عند استعراض الأغاني الوطنية التي رددتها الشعوب عبر التاريخ حبا وولاءً لأوطانها نجد ان مقارعة العدو الأجنبي الغازي يحتل حيز الصدارة في تعبئة صفوف الشعب والجيش لهذا الهدف . كما ان التغني بحب الوطن والإشادة بجمال جغرافيته وسهوله وجباله وانهاره يحتل كذلك مساحةً كبيرة في دائرة الوعي الشعبي . كلنا نتذكر اغنية “على شط العرب تحلى أغانينا وعلى البصرة” وهي من اداء المجموعة وقد ظهرت في فترة الستينات . هذه الاغنية لا تدخل ضمن الأغاني الوطنية التعبوية ولا تمجد قائدا معينا بالاسم ولكنها استقرت في الوجدان العراقي نظرا لسهولة كلماتها وانسيابية لحنها وحب العراقيين عموما للبصرة وشط العرب.
لقد كان للفن الغنائي المصري قصب السبق في ظهور الاغنية الوطنية العربية في فترة الخمسينات والستينات ولاسيما اثناء العدوان الثلاثي في عام ١٩٥٦ ومن ثم انشاء السد العالي وكانت القمة في فترة الستينات ظهور نشيد الوطن الأكبر الذي وضع لحنه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب واشترك في أدائه ستة من أشهر مطربي مصر انذاك حيث يتغنى هذا النشيد بالوحدة العربية والنضال ضد الاستعمار . وفي تموز ١٩٥٨ وجهت القيادة المصرية تحية خاصة للشعب العراقي حينما طلبت من ام كلثوم ان تغني اغنية وطنية تخص بها العراق ابتهاجا بثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ فغنت ام كلثوم نشيد “بغداد يا قلعة الأسود” من كلمات محمود حسن اسماعيل وألحان رياض السنباطي . ولقد دأبت إذاعة بغداد والتلفزيون بإذاعة موسيقى هذا النشيد الحماسي الخالد قبل نشرات الأخبار واستمر ذلك لسنين طويلة .
وفي فترة الثمانينات ظهر كم هائل من الأغاني الوطنية التعبوية اثناء الحرب العراقية الإيرانية والكثير منها تم اعداده على عجل وقد يفتقد الكثير منها الى النواحي الفنية العالية الجودة كما وان فيها مبالغة في مديح رئيس الدولة والحزب الحاكم انذاك . والغريب ان هنالك بعض الأغاني الوطنية من تلك الفترة مازالت عالقة في أذهان العراقيين الى يومنا هذا وما زالوا يرددون موسيقاها في أفراحهم واعراسهم ولا سيما خارج العراق . ومثال على ذلك اغنية “جنة جنة .. جنة ياوطنا” وأغنية “منصورة يا بغداد” وأغنية ” يا گاع ترابچ كافوري” وأغنية ” بغداد جنة بعيوني انا” . من الواضح جداً ان التعلق بهذه الأغاني وترديدها في هذه المرحلة يعكس مقاومة شعبية عراقية واضحة ضد الهيمنة الفارسية والانبطاح المذل الذي تبديه الطغمة الحاكمة في العراق الان امام النفوذ الإيراني .
استمعت يوم أمس الى اغنية قد تدخل في باب الأغاني الوطنية من جهة ما وقد تدخل من باب الكوميديا السوداء وشر البلية ما يضحك من جهة اخرى… وهي اغنية “بوگ يمعود دبوگ” وهي من كلمات ضياء الميالي وألحان وغناء علي العيساوي حيث تستهجن هذه الاغنية حكام العراق اللصوص وتدعوهم بسخرية الى الإسراع بالنهب قبل ان تنفذ موارد العراق نهائيا .
لقد اخترع العراقيون القدماء الكتابة المسمارية قبل آلاف السنين ووضع حمورابي اول شريعة مكتوبة تنظم حياة البشر في مسلته الشهيرة التي كان لي الشرف ان أقف جنبها في متحف اللوفر قبل ثلاثة أسابيع أغالب دمعة تكاد تكوي مقلتي حزنا على ما حل بالبلد الذي كُتبت فيه هذه المسلة . لقد تعودنا ان الأغاني الوطنية تقوم بشجب الاستعمار والظلم والعدو الأجنبي الغاشم وأغاني وطنية تدعو الى رص الصفوف و الى الوحدة الوطنية… واليوم للمرة الاولى يدخل الفرهود البغيض في اغنية ما و ينفرد علي العيساوي بغناء اغنية وطنية تبصق في وجوه الحكام اللصوص واعتقد انها المرة الاولى في تاريخ الشعوب التي تندد فيها اغنية وطنية بلصوصية حكام بلد ما .
عزيزي القاريء الكريم .. سأترك لك في نهاية هذا المقال رابط اغنية “بوگ يمعود دبوگ” كي تلمس بيدك سعير جهنم المستعرة الان في بلاد مابين النهرين “
https://youtu.be/EJfs8ks9Pa8
للتواصل مع الكاتب يرجى الكتابة على البريد الالكتروني
[email protected]