23 ديسمبر، 2024 3:19 ص

كيف يُقرأ المشهد الإقليمي بعد إستهداف أرامكوا

كيف يُقرأ المشهد الإقليمي بعد إستهداف أرامكوا

لم يكن إستهداف المنشآت النفطية السعودية ” أرامكوا ” بطائرات مسيرة وصواريخ بالحدث البسيط حيث أدى هذا الإستهداف الى توقف حوالي نصف الطاقة لمعالجة النفط المستخرج وإنخفاض التصدير بأكثر من خمسة ملايين برميل . وبالرغم من تبادل الإتهامات بين الدول المتصارعة في المنطقة حول المصدر المسبب لهذا العمل العسكري الخطير فإن حقائق الأمور ما زالت غير واضحة تماماً مع تضارب الأخبار والتصريحات. فجماعة أنصار الله في اليمن صرحت علانية بأنها هي من قامت بإستهداف أرامكوا بطائرات مسيرة ، في حين تشير أصابع الإتهام من وجهة نظر الإدارة الأمريكية الى ضلوع إيران بهذا العمل العدواني العسكري تارةً بتوجيه الإتهام لإيران مباشرةً وبأنها هي من قامت بالعدوان وتارةً بشكل غير مباشر من خلال دعمها وتوجيهها لفصائل مسلحة يمنية أو عراقية للقيام بهذا العمل . وقد تباينت آراء وتحليلات جميع السياسيين في دول المنطقة وكذلك المحللين والمتابعين للأحداث الجارية التي عَقّدَت أبعاد الصراع بين الولايات المتحدة وبجانبها المملكة العربية السعودية وبين الجمهورية الإسلامية في إيران . فالبعض توقع برد عسكري مباشر على إيران والبعض الآخر توقع عدم إمكانية اللجوء للعمل العسكري لأسباب ومبررات عديدة تعبر عن ولاء هم لهذه الجهة أو تلك كأن يُقال بأن أمريكا ومعها السعودية غير راغبة ولا قادرة على خوض حرب مع إيران لأنها ستكون الخاسرة لما تملكه إيران من قوة ردع عسكرية يمكنها أن تحرق المنطقة كلها أو كما يُقال من الأطراف الأخرى بأن كلا البلدين أو المحورين لا يرغبان بالحرب وبأن أفضل وسيلة هي الجلوس على مائدة المفاوضات . ولهذه الأسباب سوف لن يكون هناك عمل عسكري كما يصرح الكثيرون ودليلهم هو لماذا لم تَقُم أمريكا أو السعودية برد عسكري مباشرةً في اللحظة التي تم فيها إستهداف أرامكوا .
الغريب بالأمر إن العديد من هؤلاء المحللين والمتابعين لهذه الأحداث وبعضهم من المعروفين جيداً في وسائل الإعلام ولدى شعوب المنطقة أثبتوا قصر نظرهم وضعف تحليلاتهم وعدم إدراكهم المنطقي بسبب تحيزهم وولائهم المغلق لهذه الجهة أو تلك . حيث أن من بديهيات الأمور في حالة الصراعات الإقليمية ما بين الدول والتي يتخللها بعض المناوشات والعمليات العسكرية المحدودة كما هو الحال في إستهداف المنشآت النفطية السعودية آرامكوا فإن الجهة التي تبدأ بشأن عدوان عسكري على دولة ما فإن القانون الدولي يُحَمِل المسؤولية على الجهة المعتدية ( أي البادئة بالعدوان ) ويُلزمها بدفع التعويضات عن كل الأضرار المباشرة وغير المباشرة المترتبة عن هذا العدوان . وهنا من الواضح إن ما حدث من إستهداف لأرامكوا وما ترتب عنه من وقف تصدير النفط السعودي الى النصف وتأثر الإقتصاد العالمي أيضاً يتطلب بدايةً تحديد الجهة أو الدولة التي قامت أو شاركت بالعدوان بشكل واضح لا يقبل التأويل أو التخمين لكي يتم في ضوء ذلك تحميل المسؤولية على الجهة التي قامت بالعدوان ، ومن ثم إلزام الجهة المعتدية بقرارات أممية بتعويض جميع الخسائر المباشرة وغير المباشرة . وهذا ما تقوم به فعلاً في المرحلة الحالية المملكة العربية السعودية وبجانبها الولايات المتحدة الأمريكية وحتى بعض من الدول الأوربية. بعد إنجاز هذه المرحلة وإثبات فيما إذا كانت إيران من وراء هذا العدوان وإلزامها بكامل التعويضات سيأتي الرد العسكري والذي سيعتبر رداً على العدوان والدفاع عن نفسها حيث من حق الدول الرد على العدوان وحماية أراضيها ومصالحها . إذاً عدم توجيه ضربة عسكرية على إيران وأذرعها في الوقت الحاضر هو ليس بسبب تردد أو خوف أو تخبط أو عدم إمكانية الولايات المتحدة الأمريكية أو المملكة العربية السعودية من القيام بذلك وإنما تأجيل العمل العسكري لحين إثبات ضلوع إيران بإستهداف مصادر الطاقة السعودية وإصدار قرار أممي بإلزامها بالتعويض عن كل الأضرار. ولِنُذَكِر الجميع بالعدوان العراقي على الكويت وما ترتب عليه من تعويضات بمليارات الدولارات والتي ما زال يدفع جزءً منها لحد الآن.