18 ديسمبر، 2024 9:42 م

كيف ينظر للحرية اليوم ؟

كيف ينظر للحرية اليوم ؟

يختلف مفهوم الحرية من شخص إلى أخر ومن مكان إلى مكان، حيث أن كل شخص يفسره وفقا لأهوائه واحتياجاته الخاصة وطبقا للظروف المحيطة به، وغالبا ما يكون تطبيق الحرية- حسب وجهة نظر الأشخاص- انعكاسا لما بداخل الشخص من إرهاصات متراكمة قد تصل إلى حد لا يمكن إخفاؤه . وقد يكون تطبيقها منافيا لإسمها، وهذا ما حصل في مجتمعاتنا ومنذ عشرات السنين . فالجميع ينادي بالحرية إلا إننا – وللأسف الشديد – حين تتوفر لنا هذه الفرصة فإننا نسيء استخدامها بسبب أهوائنا والجري خلف مصالحنا الشخصية وأهدافنا الضيقة، دون النظر إلى المصلحة العامة أو احترام حريات الآخرين .  لذا سنطرح بعض وجهات النظر التي فسرت الحرية بعد التغيير الذي حصل في العراق وكيف مورست هذه الحرية، وبعدها نفسرها من الجانب النفسي التحليلي:-
أولا – بعض العراقيين نظر إليها على أنها الخلاص من حكم الدكتاتور وهي الحرية بعينها حسب قولهم بغض عن مرحلة ما بعد الدكتاتورية وهذا ما يحصل في معظم الثورات العربية الحالية.
ثانيا – البعض الآخر اعتبر أن الحرية هي ممارسة كل الموبقات وبكافة أنواعها ودون قيود وحتى في الأماكن العامة ومن دون أية اعتبارات أخرى، حيث نشاهد البعض وفي وضح النهار، بعد أن كان الأمر يقتصر ليلا، يحتسون الخمر أمام المارة وفي أماكن تعتبر سياحية وترفيهية تقصدها العوائل العراقية . وعندما تتحدث معه كي تنهيه عن هذا العمل يجيبك بأنها حرية شخصية.
ثالثا- وآخرون نظروا إليها على أنها تمرد على كل القيم والقيود والمبادئ التي تحكم المجتمع، بل تمرد على أولياء الأمور بما فيهم الوالدين.
رابعا- والبعض فسرها بحسب عقولهم القاصرة على أنها عملية استرداد حقوق مسلوبة كانت الحكومة السابقة قد سلبتها منهم، فقام بالتجاوز على المال العام وسرقة المصارف والاستيلاء على الأراضي دون وجه حق، وتخريب مؤسسات الدولة بحجة عائديتها للنظام السابق.
خامسا- والبعض الآخر فسرها على إنها عملية معارضة فارغة أي أنها معارضة من اجل المعارضة وليس لتصحيح المسار أو انتقاد ظاهرة خاطئة معينة، بل هو يعارض كل التوجهات ولا يعرف هو أو الآخرون ما سبب المعارضة وما هي أهدافه أو توجهاته كي يقنع بها الآخرين.
سادسا- أما نفر منهم فكان يعتبر نفسه الخاسر الأكبر والوحيد في عملية التغيير هذه، لأنه اعتبر الحرية قيد تم تكبيله بها، فقد اعتاد الانقياد والانصياع للأوامر وان يكون تابعا، ولم يعهد الحرية فهو وجد نفسه أبا عن جد عقولهم محتلة وملكا للغير، وما عليه إلا الطاعة وتنفيذ الأوامر . وعندما تم تحريره وكسر قيده ضاع بين مفاهيم الحرية الجديدة التي طرحناها أعلاه، واحتار أين يجد نفسه وأيهم يختار.
سابعا- ووجهة نظر أخرى أصحابها كانوا يشتمون ويتجاوزون على كل الساسة بحق أو دون وجه حق فقط ليشعر بممارسته هذه الحرية، كونه يستطيع أن يشتم رأس الهرم في السلطة أو أي سياسي آخر.
ثامنا- وتأتي وجهة النظر الأخطر بينهم، وهي ما تنتهجه الحكومة من قمع لجميع هذه الحريات بدون التعاطي معها بهدوء وموضوعية ومساعدة العراقيين على تجاوز هذه الفترة كونها تحولا نوعيا في حياتهم وليست مجرد فترة عابرة .
تاسعا- ويبقى القسم الأخير منهم وهم القلة الذين يعرفون معنى الحرية وحدودها وطرق استخدامها دون المساس بحريات الآخرين أو التجاوز على سلطة الدولة أو حقوق الآخرين، إلا إنهم آثروا الانزواء حفاظا على ما يمتلكونه من حس وطني وحب لشعبهم وبلدهم وخوفا عليه من أن يضيع بزحمة المفاهيم الجديدة للحرية.
إن عملية التحليل النفسي لكل وجهات النظر السابقة للحرية هي ليست بالعملية الصعبة خصوصا من قبل من عاش الواقع وعاشر أصحاب وجهات النظر هذه . ونبدأ بالقول إن سياسة النظام السابق وحكمه الدموي وظلمه العادل لكل أفراد الشعب هو الذي جعل فكرة الخلاص منه هي الحرية المنشودة لكل أفراد الشعب بغض النظر عما يلي هذه المرحلة، وهي قد تكون وجهة نظر يتشابه بها كل الشعوب العربية التي تدعو للتغيير .            
أما في ما يخص الممارسات غير الأخلاقية فهي كبت كان يعيشه أفراد المجتمع، وهو لا يقتصر على هذه الممارسات بل حتى علة ممارسة الشعائر الدينية . لذا أصبح الممنوع مرغوبا فيه وبشدة بعد سقوط النظام كنوع من الارتواء بعد العطش الشديد، أو الإشباع بعد جوع قسري . وهنا حصل نوع من التمرد على كل القيم والأعراف، وهو ردة فعل طبيعية كون المسجون لن يقبل بأي قيد بعد الإفراج عنه، وهذا ما حصل لبعض أفراد الشعب، حيث صاروا يرفضون أي قيد حتى ولو كان قيدا معنويا . وكتعويض عن الحرمان وسنين المعاناة اخذ البعض باسترداد حقوقه حسب وجهة نظره بيده ويعمل على الانتقام من مؤسسات الدولة السابقة فقام بالحرق والنهب والتخريب .
 ومسألة المعارضة وحتى الشتم قد تكون ممارسة مباحة إلا أنها كانت محرمة عليهم، وما إن جاءت الفرصة حتى استغلها هؤلاء خير استغلال، تمثل بالمعارضة على طول الطريق والشتم والسب لكل الساسة من رئيس الحكومة إلى اصغر موظف فيها . والمشكلة أن بعضهم يمثل جزءا من هذه الحكومة ومشتركا بالعملية السياسية . وهذا ما أضاع عليه وعلينا الخيط والعصفور، وصرنا محتارين بأمره ومبتلين به، فهو يمارس المعارضة والشتم من باب ممارسة الحرية إلا انه لا يعرف ماذا يريد ويخشى العودة إلى الفترة السابقة .
وفي زحمة ذلك برز لنا أناس كانوا سابقا تابعين للنظام ومشبعين بأفكاره ومهووسين بأهدافه لدرجة السير خلفه وهم معصوبي الأعين، وما إن ذهب قادتهم تاهوا في متاهات الحياة وصاروا كأطفال ولدوا من دون أبوين.
أما بالنسبة لمن حافظ على مبادئه وقيمه واستخدم الحرية استخداما صحيحا، فأنه  قد تربى تربية سليمة وصحيحة وتعلم نكران الذات وحب الآخرين وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة منذ طفولته، ولم يكن في داخله استعداد لتغيير قيمه ومبادئه على عكس الباقين لأن التغيير لا يكون من الخارج ومفاجئا، بل يجب أن يكون من داخل الشخص استعدادا للتغيير الخارجي، كما انه قد يكون يتحين وينتظر الفرصة المناسبة للتغيير ويتخذ من الظروف والعوامل المحيطة به ذريعة لعملية التغيير التي تحصل له.
باحث نفسي / مدير البيت العراقي الأمن للأيتام

* تنويه : يشرّع المستشار النفسي هذا الباب على جميع المشاكل الأسرية التي تخص الطفل بمراحله العمرية والمرأة بكل مستوياته الثقافية والاجتماعية كي يساعد ولو قليلا في زيادة الوعي النفسي لمشاكلها الأسرية، وبذلك سيكون هذا الباب مفتوحا لاستقبال رسائلكم عبر نموذج الإرسال ” راسلنا ” الجهة المستقبلة ( سميراميس ) وسيتم نشر الرسائل ورد المستشار عليها مع محافظتنا التامة على سرية مرسليها .