16 أبريل، 2024 6:01 م
Search
Close this search box.

كيمياء المكان واثره على الانتاج المعرفي والثقافي

Facebook
Twitter
LinkedIn

تراودني افكاراً بين الحين والآخر عن طبيعة الأرض وأثرها في الثقافه عموماً فثقافة وسلوكيات سكان الجبال غيرها عن السهول وغيرها عن الأهوار والصحراء والجزر ولكل منهم ثقافة ولون وموسيقىٰ وادب مختلف عن الآخرين ! ياترى مالسبب ؟ وماهو السر ؟
لتكن البداية من سرد بعض الخواطر عن الأرض
الأرض الثابت الوحيد في حياة الأنسان فهي تبقى الى يوم الدين ولكن الأنسان يفنىٰ وبذلك تكون الأرض قد سار عليها كل البشر كما رقد تحتها كل البشر وحينما تنظر من فوقها الى القمر تذكر ان سيدنا آدم قد نظر من قبل ، وقد يكون من نفس البقعة التي يطؤها قدمك .
الأرض فيها معاشنا ومعاش مخلوقات غيرنا ، وغذاؤنا وفي باطنها ثرواتنا .
للأرض طاقة وقوة جاذبية تجعل كل ما ينزل من السماء يتجه نحوها وكل من يغادرها مرتفعاً الى السماء لابد ان يعود اليها صاغراً مرغماً .
دورانها الهائل يولد تلك القدرة المغناطيسية ويحرك من قطبيها خطوط الجذب الاعجازية.
كل ما ورد آنفاً من خواطر وغيرها جعلت للأرض سحراً وتأثيراً قد يكون غير محسوساً ولكن كتلة بكل تلك الأمكانيات والطاقة لابد ان تؤثر في كل كائن خلق فوقها من دابة او بشر او شجر ومن هنا نبدأ نقاشنا .
قال الفلاسفة في الارض مالم يقال عن اية مخلوق غيرها بدأً من كيفية خلقها في ستة أيام إلاهية لا يعلم حسابها الا الخالق وبذلك فمخلوق يستغرق كل هذا الزمن من رب العزة الذي ان اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون لابد ان يكون بمنتهى الكمال ومليء بالأسرار والمعجزات وقال علماء السياسة والجغرافية السياسية عن الأرض مالم يقال عن اي مخلوق آخر ايضاً ، بل انها باسرارها كانت قبلة الحكم والحكام ، فالحاكم انما يحكم الأرض بدليل الأرتباط اللغوي في الوصف فنقول حاكم العراق وحاكم فرنسا وحاكم الصين وبذلك نختصر الحكم بالسيادة على الأرض ومن هنا كانت الاشكالية في عدم اكتراث الحكام للبشر قدر الأرض فهو يقبل ان يفنى كل الشعب لكنه لا يقبل ان تسلب منه الارض وكما انه يحكم الارض فهو يحكم كل ماعليها ويسيرهم كيفما شاء فقد يأمر حاكم مجنون بقتل كل الولادات كما فعل فرعون او بقتل كل الأبقار على ارضه او اقتلاع كل الأشجار وانشاء منشأت بدلها فيغير من شكل الأرض التي يحكمها وهنا يبرز السؤال ان كان الحاكم يحكم الأرض فمن هم حكام البشر ؟ حكام البشر هم الأنبياء والمرسلين الذين ارسلهم الله سبحانه وتعالى الى البشر يبلغونهم رسالته في التوحيد بدليل ان كل امة لها نبي كنبي بني اسرائيل ونبي لوط وثمود وعاد ونبي النصارى والنبي الأكرم نبي البشرية جمعاء فلم يكن الانبياء حكاماً للأرض ولكنهم حكاماً وأسياداً للبشر ولهذا لم يرسل نبياً للجزيرة او نبي اليمن او نبي العراق ، لذلك وبموجب قانون الطبيعة ذاك لن تجد حاكماً مهما عدل يحب شعبه لأنه محكوماً بقانون سرمدي هو حاكم ارضاً لا شعباً !
سحر الأرض لون ثقافات البشر كما لون سلوكيات الكائنات الأخرى التي تعيش فوق سطحها فكان انسان الجبل صلداً قاسياً كصلادة صخوره وانسان الساحل متقلباً كتقلب مياه بحره وانسان الصحراء صبوراً متأنياً قناصاً للفرص ولعلك تستغرب ان تلك الطباع ستجدها ملازمة للحيوانات التي تعيش بتلك البيئةايضاً بل حتى النباتات فاشجار الجوز الجبلية ثمارها تطحن كي تؤكل كصخور الجبال !
بنى الأنسان عبر تأريخه مدناً على مر الأزمنه اغلبها اندرس وتلاشى فقد يرقد تحت بغداد مثلاً مئات المدن التي لم نعرف عنها شيئاً وهكذا لكل مدينة نفكر بها ، وقد تكون تلك المدينة بكراً وهي اول مدينة بناها البشر منذ خلق الله الارض وتلك الاسرار لا يعلمها الا الله مهما اجتهد المنقبون ،، ما يهمنا هو الأجابة عن السؤال هل للمدن ثقافة ؟ وبالتأكيد الأجابة هي نعم وهي ماتسمى بثقافة المكان ! ماهو سر تلك الثقافة ؟ ولماذا اتصفت بها مدناً دون أخرىٰ ؟ طبعاً لن نجد جابة لذلك مهما بحثنا لأنه لغزاً وسحراً لا تفسير له ! لقد بحثت في قائمة المدن ذات المخزون الفكري والانتاج المعرفي الأكثر والأغزر والتي تلون نتاج ابناؤها بلون وذوق ملموسان يكاد يميزهما كل باحث وقارئ ومنه الأسلوب في السرد والتحليل والتبصر فثقافة بغداد غير ثقافة الكوفة والقاهرة وباريس وروما ومدريد ونيويورك وبراغ وموسكو وبروكسل وغيرهم من عواصم الثقافة ولكني وجدت ان هناك مشتركاً واحداً يجمع كل عواصم الثقافة وقد يكون عاملاً لم يلتفت له أحد من قبل الا وهو عامل الدم ! فكل تلك العواصم اشتركت بكثرة عدد من قتل فيها ظلماً ودفن تحت اسوارها غزاة ومدافعين عبر تراكم التاريخ فكانت ارضها مقبرة تحتضن ملايين الاجساد التي غادرتها ارواحها فكانت مصدر الهامٍ للكتاب والادباء والمبدعين من منتجي الثقافة وكلما زاد الضحايا عبر التاريخ كانت بصمة الالهام اعمق واكثر وضوحاً ! بالطبع هذا الاستنتاج قد يكون مرتبطاً بولادة المتناقضات فنقيض الموت هو الحياة ونقيض الحزن هو السعاده ومن دوال الحياة والسعادة الأدب والفنون .
المشترك الثاني هو جور وظلم حكام الأرض في تلك العواصم فجميعها مرت بعصور كان فيها حكامها يضطهدون البشر ويذلونهم ويسلبون اموالهم بغير حق مما ولد منتجاً فكرياً جاء من رحم المعاناة فاتسم بنمط واكتسب بصمة لعل ابسطها هو الدقة في الوصف فحينما تقرأ رواية حبيبتي استيفاني للكاتب الفرنسي بول ادم تشعر بانك ترى الرواية لكثرة الوصف وكذلك حينما تقرأ الالياذة لهوميروس الاغريقي او دونكيشوت للاديب الاسباني ميغيل ثبربانس ومعجم البلدان للبغدادي ياقوت الحموي كل تلك الأعمال وغيرها اتسمت بالدقة في الوصف وتلك السمة ترافق الخوف من الناحية السايكولوجية فادق شخص في الوصف هو الشخص الخائف وتلك طبيعة جبل عليها السلوك البشري بل حتى تتعدى ذلك الى عالم الرؤيا والأحلام فالذي يرى كابوساً مرعباً في منامه يرويه بعد ان يستيقظ بمنتهى الدقة والغلو في الوصف طبعاً رب سائل يقول ان هؤلاء الادباء لم يكونوا خائفين حينما ألفوا وكتبوا اعمالهم واقول لهم نعم هم كذلك ولكنها سمات تأصلت في شخصياتهم ونقشت في نفوسهم دون ان يشعروا متأثرين بكيمياء وسحر المكان فهي ظلال المدينة والأرض على شخصيات البشر فوقها .
ختاماً قد يتبادر للأذهان ان الفنون والاداب والمعارف نتاجاً مرادفاً للزهو والأستقرار وبذلك يدحض كل ما كتبته سابقاً وهنا لابد من القول نعم الادب يزدهر في ظل الأستقرار ولكنه يبقى متأثراً بثقافة المكان فالكاتب يعيش كعنصراً منغمساً داخل بيئة المكان تمده بصبغة ولون ونمط تفكير دون ان يشعر .
ختاماً ان الأرض التي خلقها الله مستقراً للانسان الذي كرمه فأتم خلقه وموطناً لمعاشه ومستقراً لأمواته قد ملأت جوراً وظلماً بلعنة حكامها ووحشية ساكنيها وعدوانيتهم حتى اضحت تفور غضباً مطلقة حممها او ترتعد أساً لتزلزل قشرتها بأمر من باريئها سبحانة وتعالى لتخبرنا ان هنالك قدرة لايمكن ان تقاوم مهما بلغتم من قوة وان تلك الأرض هي التي تشكل شخصياتكم بكيمياؤها وسحرها فتترجموه ادباً وثقافة يجمله سحر المكان وكلما زاد القتل والظلم في مدن الارض كلما ترسخت بصمات ذلك في انتاج اهلها الثقافي واتسم بالواقعية والدقة في الوصف وكان تلك الجدلية هي اضافة لجدلية المتناقضات وكلٌ ونقيضه والله أعلم .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب