من المفارقات الغريبة في شخصية السيد نوري المالكي السياسية انه لا يجيد فن الحوار المباشر، ولا لا يمتلك قدرة التفنن بلغة السياسة لكسب المزيد من الاصدقاء والمؤازرين لسياسته الخاصة به ، بدليل ما يعانيه هو وحكومته من الانعزالية التامة حتى من أقرب مقربيه الشيعة الذين يشكلون القاعدة العريضة لائتلافه في دولة القانون ، حتى بدأ البعض منهم لا يترددون من كشف امتعاضهم من سير طريقة ادارته للبلاد ، بدليل المواقف الأخيرة لزعيم كتلة التيار الصدري مقتدى الصدر الذي كشف النقاب عن موقفه واجتمال انضمامه الى جانب المتظاهرين ومطالبهم المشروعة ، وموقف كتلته عن ما يجري على الساحة السياسية جراء الخروقات والتجاوزات على فقرات الدستور العراقي الذي يعتبرها الصدر كدعامة حقيقية لحل كل الخلافات ، ومن ثم الكيفية التي يعالج بها المالكي الازمات الخانقة التي دخلت من جراءها البلاد الى منحنى خطير تهدد بفشل العملية ، والتي تقع الجزء الاكبر من اسبابها على عاتقه وعاتق حكومته التي بدأت تظهر عليها علامات الركود والشلل نتيجة لانزواء وزراءها بعيدا عن مصلحة الوطن ومواطنيه ، واكتفائهم بالبحث عن الذات والمنافع الشخصية وغنائم الصفقات التي تبرمها وزاراتهم بشتى الاساليب الملتوية ، والتي لم يجد المواطن العراقي من جراءها اثرا ايجابيا لهم حتى داخل أروقة وزاراتهم المغلقة بوجه همومه ومعاناته التي تتفاقم يوما بعد يوم ليجد نفسه في النهاية محصورا في مساحة صغيرة يسميها المالكي و حكومته بالوطن ، ملؤه الفساد والفضائح المادية والاخلاقية ، وانتهاكات لحقوق انسان في ابشع صورة ، و افتقاره لأبسط مقومات الحياة الطبيعية نتيجة لتدني مستوى الخدمات المقدمة له رغم الامكانات المادية الهائلة التي تدرها وارداتنا النفطية الكبيرة التي يستغلونها لأغراض غير اغراضها الحقيقية المتمثلة بالبناء والاعمار وتنفيذ المشاريع الخدمية التي تصب في خدمة هذا الوطن المنكوب والمغلوب على أمره الغالب بالاكراه ، والتي اذا ما استغلت بحرص وطني خلاق لأصبح العراق بجنوبه وشماله وغربه وشرقه من البلدان الناهضة صوب الرقي والتقدم والازدهار….
لست ولن اكون في موقع الدفاع لكل من يثبت القضاء بإدانته بالإرهاب ، ولكن تصريف التهمة مجانا ، وكيفما شاء مسالة بحاجة الى بعض من التأني في اثارتها بهذا الشكل المخيف كما حصل مع عناصر الحماية لوزير المالية ، . ومن ثم التعامل معها على اسس وقواعد خارجة عن النطاق القانوني والدستوري مسالة فيها اكثر من علامة استفهام والتعجب ، حتى غدى الاعتقاد لدى الشارع العراقي بان ذلك كانت محاولة اخرى من محاولات المالكي للإيقاع بخصومه في القائمة العراقية ، والتي وفرت الفرصة تماما لأعداء العملية السياسية بالتحرك نحو تحقيق اهدافها المبيتة منذ سنيين ، خطورة دخول اكثر من طرف في المسيرات الاحتجاجية لأبناء الرمادي على خلفية هذه المسألة تكمن في ما وصلت اليها الاوضاع في الجانب السوري حيث يشهد نظام بشار الاسد اخر الفصول ، وسوريا سيصبح على اعتاب مرحلة جديدة التي ستنعكس بلا شك على المنطقة الغربية من العراق برمتها ، ومن الصعوبة للمالكي ان يقف بوجه تيارها الجارف بجيش يفتقر الى هوية وطنية حقيقية من حيث تعددية ولاءاته الدينية والمذهبية والحزبية ، و التي ربما وهذا ليس ببعيد من جراء ذلك ان يشهد العراق منعطفا خطيرا (لا يحمد عقباه) ..!! وربما ليس ببعيد أيضا ان تستغل تركيا وايران الفوضى السياسية والفراغ الناجم عن ضعف دولة المالكي ليصبح العراق (كعكة) يتقاسمها الدول حسب اهواءها في وقت والعراق يفتقر الى اسس الحماية الكافية لسيادته الوطنية ، وبذلك يسهم المالكي وحكومته في وضع العراق مجددا في متاهات البحث عن ما بقي من كرامته الوطنية المهدورة بسبب العقلية السياسية الغير الجديرة بتحمل شرف مسؤولية ادارة البلاد وحكمه ،
التصادم مع خصومه السياسيين وصل ذروته خصوصا حين عمد ،متجاهلا وهذه مصيبته الكبرى الى ايقاع أكثر من شريك سياسي له في خانة الارهاب دون التفكير بتداعياتها على الواقع السياسي مستهينا بذلك بقدرة الاخرين على تأجيج الشارع ضد اتهاماته لينقلب سحره عليه ، ويتحول مرماه الى هدف ينهال عليه الضربات من كل صوب… دون ادراك بان العراق ليس بمعزل عن ما تخطط لها اصحاب المصالح الكبار في المنطقة ، وان اي هيجان وغضب عراقي سوف يمهد السبيل للتدخلات الخارجية والبحث عن موطئ للقدم لها لديمومة حضورها على الارض العراقية المشتتة التي تحكمها تارة الزعامات القبلية والعشائرية ، وتارة اخرى احزاب ذوات النفوذ والمذاهب الدينية التي فرضت نفسها تحت شتى المسميات والسيطرة السياسية التي لا تهمها في الفوضى الجارية سوى مصالحها الضيقة ، ، السؤال المطروح ما الذي يريده المالكي من افتعاله للازمات ..؟؟ خصوصا حين يلوح بوضوح عن عدم استبعاده باستخدام للقوة لتفريق المسيرات الاحتجاجية لسياسته المتبعة من طرف واحد ، و دون ان يشارك احدا بمشورة او استشارة بمدى تجاوب الشارع مع نهجه المغاير للدستور..!! وهل يتمكن من الوقوف بوجه التحديات وتداعيات الناجمة عن تدهور الاوضاع في ظل التعاطف الشيعي وتضامنه مع المطالب المطروحة ..؟؟ هذا التعاطف الذي اثبت بلا شك وحدة وتماسك الشعب العراقي حين تغلب المصلحة الوطنية على كل المصالح بما في ذلك مصلحة المالكي الشخصية والفردية التي لا تتعدى سوى الحفاظ بمنصبه كرئيس لمجلس الوزراء …
أم هي محاولة لصرف الانظار عن انتكاساته الاخيرة بخصوص صفقة السلاح مع روسيا ..؟؟ وهي فضيحة اذا ما حصلت في اية دولة منسية على خارطة الكرة الارضية لاستقالت حكومتها حفظا لسمعتها ومكانتها بين صفوف ابناء شعبها ..!! ام هي محاولة لتغطية لفشله في فرض ارادته العسكرية في كركوك والمناطق المحيطة بها لتمرير مخططه الهادف لزرع الفتنة واثارة النعرات بين ابناء المدينة المنضوية تحت سقف صفو تعايشها السلمي المشترك . والتي استقطع النظام السابق الاجزاء الكبيرة منها بهدف تغييرها ديمغرافيتها تنسجم مع اجنداتها السياسية الخاصة بتعريبها وتفريغها من سكانها الاصليين من الكورد والتركمان …
كل ذلك يدفعنا الى القول ، لا يا دولة الرئيس فالعراقيون بغض النظر غن انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية هم بحاجة الى قليل من الشعور بإنسانيتهم وأخلاقيتهم الوطنية المشهودة ، وقليل من التعاطف على ما يعيشون عليه من فقر وعوز وحاجة منذ عشر سنوات ، المواطن العراقي الذي تأمل منكم خيرا قد يأس منه من وقت ليس بقليل ، وسببه هو عدم اهتمامكم بوضعه المتدهور صحيا واجتماعيا وتدني مستواه المعيشي ، شرائح واسعة من ابناء المجتمع الذين تتباهون برئاسة حكومتهم يتخذون من اطراف المقابر سكنا وملاذا لهم ولأولادهم ، وهم يئنون من الوجع الكبير الذي لا تسمعونه انتم من قريب او بعيد ، فيما لو نتأملكم على الشاشة وانتم تطرحون ما تؤمنون به لوحدكم ، يقف حتى البسطاء من الناس على قدرة احترافكم لتزييف الحقائق والهاءهم حسب الهوى لضمان بقاءكم في سدة الحكم ..فالغضب والسخط الشعبي الذي بدا يظهر على المشهد السياسي ليس الا البداية في ظل قناعة الشارع العراقي على ان ما تبقى من فترة ولايتكم لن تكون افضل من ما انقضت عليها ، وهو وسيلتهم الوحيدة للتعبير عن رفضهم لطبيعة أداء حكومتكم التي تترنح تحت كم هائل من الازمات التي نخرت جسد هذا الوطن العليل الذي لا يشعر به الا من يئن تحت وطأة عذاباته المثقلة بالاخطاء والاجتهادات الفردية التي لا تمت بصلة على ما تعاهدتم عليه للمواطن عشية سقوط النظام السابق ، والاقلام الشريفة والشجاعة التي تقف بالضد من توجهاتكم ومسار سياستكم الغامضة هو قدر كتابها ان يكونوا في مقدمة من الصفوف التي ترفض ان تسمع للنعيق التي ثيرها الضفادع في فراغ الليل العراقي المثقل بالخوف من المستقبل المجهول…..!!