دللول يالولد يا ابني دللول // يمه عدوك عليل و ساكن الجول
هكذا كانت الأم العراقية حين تدندن في أُذن وليدها وتبعد عنه الخوف من خطر داهم أو حٌلمٍ مزعج . وما أضن يكون الوليد في حجر أمه حتى يسعر بالسكينة والأمن فينام بهدوء وتشعر هي بسعادة الأمومة التي لاتوازيها سعادة وهذا سر من اسرار تكريم الأم من قبل الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (ً ص ) حين قال صادقاً الجنة تحت اقدام الأمهات .
على هذا الحب والحنان كانت حياة العراقيين . مسالمينَ محبين للخير رغم أَن حياتهم كانت مليئة بالصراعات التي نشرت الأحزان بينهم . صراعات لاناقة لهم فيها ولاجمل .
لكن احزان ذلك الزمان قبل اكثر من 40 عام تختلف عن احزان زماننا القذر هذا الذي نحن عليه الآن !
الأَحزان في ذلك الزمان كانت ترتبط بقلة التعلم وشح ذات اليد رغم ان كل شيء كان متوفراً وبسعر زهيد . كما ترتبط الأحزان آنذاك ايضاً بالعرف المجتمعي والعشائري الذي يرفض قيوداً لاتسمح بالمجاهرة مجاملةً او حباَ بين اثنين حاولا ان يؤسسا عشاً ذهبياً ! ولاغرابة في ان شاباً من ذلك الزمان يمكن ان يتزوج ولم يتمكن من رؤية من يتزوجها أِلا يوم زفافها ! وأخرى تساق زوجة بالأكراه جزاءً لخطأ عشائري اقترفه شقيقها !
أَحزان ناتجة عن حراك مجتمعي جميل رغم قساوته . ومهما كانت تلك الأحزان في ذلك الزمان فهي فد أدت الى نتاج ثقافي وتراث رائع تسبب في ولادة علماء وشعراء وفنانين كبار يشال اليهم بالبنان . وكان لكل شيء ذكرى جميلة تصلح ان تكون تجربة لرواية او اغنية او تجربة علمية . تلك الثقافة الرائعة كانت دافعاً قوياً لتشجيع حب الوطن والتعلق بالأرض وحب الآخرين وزيادة في التماسك المجتمعي المبني على أساس من الأمانة والطيبة بعيداً عن الأنانية والظلم والغدر . وأجمل مافي تلك الأحزان انها كانت لاتخلف دموعاً أو ضحايا بشرية أِلا مانَدَر وبفعل جنائي أو عشائري .
هذا حال العراق حتى العام 1979 والذي جاء بمرحلة جديدة لتتغير تدريجياً مفاهيم السلطة من خدمة المجتمع الى خدمة الحاكم . وعام بعد آخر تزداد قساوة الحكم على الشعب لتصل ذروتها في تسعينيات القرن الماضي والتي شهدت مآسي ناتجة عن حروب عبثية راح ضحيتها خيرة شباب العراق ومن ثم شهدنا حصاراً اجرامياً قاسياً نتيجة للعبة الأمم المتحدة القذرة وهي تعاقب شعب حين يخطأ حاكم !
فرح الكثير على انه تخلص من حكم دكتاتوري ! لكن البديل كان أحتلال وتلك طامة كبرى لم يفهمها الكثير من الناس في بداية الأمر وراح الكثير يتغنون في انهم تخلصوا من نظام أوقعهم في حروب مجانية أو عبثية . لكن البديل يوماً بعد آخر يثبت انه كان اقسى وأن ماقبله كان أرحَم رغم أَنَ النظامين كانا مجرميَن بأمتياز الأول دكتاتوري والثاني كان أحتلال ! وهل يمكن للأحتلال ان يخلف خير ؟
كلا … وبدأت احزان جديدة تزداد بقوة وشراسة منذ العام 2005 ومن ثم تستشري بظلم مابعده ظلم منذ العام 2006 الأحزان الجديدة التي جاء بها نظام الحكم في العراق الجديد كان فيها التجاوز على حدود الله سبحانه وتعالى واضحاً . وخاصة في المدة الممتدة لولايتي المالكي فقد حكم العراق خلالها بقسوة وظلم وغدر فاقت في بعض تفاصيلها ظلم نظام حكم بني أمية . وهذه الحقيقة المرة هي واحدة من اهم الأسباب التي تجعل من المالكي وكتلته التي تسمي نفسها ( دولة القانون ) يرفضون أصدار قانون للعفو العام رغم أن آخر قانون للعفو العام أصدره صدام حسين قبل انهيار نظامه !!
فالمالكي وكتلته يدركون تماماً ان قانون العفو العام سيكشف أسراراً بشعة يشيب لها الطفل حيث المجازر الحقيقية الكارثية التي نفذتها اجهزة الأمن والقضاء في أثناء ولايتيه الكارثتين وبخاصة الولاية الثانية التي شكلت حقبة مظلمة في تأريخ العراق الحديث والتي تسببت بقتل مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء دون ذنب وبدوافع حب السلطة والتمسك بها والتأسيس لدكتاتورية جديدة تفوق كل الدكتاتوريات العالمية بأستخدام الحديد والنار والعزف على أوتار الطائفية القذرة والتي اشعَلت نار الكره بين ابناء الوطن الواحد وساهمت بشكل واضح في تسليم أكثر من 30% من أراضي العراق الى الأرهاب دون قتال .
أعتقالات عشوائية على الهوية ! وبدون أوامر قضائية وعمليات تصفية جسدية بعد الأعتقال أو قبله وعمليات تغييب طالت الآلاف من المواطنين الأبرياء وبشكل طائفي وحزبي وفئوي ! حرمان شعب كامل من ثرواته وتسخيرها للنهب والسلب وتحويلها الى حسابات وعقارات خارجية . كل ذلك كانت من سياسات حكومتي المالكي وبرغم ان الكثير كان يتهمنا بالتآمر لكن اليوم تتكشف الحقائق وبشكل واضح خاصة بعد الجرائم الكبرى التي كانت من نتاج سياسة المالكي حين راح الشباب العراقي في سبايكر والصقلاوية وغيرها ضحايا غدر وعار في جبين حكومة المالكي الثانية !
المتتبع للمشهد العراقي المؤلم يكتشف أن ماتبثه قناة البغدادية من معاناة للعراقيين من الذين يبحثون عن أَبنائهم المغيبين في السجون والمعتقلات منذ سنوات طويلة أن سياسة حكومة المالكي كانت كارثية بأمتياز !
قالها ذات يوم أحد البرلمانيين أن انفجاراً يحدث هنا أو هناك فتخرج قوزة الى المناطق المحيطة لتعتقل كل من تجده امامها وتزج بهم في السجون والمعتقلات ومن ثم اخبار القائد العام للظلم والجور على انهم اعتقلوا ارهابيين فيقول لهم ( عفية ) وعلى هذا الحال سارت امور الحكم الجائر !!!
أمرأة طاعنة في السن تشكو الى الله ماحل بها نتيجة لفقدان ولدها الذي تم اختطافه منذ سنوات من قبل جهات امنية ! وأمرأة اخرى فقدت أَحد اولادها الأثنين ففكرت في أنقاذ الثاني وهربت به من ديالى الى بغداد حيث بيت شقيقته وهو الطالب في السادس الأعدادي لكن مصيره كان يسير خلفه اذ تم اختطافه في بغداد من الشارع . ومن تلك القصص الكثير الكثير – والغريب ان الذي يجري في العراق من ظلم وجور يجري في ظل حكم يقال عنه اسلامي ! غريب هذا الزمان كيف لبلد يحكمه أناس يرتدون العمائم ويحصل فيه كل هذا الظلم والقمع ؟ هي مزايدات حقيقية فبعضهم يرتدي العمامة ليجعل منها ضوء اخضر للسلب والنهب والقتل والتمتع بثروات الشعب بينما الآلاف من العراقيين مصيرهم واضح أما القتل او التصفية او التشريد او الفقر والعوز والفاقة . بينما العراق يعيش على بحر من النفط !!
لكن الشاعر المرحوم الحلفي قالها شعراً شعبياً واضحا حين قال .
طبع بيه بصراحة احجي ياناس .. وحتى بالحلم احجي بصراحة
قبل جانت رفيقي وهسة مولاي .. الشعب بأثنينهن ماشاف راحة