23 ديسمبر، 2024 9:55 ص

لأَنَ فاقد الشيء لايعطيه . التحالف الوطني العراقي لم يكن يوماً وطنياً !

لأَنَ فاقد الشيء لايعطيه . التحالف الوطني العراقي لم يكن يوماً وطنياً !

مع كتابة هذا المقال اتهمني البعض على انني استهدف التحالف الوطني بعينه بينما كل التحالفات والقوى هي مقصرة بل وفاشلة في صيانة العراق وحماية شعبه . وانا اقول نعم كل الأحزاب والكتل السياسية التي تشكلت في دكاكين صغيرة لتمتلك فيما بعد قصور ومؤسسات وفضائيات واموال وعقارات من عمليات نهب اموال الشعب أقول كلها فاشلة وبعيدة كل البعد عن العمل الوطني . لكنني هنا اتحدث عن مايسمى بالتحالف الوطني لعدة اسباب . منها انه جاء مدعياً أنقاذ الشيعة من مظلوميتهم وثانياً انه جاء من احزاب اسلامية يفترض انها تعرف الحلال والحرام وتجاهد من اجل تحقيق الأول وتنبذ الثاني وثالثاً ان بعض مكونات التحالف الوطني هي أحزاب كانت معارضة ومن المفروض انها تعرف حاجات الشعب والوطن على أن النظام السابق كان ظالماً ومكمما للحريات ومصادراً لها . والسبب الأهم في تناولي للتحالف الوطني في هذا المقال أن التحالف هو الحاكم منذ اكثر من 10 سنوات . ترى مالذي قدمه للشعب وهل كان وطنياً بالفعل ؟

منذ البداية كان مايسمى التحالف الوطني يبحث عن فرص تجعله يستولي على الساحة السياسية بأي ثمن حتى لو كان مخادع ولو كان يعرف الوطنية الحقيقية لما سمح بتشكيل تكتل أسماه البيت الشيعي فيدخل الى الطائفية من أوسع ابوابها ! هذا التكتل لم يتمكن من ان يحصل على شيء يسمح له في الحصول على السلطة لأنه كان يجمع شخصيات معروفة على انها علمانية واضحة ولاتعترف بتدخل الدين في شؤون السياسة وكان أولهم الدكتور احمد الجلبي الذي كان من مؤسسي هذا التكتل الذي سمي التحالف او البيت الشيعي .

هذه التشكيلات الحزبية بدأت بمخاطبة العقول التي لاتعرف شيء من مكر السياسة فأنخدعت وانشغلت على ان تلك الجهات الآتية من وراء الحدود ستأتي للشيعة بحقوقهم على انهم مظلوميون . ولكن بالمقابل كانت شرائح واسعة من الشيعة ترفض هكذا توجه طائفي كون المجتمع العراقي معروف بأنسجام طوائفه وشرائحه المجتمعية من الشمال الى الجنوب ولاتوجد عقدة من ان ابن الغربية يعمل في الجنوب والعكس صحيح كما ان الكثير من ابناء مناطق الشمال والغرب كانوا يدرسون في جامعات الجنوب كالبصرة والكوفة وبغداد وغيرها من الجامعات مثلما ابناء الجنوب يواصلون دراستهم في جامعات الشمال والغرب كجامعة الموصل والانبار وتكريت وغيرها من الجامعات . المهم ان الشعب متآخي ليس فيه عقدة التمييز والطائفية ويقيناً ان تلك العلاقات الأنسانية هي التي جعلت العراق متماسكاً رغم الظلم الذي تعرض له الشعب من قبل انظمته الدكتاتورية . هذه الحقائق قد لايذكرها سياسيوا هذا الزمان لأن مجرد ذكرها سوف يسبب لهم صداع نتيجة لفشلهم في ادارة دفة الحكم وانشغالهم في اشعال المشاكل ونهب موازنات الشعب .

قلت في السابق وفي اكثر من مناسبة ان النظام السابق وخلال مدة حرب الثمان سنوات مع ايران ونتيجة لحاجة الحرب لموارد بشرية اتخذ سياسات أدت الى نشر حالات من الأمية والتخلف نتيجة لترك مقاعد الدراسة وازدادت هذه الحالات بعد حرب الخليج عام 1990 عند فرض الحصار الأقتصادي الذي دام سنوات عديدة فاقمت الأوضاع الأقتصادية فأزدادت عمليات ترك مقاعد الدراسة ومعها ازدادت الأمية . وكان واضحاً ان هذه الحالة انتشرت في الجنوب أكثر من باقي مدن العراق . وعندما حصل الأحتلال الأمريكي بداعي التحرير بعد العام 2003 كان الأمل معقوداً في أحزاب تدعي معارضتها لنظام صدام على انها ستنقذ العراق وتنفذ برامج تنموية شاملة ليستعيد الشعب حقوقه ومن بين تل الأحزاب تلك التي انضوت تحت مظلة اطلق عليها التحالف الوطني .

ولكن ما الذي حصل ؟ أولاً شعار مظلومية الشيعة تبين فيما بعد انه شعار لكسب ثقة تلك الشريحة التي تركت مقاعد الدراسة وعشعشت في عقولها الأمية من اجل استلام السلطة وعندما حصل ما حصل وتسلم التحالف الوطني السلطة حدثت مالاتتمناه تلك الشرائح . زيادة في اسعار المحروقات بنسبة 400% مع ان المصافي العراقية في بدايات تولي التحالف السلطة كانت تعمل بافضل من حالها اليوم . ثم بدأت عملياتا منتظمة لتدمير الصناعة من خلال ايقاف عمل المصانع لتتحول المكائن والمعدات الى خردة تتآكل يوم بعد يوم والأعتماد على الأستيراد من دول بعينها من اجل جرامج سياسية واقليمية . ثم العمل على ايقاف كل برامج الزراعة الوطنية والأعتماد على المستورد ايضاً ليتحول الفلاح من منتج الى مستهلك . بالأضافة الى انهيار قطاعات الصحة والتربية والتعليم والأسكان وغيرها من القطاعات بشكل متعمد نتيجة لأنشغال الأحزاب في تقاسم اموال البلد وتركه عرضة للتآكل والفاقة والعوَز فأنتشرت العشوائيات في المناطق الشيعية أكثر منها السنية كما ازدادت حالات الوفيات نتيجة لنقص الأدوية وسوء الخدمات الصحية فضلاً عن انهار المنظومة الأمنية على مدى السنوات الماضية دون اي تحسن يذكر .

كان للتحالف الوطني ومايزال دور كبير في فشل الدولة العراقية وتهديمها نتيجة لأعتماده الطائفية مبدأ في التعامل مع المجتمع وأهماله لعمليات بناء الأنسان على اساس وطني وأنشغاله في تشكيل تنظيمات ومؤسسات لا هم لها سوى التحشيد في الأنتخابات . ولو أردنا ان نتحدث عن الأخطاء التي ارتكبها التحالف الوطني في العراق لأحتجنا الى مجلدات لأن تلك الأخطاء تسببت بأنهيار بلد بأكمله يعيش اليوم على حافة الأفلاس ونصف مساحته بيد الأرهاب بينما التحالف الوطني ساهم في تبديد اكثر من 1000 مليار دولار وبالمقابل هنالك عوائل تجمع قوت يومها من القمامة في اسوأ حالات مأساوية تمر في بلد عبر التأريخ فيكون غنياً في الثروات وشعبه هو الأفقر في التأريخ . أذاً لم يكن التحالف الوطني يوماً من الأيام يعمل بوطنية وهذا واضح من الحالة التي يمر بها العراق رغم كل الأمكانيات المالية التي كانت متوفرة على مدى السنوات الماضية . والمشكلة الكبيرة التي تمر في العراق اليوم ان تلك المجموعات التي تحكم البلد وكلما وجهت لها انتقاد على انها قد خربت البلد وبددت ثرواته ولم تحفظ له هيبته سرعان ما تحرك مجاميع تعودت العيش على الرمم وتطلق بضائعها الفاسدة على ان البعث يريد العودة من جديد وهنا الكارثة في ان هؤلاء قسموا الشعب بين من يكون بعثي او مجرم قاتل مبدد للثروات وكأن العراق قد اصبح في نظرهم خالي من الشرفاء والعلماء الوطنيين لكي ينهضوا لأنقاذ البلد !!!

حال التحالف الوطني اليوم اصبح مكشوفاً لكل العراقيين والشعارات التي كان يرفعها ثبت انها زيف وخداع لايمكن ان يتم تمريره مستقبلاً . وما يزيد في نفوسنا ألماً وحسرة ان تلك الأحزاب في التحالف الوطني رغم الكوارث التي تسببت فيها لم نسمع او نشاهد ان حزباً واحداً قد خرج الى الشعب معتذراً عن اخطائه بل انهم مصرين على نهجهم التخريبي الواضح الذي عمق الخلافات بين العراقيين وزرع بينهم بذور الفتنة التي كانت لأمد قريب غريبة عن مجتمعنا ؟

[email protected]