23 ديسمبر، 2024 10:46 ص

كَرجية الكاولية ( الغجرية ) والمفوض شوكت الشاوي

كَرجية الكاولية ( الغجرية ) والمفوض شوكت الشاوي

بعد أن عجزنا وسأمنا من الكتابة عن السياسة والخوض فيها وفي فساد رجالاتها في العراق لان لا نتيجة نرجوها ولا تغيير يحدث فالعمامة بمختلف مشاربها ومذاهبها تبقى هي التي تحكم وتقود البلاد والعباد لتنقلهم من محرقة إلى أخرى في الدنيا والآخرة وهي التي توزع الجنة والنار بين عباد الله , لذلك قررنا الكتابة عن الحب وقصصه وخصوصا النادر منها واللطيف , وقصتنا اليوم نقلها لي احد مشايخ عشيرة العبيد المحترمين في صلاح الدين وهي قصة حب غريبة لطيفة كان الشيخ شاهدها بين امرأة من الكاولية وشوكت الشاوي مفوض مركز سداد الجزيرة في جزيرة متصرفية لواء الدليم ( محافظة الانبار حاليا ) , والكاولية أو الغجر لمن لا يعرفهم هم مجموعة بشرية تحترف الغناء والرقص في الحفلات كما تحترف نساءها البغاء في اغلب الأحيان ويتميز الكاولية بمواقف رائعة وغريبة وغير متوقع صدورها منهم ومما ينقله التاريخ القريب من هذه المواقف الغريبة أن صباح ابن نوري السعيد طلب أن يكون ضيفا على شيخ الكاولية الشيخ عباس أبو عاصي شيخ عموم الكاولية في العراق حيث كان يقطن وعشيرته في منطقة المنصور حاليا ( حي دراغ ) تحديدا والتي كانت في وقتها عبارة عن مزارع للخس تغذي أهل بغداد والوسط وعندما حضر ابن الباشا السعيد احضر معه صديقته الانكليزية والتي انبهرت بأجواء الاحتفال الذي أقيم على شرفها فانطلقت وبدأت تلعب وترقص وتجري في مزارع الخس وهي فرحة وحدث أن اتسخت رجليها بالطين كون الأرض مسقية حديثا وعندها طلب صباح ابن الباشا بعض الماء لكي تغسل الانكليزية رجليها فما كان من شيخ الكاولية عباس أبو عاصي إلا أن طلب إحضار بطلين من الويسكي الجيد لغسل رجلي صديقة ابن الباشا وقال : شيكولون علينا الانكليز إذا غسلنا رجلين صديقة ابن الباشا بالماء نحن كاولية العراق مشهورون بالكرم وحسن الضيافة .
نعود إلى قصتنا التي تقول : تَعشق المفوض شوكت عبد الغني الشاوي الذي كان مفوض مركز شرطة سداد الجزيرة في جزيرة لواء الدليم امرأة غجرية اسمها كرجية والتي كانت مشهورة بالجمال الفائق والرقص الرائع وكان صاحبنا المفوض يتردد عليها أو يستدعيها إليه بين فترة وأخرى وكلما هزه الشوق لأحضانها وحدث أن ذهب إليها في يوم من الأيام فلم يجدها في مضارب أهلها وعند السؤال عنها اخبروه أنها ذهبت مع باقي الفتيات لتحي احتفال في متصرفية لواء الدليم بمناسبة وطنية وبحضور المتصرف جميل المدفعي آنذاك فما كان من شوكت الشاوي إلا التوجه إلى متصرفية لواء الرمادي حيث مكان الاحتفال وفي الطريق تناول ربع ويسكي ( سادة ) وعندما وصل وشاهد حبيبته كرجية ترقص فوق منصة الحفل لم يتمالك نفسه عن سحب أقسام بندقية ( الفيكرز ) الانكليزية الصنع والتي كانت تربط على سيارات الشرطة آنذاك والتي يطلق عليها ( المسلحة ) وبدأ بالرمي فوق رؤوس الحضور وبكثافة فساد الهرج والمرج وارتعب الجميع واختبأ جميع الحضور تحت الكراسي وعم الظلام بسبب إصابة محولة الكهرباء باطلاقات نارية فما كان من صاحبنا المفوض شوكت الشاوي إلا البحث عن كرجية بين الكراسي فوجدها مختبئة تحت احد الكراسي فسحبها من المكان واركبها سيارته وتوجه بها إلى بيت صديقه الشيخ ( زبن الشوكة ) شيخ عشيرة المحامدة الدليم وطلب أن يكون دخيله وصاحبته كرجية لليلة واحدة فأجاب الشيخ زبن : بس من الله مااكدر أحميك , فقضى صاحبنا
ليلة هانئة في بيت الشيخ وبأحضان كرجية وفي الصباح الباكر أرسل كرجية إلى أهلها ليجنبها المسؤولية وسلم نفسه إلى شرطة اللواء ومن ثم تم تسييره إلى مديرية الشرطة العامة في بغداد والى مدير الشرطة العام اللواء إبراهيم احمد الشاوي والد الدكتور منذر الشاوي وزير العدل العراقي في حكومة البعث والذي كان من أخوال المفوض شوكت وبعد ( قاط رزالة خفيف وبعض الشتائم الخفيفة والتقريع كون سدارة المتصرف ضاعت في الحادثة وجاري البحث عنها لحد الآن من دون جدوى ) تلقاها شوكت من خاله الذي أمر بحبسه أسبوع في شرطة الانبار تم إعادة صاحبنا إلى شرطة الرمادي لحبسه وهنا سمعت كرجية بان حبيبها محبوس في مركز شرطة الرمادي الذي كان ضابطه الخفر ياسين الراوي فتوجهن ومن معها من الموسيقيين إلى مركز الشرطة والعازفون يعزفون وهي تغني وترتجل وتقول :
جيت أسألك ياسين عل الشاوي وينه
كالولي بالتوقيف وتهمل عينه
فما كان من ياسين الراوي الضابط الخفر إلا إن ادخلها وفرقتها إلى التوقيف ليكملوا حفلتهم مع شوكت الشاوي إلى الصباح , وبعد انقضاء محكومية الشاوي وخروجه من الحبس أقام حفلة لكرجية في مركز شرطة سداد الجزيرة بعد أن باع ( قدور القوة ) التابعة للمركز بمبلغ ثلاثة دنانير واشترى بها الأكل والمشروب ولوازم السهرة وعند حضور كرجية والبدء بالحفل انتبهت كرجية إلى إن ميز( طاولة ) الطعام والمشروب بدون شرشف ( غطاء ) فقالت لشوكت إن منظر الميز بدون شرشف قبيح فما كان من شوكت إلا البحث عن شرشف يغطي به ميز المشروب حسب طلب كرجية فلم يجد فانتبه إلى العلم العراقي الموجود خلفه فسحبه بدون تردد وغطى به ميز المشروب حتى يكسب الميز المنظر الذي تريده كرجية , ولكن القدر يأبى أن يهنأ العاشقون فيحضر مدير شرطة المحافظة للتفتيش فيرى العلم العراقي تحت قناني الويسكي والعرق المستكي فيأمر بحبس شوكت ونقله إلى الحدود العراقية الأردنية بعيد عن كرجية ويأمر بطرد الكاولية من مكانهم في لواء الرمادي . وافترق شوكت عن كرجية وانهارت أروع قصص الحب في تاريخنا العراقي .
حدثني صدبقي الشيخ الفاضل إن شوكت الشاوي في منتصف ستينات القرن الماضي ( بعد عشرين سنة على الفراق بينه وبين كرجية ) ورث مبلغ 750 دينار عراقي عن مبلغ وقف لعشيرة الشاوية وهو مبلغ كبير حينها فما كان منه إلا أن اشترى فرسا أصيلة أطلق عليها اسم كرجية وجعلها تشارك في سباقات الخيل التي تقام في بغداد ( الريسز) حتى يتمتع بنطق اسم كرجية وهي تفوز بسباقات الخيل .
تناهى إلى سمعي أن شوكت الشاوي التقى قبل أن يموت بكرجية في ثمانيات القرن المنصرم في منطقة الكمالية ببغداد حيث إن السنين أخذت منهم كل مأخذ وكانت كرجية عجوز وكان شوكت شيخا كبيرا وعندما رأى احدهما الآخر حتى بدء البكاء الذي استمر لساعات بحيث تضايق الذي حضر اللقاء .
تحية واحترام لكل عاشق وعاشقة .
ورحم الله كرجية وشوكت .
[email protected]