يبدو ان ساسة العراق سجلوا اول خطوات التبادل السلمي للسلطة، بإختيار بديل يحظى بالمقبولية الوطنية، وأول مرة يبدو الإنسجام واضحاً بين رئيس الوزراء المكلف ورئيس البرلمان، بعد مرحلتين من تنازع السلطات، التي لم تتخللها سوى مبادرة السيد عمار الحكيم لجمع الفرقاء والمصالحة بين المالكي والنجيفي، سرعات ما تبدد الامل وطعنت المبادرة، إنصياعا للمشاريع الوافدة وسكاكين الغدر التي تذبحنا من القفا.
العبادي مطالب بتشكيل حكومة تكنوقراط بسرعة، دون الرضوخ للمطالب التعجيزية، ونصيحة سليم الجبوري لتجاوز الشروط، سابقة تبشر بخير لضبط ايقاع السلطات.
ليس حبنا وحده من يحدثنا، بل ان البوصلة دائما هي من تأخذنا الى شمس لا يغطيها غربال، بشهادة العدو والصديق، فلم تعرف الإنسانية شخصية عظيمة بعد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، سوى علي بن ابي طالب عليه السلام، مثال للتضحية وقمة التألق الإنساني، واجه الكفر ورد عن الإسلام هجمات الكفر والتكفير والبدع، وضربته تساوي عبادة الثقلين، حتى نصبته السماء وإجماع الامة وأعترف حتى اعداء الإسلام أنه الشخص المثالي.
علي صبر وجاهد مرة بالسيف وأخرى بالنصح والتسديد، حينما ازيح من مصدر القرار، الى أن وصلت الامة لقناعة بعد 23 عام على ان يكون على رأسها، ليواجه المطالبين بثأر القميص والنكبة الكبرى التي أرادت للدولة الإنهيار والتقسيم والصراع، عض على الجراح وحكم لولاية واحدة امدها 4 سنوات، صارت علامة فارقة في التاريخ السياسي ومباديء الفصل بين السلطات، يتجول خلالها في الليل سراً لتفقد الفقراء والأيتام، ولا يفرط ببيت المال حتى لأخية المدقع الفقر، وأستمر بالمواجهة في معركة صفين والنهروان، تحت تسميات مختلفة لأهداف متشابهة هي الحصول على السلطة والتربع على مصائر الناس، وأقصاء مفاهيم الرسالة السمحاء.
عند مراجعتنا التاريخ ، لا يمكن لنا ان نشبه أحد بشخصية حيدر الكرار، ولا نتوقع ان يلامس مجده احد، لكنه ظل كتاب مفتوح يعلم الأجيال الى يوم الدين، يستلهم منه قادة العالم خطط القيادة وأدارة الدولة بعدالة انسانية متناهية الوصف.
العراق خلال السنوات المنصرمة، قدم معظم ساسته انموذج إدارة بائس، تفشى منه الإرهاب والفساد وتصدع المجتمع، وكل يوم نتقدم دول المعمورة في نسب الفقر وأنهار الدماء والنظافة وفقدان الامن ووو..؟! نتيجة تخبط إداري يدور حول نفسه للتشبث بالسلطة، والحيلولة من تمكين الشعب للخيرات، ما ولد الهوة الكبيرة بين الطبقة السياسية، وغياب الحكمة والإمتناع من سماع النصحية.
نصحية سليم الجبوري للدكتور العبادي، بعدم السماع للمطالب التعجيزية، اول الخطوات للنجاح وحسن النية، وعلى العبادي ان يبادله بالمثل ولا يمنع وزير من الإستجواب، ولا يستنكف من حضور مجلس النواب والسلطة الرقابية، ويسصغي بعقلانية للشركاء ويضع مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية، بأن يكون مرشح ممثل للتحالف الوطني ورئيس للعراق لا يحكمه حزب، وقد كان علي يتنكر بصفة مواطن عادي حين استدعائه للقضاء، كي لا يضيع حق المشتكين ويحاسب ولاته في الامصار حتى على قبول الولائم والهدايا.
القبول الدولي بالحكومة الجديدة بارقة خير وعامل مساعد على نجاحها، بشرط ان تكون قادرة على إزالة التراكمات السابقة، والاخطاء التي لا تزال كالكوابيس الجاثمة على الصدور.
مشاريع كثيرة مرمية على رفوف المزاجية، ولا تزال تقايض المواطن على حياته ، وأفواه ايتام تزداد يومياً بفعل الإرهاب والفساد، تنتظر التداني من منهج علي في العدالة والمساواة والعطف، وتلك المدن المحرومة تأن أسفاً على طيبة قلوبها بوضع ثقتها بأشخاص لم يكنوا على قدر المسؤولية. علي يعجز الكلام ووصف سماته الإنسانية العادلة، حيث جعل من الإنتصار للمظلومين قضية وليس مجرد شعار، وما حصل من تغيير نصر لإرادة المرجعية المرتبطة بمنهج امير المؤمنين. وليس بفضل قوة اخرى.