من حق خصوم الشيعة وأعدائهم أن يخططوا ويتآمروا ويضربوا في العمق وفي الصميم؛ فهذه هي سنن الله تعالى في خلقه.. سنن التدافع والصراع والبقاء والاستبدال والبغي والعدوان. ولذلك ينبغي أن لانستكثر على الخصم عدوانه، و لانستنكر عليه استعماله لكل أنواع الأسلحة؛ المحللة منها والمحرمة؛ بل ينبغي أن نستغرب إذا تجنب الخصوم ثوابت البغي والعدوان والحرب.
والشيعي في تكوينه العقائدي يجنح الى السلام والحوار؛ بل كان ولايزال في موقع المدافع والذاب عن نفسه وعرضه ومذهبه وماله، ويعد نفسه (أم الولد) تجاه الواقع الإنساني والإسلامي والوطني؛ أي أنه يدافع عن واقع المسلمين برمته؛ دون أن يفرق بين سني وشيعي، ويدافع عن وطنه؛ دون أن يميز بين مسلم ومسيحي، أو بين قومية وأخرى. ولذلك؛ لايرى الشيعي في السني خصماً، ولا في المسيحي عدواً؛ ولا في اليهودي محارباً؛ فالسني أخوه في الدين، والمسيحي واليهودي والصابئي والمجوسي والبوذي والهندوسي نظراؤه في الوطن أو الإنسانية.
كما أن الشيعي لم يختر خصومه؛ فهم الذين اختاروا أن يكونوا خصوماً، وأن تكون الحرب الشاملة وسيلتهم لتدمير الشيعة، وهم الذين يحددون – غالبا- زمانها ومكانها. ولم يختر الشيعة أن تكون ساحتهم واحدة؛ بل هو مافرضه عليه خصومهم أيضاً. وإذا أمعنا النظر في سلوك خصوم الشيعة التقليديين على مر التاريخ المعاصر؛ كالوهابية وأفراخها الشرعيين: القاعدة وداعش والنصرة وغيرها، والصهيونية وعملائها المحليين والدوليين، والبعثية وعصاباتها، والأنظمة الطائفية السياسية وحكامها، ومنهجية الهيمنة الأمريكية والغربية؛ سنرى أن دوافع العدوان تجاه الشيعة هو جزء من البنية الايديولوجية لهؤلاء الخصوم، ولايجد الشيعي نفسه على مر الأزمان والأماكن؛ إلا في حالة التدافع والصد ورد الفعل؛ حفاظا على حرماته وكيانيته.
ويتعرض الشيعة اليوم؛ أكثر من أي زمن آخر؛ لكل أنواع الحروب الاستئصالية والمؤامرات المعقدة من هؤلاء الخصوم، وبجميع الأسلحة: السياسية والمخابراتية والعسكرية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والنفسية والحقوقية؛ وهو تصعيد طبيعي يهدف الى تدمير ما حققه ويحققه الشيعة من إنجازات تاريخية مهمة على كل المستويات، وفي الميادين المحلية والإقليمية والدولية؛ منذ حوالي أربعة عقود وحتى الآن؛ وهي الإنجازات التي أصابت خصومهم بهستيريا العدوان؛ بكل ألوانها وأعراضها؛ فالخصوم لايتحملون رؤية الشيعي وهو يتنفس بحرية، ويحوز على انتصارات وانجازات كبيرة، وله حضوره المميز إقليمياً ودولياً على كل الصعد. ولذلك يريدون إعادة الشيعة الى عهود القهر الأموي والعباسي والعثماني والبعثي.
ويتحدث المخططون الستراتيجيون السعوديون والخليجيون والبعثيون والعثمانيون الجدد والأمريكيون والصهيونيون؛ عن نجاحهم في عن نجاح المنظومة الوهابية ـ الخليجية ـ الطائفية في تمزيق شيعة العراق وسوريا عبر المؤامرات المركّزة، واحباط نهوض شيعة لبنان عبر تشجيع اسرائيل على ضربهم، وضرب شيعة اليمن، ومحاصرة شيعة البحرين. ويرون ((أن ايران هي العقبة الوحيدة التي إذا دمرناها ومزقناها؛ سنقضي على كل الحراك الشيعي في المنطقة))؛ ولذلك يتحدث بكل صراحة وعلانية عن مخططاتهم ومؤامراتهم لضرب ايران في الداخل.
إن من الخطأ الجسيم أن يبقى بعض الشيعة مستغرقاً في الحديث عن مظلوميته، ويبكي ويستجير ويندب حظه ليل نهار. ومن الخطإ أن يكتفي بعض آخر بشجب المؤامرات والاعتداءات واستنكارها و لعن المعتدين وشتمهم، وغير ذلك من ألوان الكلام عن خطورة المؤامرات التي تحاك ضده، وعن حجم الضربات والحروب التدميرية التي يتعرض لها. كل ردود الفعل هذه تبقى في دائرة رد الفعل الغريزي النظري غير المنتج؛ ولذلك لا بد من أن يحوِّل الشيعة هذا اللون من الخطاب السلبي الى خطاب ايجابي مستقبلي فيه جرعات عالية من الصحوة والنهوض والإستعداد.
فماذا أعدّ ويعد الشيعي – في المقابل- للدفاع عن نفسه والمحافظة على وجوده وحياته وعرضه وماله ومذهبه وكيانياته الاجتماعية الدينية ومكتسباته التي حققها في العراق وايران
ولبنان واليمن وآذربيجان وافغانستان؟ وماذا لدى الشيعي من أسلحة صد وردع: ثقافية واعلامية واجتماعية وسياسية وعسكرية واقتصادية وحقوقية لمواجهة خصومه وأسلحتهم الفتاكة التي يضربون فيها الشيعة في البحرين وسوريا وباكستان والسعودية وغيرها؟.
فهل سيواجه الشيعي مؤامرات الخصوم وحروبهم؛ باللعن والإستنكار والدعاء والحوقلة والاسترجاع فقط؛ أو بما يقوله تعالى: ((واعدوا لهم مااستطعتم من قوة ..))؛ وهي لا تعني ـ وفقاً لمتطلبات العصرـ القوة العسكرية وقوة الردع المسلحة وحسب؛ بل كل أنواع القوة: العلمية والإقتصادية والمالية والثقافية والإعلامية والمعلوماتية والسياسية والإجتماعية..