17 نوفمبر، 2024 10:43 م
Search
Close this search box.

لؤي بحري

عندما قررت الحكومة التركية في نهاية شهر مايو 2013 إزالة الأشجار من ساحة تقسيم تمهيداً لتحويلها من ساحة ومتنزه واقع في قلب المدينة إلى أسواق مركزية ومباني أخرى، ثارت ثائرة الأتراك ونزلوا إلى الشوارع لمحاولة منع الحكومة من تغيير هذا المعلم الأثري التاريخي. وبسرعة كبيرة تحول هذا الأحتجاج للحفاظ على معالم مدينة أسطنبول إلى هجوم حاد على الحكومة التركية للمطالبات بمطالب سياسية مختلفة. وقد كان هناك مقهى يتجمع فيه العراقيون في أسطنبول، و هذا المقهى”مقهى العراقيين” كان يقع في رأس شارع الإستقلال “إستقلال جالدسي” أمام ساحة تقسيم.
إن الشعوب المتقدمة تحافظ على الحدائق والساحات العامة كرئات للتنفس في مدنها بكل حماس، ففي وسط باريس هناك حدائق جميلة توليها بلدية باريس بعنايتها الكاملة ومنها حديقة اللوكسمبورغ الواقعة في الحي اللاتيني والتي يحتل جزء منها مجلس الشيوخ الفرنسي، وهذه الحديقة هي حديقة كبيرة وغنّاء يرتادها الصغار والكبار للتنزه أو أخذ قسط من الراحة كما يرتادها الرسامين الفرنسيين والأجانب على حد سواء لمحاولة نقل المشاهد الخلابة للحديقة وتحويلها إلى رسوم تخطها ريش الفنانين على الورق.وإلى جانب حديقة اللوكسمبورغ في “الضفة اليسرى لنهر السين” هناك حدائق التوبلري التي تقع على “الضفة اليمنى من نهر السين” والتي تمتد من متحف اللوفر إلى ساحة الكونكورد الموجودة في وسطها مسلة جلبها الفرنسيون من مصر. وحدائق التويلري هي الأخرى يرتادها عشاق الطبيعة والفنانين والأفراد الذين يريدون أخذ قسط من الراحة أو مطالعة الصحف والكتب.
أما في لندن فحدائق الهايدبارك التي تقع في وسط المدينة يرتادها الناس للترويح عن النفس أو غيرها حيث يوجد فيها ركن خاص يقوم الأفراد بمناقشة مواضيع عامة سواء كانت سياسية او أدبية أو دينية حيث يلتف الناس حول الخطباء ويناقشون أفكارهم في الحين الذي يقف فيه رجال الشرطة على  الحياد تأهباً لفض أي تشابك بالأيدي أو أعمال شغب ولحماية رواد ركن الخطباء.
أما نحن في العراق فلقد كانت لدينا حدائقنا الغناء والجميلة التي كان سكان بغداد أو زوارها يرتادونها للتمتع بإجوائها الجميلة ولأخذ قسط من الراحة، ففي باب المعظم كانت هناك حديقة غناء هي حديقة “المعرض” الواقعة قرب وزارة الخارجية القديمة بباب المعظم ثم تحولت بعد ذلك إلى مبنى شامخ هو وزارة التعليم العالي السابقة. وكانت حديقة “المعرض” تضم ركناً خاصاً للموسيقى حيث كانت فرقة موسيقى الجيش تأتي في أيام الخميس والعطلات لتعزف مقطوعات شجية يقابلها الناس بالتصفيق الحاد. أما الحديقة الأخرى فهي “حديقة الملك غازي” في الباب الشرقي وكانت تمتد من ساحة التحرير إلى ساحة الطيران وكانت هذه الحديقة تضم أشجار ضخمة وهي مسّورة بإسوار وفيها بوابات تغلق في المساء لكي يتم إعادة فتحها في الصباح في اليوم التالي وتحولت هذه الحديقة اليوم إلى ساحة عامة مبلطة تختفي الخضرة من مناطقها الجرداء. والحديقة الجميلة الثالثة في بغداد هي حديقة “بارك السعدون” التي كانت تقع في منطقة البتاوين. وكانت هذه الحديقة “بارك السعدون” هي أجمل حدائق بغداد ثم عمّها الأهمال عقب ثورة عام 1958 وتحولت حدائق بارك السعدون الغناء إلى مديرية الأمن العامة السيئة الصيت وأندثرت بمرور الزمن. ومن الحدائق العامة الأخرى والتي أندثرت هي منتزه “الوحدة” المحاذي للمسرح الوطني والتي حلّ مكانها مباني حكومية ، اما في الاعظمية  فقد كانت هناك حديقة النعمان وهي حديقة غناء تقع في ركن شارع الامام الاعظم والمقبرة الملكية وكان اهالي منطقة شارع عشرين والنهصة وراس الحواش يفدون اليها لقضاء اوقات الراحة او الدراسة بالنسبة للطلاب. وخلال الحرب العالمية الثانية قامت الحكومة ببناء ملجأ واسع في تلك الحديقة ضد الغارات الجوية وغطته بالحشيش الاخضر كباقي اطراف الحديقة. ومما يجدر ذكره هنا ان الحكومة وزعت خلال الحرب العالمية الثانية وبالمجان اقنعة عراقية ضد الغازات السامة (كمامات). وقد اندثرت الحديقة اليوم تقريبا واصبحت شبه مدينة للالعاب يدفع الناس اجورا لقاء دخولها.
لقد كانت للحياة في بغداد طابعها الجميل فمثلاً كنت العوائل تخرج من منطقة الكرنتينة وباب المعظم وعكد الفضل لكي تجلس مفترشة الحصران والبطانيات أمام وزارة الدفاع القديمة إنتظاراً لحفل إنزال العلم، حيث كان العلم يرفع بحفل صغير في الصباح ثم يتم تنزيله وقت الغروب في المساء وكانت ثلة من الجنود تخرج على رتيبة واحدة وبخطوات عسكرية جميلة ثم تقف أمام المنصة التي يقع فيها العلم ثم يقوم أحد الجنود بالنفخ في بوقه بلحن موسيقي خاص بإنزال العلم حيث يقوم جندي أخر بتنزيل العلم أثناء عزف البوق لكي يتزامن إنزال العلم مع لحظة نهاية العزف على البوق ثم يجري عقب ذلك لف العلم بإسلوب خاص ووقور. وكان على جميع المشاة والسيارات التوقف عن السير إحتراماً للعلم إلى أن تتم عملية إنزال العلم. ثم يجري بعد ذلك التصفيق الحاد من قبل أولئك الذين جاؤوا لمشاهدة عملية إنزال العلم.

أحدث المقالات