد الاقتتال لإنهاك الطرفين، فصائل المعارضة والنظام، معا.
ولا يستطيع السيد همام أن ينكر أن إيران هي المتهمة الأولى، والمُعترفة علنا، بالوقوف مع النظام ضد شعبه، سياسيا واقتصاديا، وبدفع فواتير سلاحه الروسي. بل أكثر من ذلك، إن أطرافا دولية عديدة تتهم إيران بتشجيع العصابات التكفيرية (السنية) التي يخاف السيد همام من نفوذها ومن تجذر إرهابها، وهي (النصرة وغيرها)، حيث تقوم بتسهيل مرور سلاحها ومقاتليها عبر الأراضي اللبنانية والعراقية المحكومة من قبل حلفائها اللبنانيين (حزب الله) والعراقيين (حزب الدعوة)، من أجل إعطاء بشار وروسيا ذريعة لتخويف المجتمع الدولي من سقوط النظام.
ولو صبر السيد همام حمودي لشهد معارك دامية بين هذه الجماعات التكفيرية الظلامية وبين قوات الجيش الحر، ولأدرك أن الأمانة الدينية والأخلاقية والإنسانية وحقوق الجيرة، والمخافة من تداعيات الحرب، ومن احتمال هيمنة التكفيريين على السلطة الجديدة في سوريا، تفرض على السيد همام وحكومة المالكي وأطراف الائتلاف الوطني واجب التصدي لهذه الجماعات، ودعم الجيش الحر، ومساعدته على سرعة إسقاط النظام الفاسد الهمجي المتهاوي، وإقامة بديل في سوريا عاقل وعادل لا مكان فيه لتكفيريين ولا طائفيين ولا عنصريين متشددين متخلفين، ولا يؤمن بسياسة المفخخات والكواتم، وقبل فوات الأوان.
بعبارة أخرى. إن الموقف المطلوب من قادة العراق، اليوم وقبل الغد، هو أن يكفوا، هُم أولا، ثم أن يعملوا على إقناع حليفتهم إيران بالتوقف عن تشجيع النظام على مواصلة القتل والحرق والدمار، والامتناع عن إرسال المسلحين المتشددين من أبناء الطائفة، بأعلامهم وصرخاتهم المنادية بأخذ ثارات طائفية قديمة أكل الدهر عليها وشرب، لأنهم بهذه الجهالة لابد أن يغروا، بالمقابل، فصائل متشددة من الطائفة الأخرى بالزحف إلى سوريا لتصفية حسابات لا ناقة فيها لا للعراق ولا لسوريا ولا لغيرهما من دول المنطقة.
والأكثر إيلاما في حديث السيد همام هو تعمد إغفال الوجه الآخر من العملة الحاضرة. فكيف تسنى له أن يخشى من الجماعات المتشددة في سوريا، (القاعدة والنصرة وباقي التكفيريين السنة)، ولا يخشى من الجماعات والمليشيات المتشددة الإيرانية والعراقية واللبنانية واليمنية وغيرها؟ فهل هذه أقلُ دموية وإرهابا وفجورا عن تلك؟، وإلا فأين يضع جيش المهدي وجند الإمام وحزب الله العراقي واللبناني وكتائب المختار وجند السماء وعصائب أهل الحق وحركة المجاهدين ومليشيا أبي الفضل العباس وفرق الموت؟ هل مسلحو هذه ملائكة وتلك شياطين؟ ثم ألا يعتقد السيد همام بأنهم جميعا من خامة واحدة، يجمعهم الإرهاب الفكري والعقائدي وتكفير الغير وادعاء الجهاد في سبيل الله ورسوله، واللهُ ورسولُه من هؤلاء ومن أؤلئك براء؟
فالتكفير واحد، والإرهاب واحد، والتعصب الطائفي والديني والعنصري والمناطقي واحد ومبغوض، شيعيا كان أو سنيا، مسلما أو غير مسلم.
أما النقطة الثالثة فهي خوفه من أن ” تجُرَ المنطقة الى المعركة، ويصبح هناك تصادم بين الدول الإقليمية، وقد تتغير الخريطة”.
وهذا، تماما، هو ما نخاف منه نحن أيضا، ويخاف منه جميعُ الخيرين والمخلصين. وقد حذر ويحذر منه عشراتٌ ومئاتٌ من القادة والزعماء السياسيين والمثقفين ورجال الدين، شيعة وسنة، حقنا لدماء الأبرياء، ودرءا لحرب مخيفة إذا ما اندلعت فلن تبقي ولن تذر، وليس في مقدور الأمة والمنطقة تحمل ويلاتها الكارثية وآثارها.
فمن أول اندلاع التظاهرات السلمية في سوريا تعالت أصوات المصلحين المخلصين محذرة نظام الأسد من اللجوء إلى العنف، ومحذرة نظام الولي الفقيه من التدخل في الصراع ودعم النظام، باعتبار أن ما يجري في سوريا شأن داخلي بين شعب يريد حريته وكرامته ولقمة عيشه، وبين حاكم ظالم وفاسد وقاتل من نوع فريد.
وحين ترمي إيران بثقلها العسكري والأمني والاقتصادي والسياسي لمنع سقوط النظام، وتحول المشكلة من ثورة شعب ضد ديكتاتور إلى صراع بين مذهبين وطائفتين، فمن الطبيعي أن تهب دول أخرى إلى التدخل منعا لإيران وحلفائها من الهيمنة على سوريا، وبالتالي على المنطقة، ودفاعا عن أمنها الوطني، وكذلك نجدةً لأبناء (طائفتها) المستهدفين من أبناء طائفة معادية بالقتل والتهجير والترحيل.
ومن هنا يصبح عاديا أن تشتعل الحرب المذهبية الطاحنة في المنطة، فتكون سوريا شرارتها الأولى، أما ساحتها فمن المحيط إلى الخليج، عربيا، وعلى امتداد آسيا وأفريقيا وأروربا، طائفيا، وهي جهنم التي لا تتمنى إسرائيل وحلفاؤها والحريصون على أمنها غير حرب ضروس بهذا الحجم، وبهذه القذارة والغباء والحماقة، يقودها متخلفون من هذه الطائفة ومتخلفون من تلك.
سؤال أخير. هل من أجل ألا يحترق العراق يأمركم العقل والمنطق والضمير والدين بأن تعملوا على إغراق سوريا بدماء أبنائها وتدميرها، شعبا ودولة؟ أهذا ما ترونه وما تريدونه أيها السادة الحاكمون باسم الدين؟ ألا ترون أن ما تفعلونه، أنتم وإيران، بسوريا، لن يفضي أبدا إلا إلى الصدام الذي تحذرون منه بين دول الإقليم، والذي قد يغير الخارطة؟