حقيقة لم أجد مصطلحا أكمل به عنواني ، فنحن لسنا بخير ، فعلى مَنْ أكذِبْ ؟ فليس ثمة عصا سحرية تنتشلنا ، بل ولو تحولت كل أشجار العالم الى عصيٍّ سحرية ٍ ونحن على هذا الحال. فعند رأس السنة ،كل عواصم العالم ، تتزيّن سمائها بالالعاب النارية الباهرة ، وسط صيحات الأبتهاج والفرح ، والأمل والتفاؤل ، ونحن قد ألِفْنا هذه الأضواء ، فعامُنا مليء بومضات العبوات والهاونات والكواتم ، وصرخات الموت والألم ، وعاصمتنا أدمنت الظلام ، وصارت تخاف الأضواء ، تجفل عند كل قرقعة .
ما الذي سيجعل العام المقبل مختلفا ؟ هل سيختلف عن الاعوام الاربعة آلاف التي سبقته ؟ وكاننا في دوامة جهنمية لا تنوي أفلاتنا ، وكأننا ساحة صراع للجهات الأربع ، وكل ضغائن البشرية منذ ان نفخ اللهُ الروحَ في آدمَ ، اللهم الا اذا توقفت دورة الكون ، وتغيرت نواميس فيزياء الوجود .
نحن العراقيون ، لا ننظر لأي عام جديد على انه فاتحة أمل ، ومدخلا الى زمن جديد ، وصفحة جديدة ، وستراتيجية جديدة للتعامل مع المستقبل ، فيها استفادة من كل أخطاء الماضي ، نحن ننظر اليه على انه زمن قد مضى ، ومضى معه قدر كبير من العمر ،فنحصي الشيب والتجاعيد أمام المرآة ، ننظر للعام الجديد ، كأنه خطوة أخرى نحوالقبر ، ان كان ثمة قبر !.
نحن لم نعتد على الضحك والمرح ، توجعنا قلوبُنا عند أقل ابتسامة ، ونوجَسُ منها خيفة ، فنتمتم (يا ربّ ضحكة خير) ، وكأن لضحكاتنا ثمن بالآجل لأضعاف مضاعفة من الحزن ، وكأن (شايلوك) قد أمتلك نواصينا منذ زمن بعيد ،قبل أن يعرفه (شكسبير) ! ، فهنا للضحكة ثمن ، ولكن الحزنَ مجّاني.
(تفاءلوا بالخير تجدوه ) ، لكنّا نسينا التفاؤل ، فضيّعناه، فالتفاؤل بالنسبة لنا حُلمٌ غيرُ مشروع ، تغريدٌ خارج السّرب لطيور قد تكسّرت أجنحتها ، ورغبة محرّمة عند العُرف العام ، وهو الحزن والأنكفاء ، نخاف مجرد لمحة للمستقبل ، فترانا نعيش في الماضي انطلاقا من مبدأ (الشين الذي تعرفه ، أفضل من الزين الذي لا تعرفه) !.
صارت ضحكاتنا انينا ، وكلامنا عويلا ونَدْبا ، حوارنا صراخا ، وعتابنا اقتتالا ، حتى نكاتنا تهكمية سوريالية ، تُبكي ولا تـُضحِكْ ، قلوبنا كبيرة لا لشيء ، الا لتتسع للحزن !.
ديمقراطية يتفلّتُ بفضلِها المجرمون من العقاب ، ويُحرم منها المواطن الشريف ، أطلاقة رعناء بصوت عالٍ تؤتي أكُلَها ، وتداس كلمة الشرفاء الحكيمة الهادئة ،أمتيازات للخارجين عن القانون ، وقد أبعد عنها المواطن ، ودستور مثل مارد يخرج من قمقم ، لكنه بيد الفاسدين ، وتبقى الأغلبية الصامتة ، مغلوبة !.
اقترب هذا العام من حتفه ، وقد حصد معه الاف الأرواح ، لم يتبقّ منه سوى نصف ساعة ،لا يوجد ما أشاهدهُ في سماء بغداد كعواصم العالم ، وحتى لوكانت هنالك فرقعة هنا أو هناك ، فستُذكّرني بمفخخة أو عبوة ناسفة ،وانا اتصور عند كل دوي ، ان ثمّة أرواحا تتسلّلق السماء شاكية لبارئِها ظلم الظالمين ، وقبل الساعة الثانية عشر توجّهت لفراشي ، ودفنت رأسي بين الوسائد ، فنحن العراقيون ، لا نرى الأمل الّا بعيون مغمضة !.