22 ديسمبر، 2024 2:24 م

كيف يمكن فهم الازمة الاوكرانية تتجاوز بحدودها فقط اوكرانية

كيف يمكن فهم الازمة الاوكرانية تتجاوز بحدودها فقط اوكرانية

أولا: تاريخها:
1. يجب أنْ نتذكر أن الرغبة #الروسية بعودة #الاتحاد_السوفيتي هي عقيدة راسخة في عقل كل #روسي، وليست نتيجة طموحات، أو #أهداف شخصية #للرئيس #بوتين.

2. أذكر أنني في إحدى زيارات العمل لمكتبنا في #موسكو، حضرت كلمة للرئيس بوتين في أحد مراكز الأبحاث، في السنة الثانية لاستلامه الرئاسة، وقال فيها: “لقد أنجزنا تنظيم الاتحاد الروسي، ورسالتنا الرئيسة التالية أن نهتم بمحيطنا #الجيوسياسي”.

3. ويجب أن نتذكر أن أمريكا عندما أنشأت “#الناتو” كان ذلك انطلاقا من رغبتها في احتواء روسيا، وعدم عودتها خصما موازيا لها.

4. وبالتالي يجب أن نتذكر أن كلا #الطرفين يتصارعان حول النظام العالمي، فمن جهة تريد أمريكا الاستمرار في قيادة العالم. ومن جهة أخرى تتطلع روسيا إلى دورها في قيادة النظام العالمي – كما كان – #بقيادة_ثنائية: #أمريكية، #سوفيتية.

ثانيا: توصيفها؟

1. #الحرب في #أوكرانيا هي مجرد بداية لحرب #أوروبية شاملة وليس #أمريكية في المرحلة الأولى. وسوف تتحول قبل نهاية هذا العام إلى #حربعالمية: #الحربالعالمية_الثالثة.

2. يجب أن ندرك، دون أي شك، أن الصين هي إلى جانب الطرف #الروسي كليا، وأنها تسير معه خطوة بخطوة، وأن #الصين هي شريك فعلي له، منذ الدقيقة الأولى لبداية الحرب.

3. لقد أتيح لي عام 1989 أن أشارك في ندوة في أحد أهم مراكز الأبحاث الأمريكية في #واشنطن كان موضوعها “أين ستكون أمريكا عام 2020؟”، وكانت خلاصة ثلاثة أيام من الدراسات أن #أمريكا ستواجه حينها خصما مقابلا لقوتها الاقتصادية هو الصين، وأن #القوة_الاقتصادية هي القوة الأهم في كل شيء، وأن على أمريكا أن تواجه هذا التحدي بشتى الطرق.

4. القدرات النووية هي مجرد #أسلحة ردع متبادلة (deterrents)، ولن تستعملها أي من الدول العديدة التي تملكها لأثرها التدميري المتبادل.

5. إن الحرب في أوكرانيا، وهي ليست عضوا في الناتو، ستبقى حربا أوروبية، وسلاح أمريكيا فيها هو العقوبات الاقتصادية الأحادية، التي اخترعتها أمريكا، وكانت ذروتها في عهد ترامب. ومما لا شك فيه أن للعقوبات آثاراً إيجابية، وأخرى سلبية، وأنها تؤثر على الطرفين: المعاقِب والمعاقَب، وقد يكون الأثر الأكثر سوءاً على الجانب المعاقِب، علما بأن أمريكا لن تدخل الحَرب على الأرض، وسيكون التأثير السلبي عليها محدوداً.

6. أرجو أن تتابعوا معي آثار عقوبات الطاقة: غازا ونفطا، ومَنْ سيكون المُتضرر الأكبر فيها، ومَن سيكون المستفيد منها، كما أن علينا أن نتوقع في المقابل حرب عقوبات مضادة.

7. أوروبا ليست موحدة في الموقف. أما بريطانيا فهي الحليف المؤكد لأمريكا.

ثالثا: مراحلها:

1. انتظروا التحرك الصيني لضم تايوان بصورة نهائية وشاملة، كرد فعل لأي استفزاز متوقع أمريكي أو أوروبي لها. وربما يكون ذلك تجاوبا مع طلب من روسيا؛ من أجل تخفيف الضغط عسكريا عنها، واجتهادي أن الحرب على (أوكرانيا) هي مقدمة للحرب على تايوان التي تعتبرها الصين جزءا تاريخيا منها، كما تعتبر روسيا أوكرانيا جزءا تاريخيا منها. وبالتالي سيدخل العالم في حرب بحر الصين.

2. كل هذا سيؤدي إلى ما أسميه “الحرب العالمية الثالثة”، وستكون حربا مختلفة عن الحرب العالمية الثانية؛ بسبب طبيعة التطورات التقنية التي تستند إلى القوة العسكرية عن بُعد وإلى الهجمات الإلكترونية، فلا يتوقع أحد أن تحتل جيوش الصين أمريكا، ولا أن تحتل جيوش أمريكا الصين.

رابعا: مستقبلها:

1. أمريكا ومعها #بريطانيا، ومن جهة أخرى الصين ومعها روسيا، هما طَرَفَا #قيادة هذه الحرب العالمية.

2. كما بدأت حرب أوكرانيا باستفزازات، فستبدأ حرب #تايوان باستفزازات، وسيصبح #العالم كله جزءا من هذه الحرب: اختياريا أو إجباريا، كلا حسب تطلعاته إلى تموضعه في #النظامالعالميالجديد.

3. لقد أتيح لي أن أطلع على محاولات كثيرة؛ للوصول إلى اتفاق على التحول إلى نظامٍ عالمي جديد، وفشلت كلها، بما في ذلك محاولة كان قد طُلِبَ مني فيها أن أرتب وأدير لقاء قمة اقتصادية غير #حكومية؛ لاقتراح صيغ اتفاق، تُرفع إلى مستوى #القرار_السياسي، إلا أنها قد فشلت أيضا!

4. وقد أتيح لي قبل عشر سنوات، في مؤتمر صيني عالمي، حول الملكية الفكرية أنْ أجلس على العشاء (بصفة “أبوغزاله للملكية الفكرية” هي الأكبر على مستوى العالم، وبحكم أننا نتميز بين المنافسين بوجود مكاتب لنا في الصين) أن أكون إلى جانب الوزير #الصيني فسألته عن وجود تنسيقٍ دولي بين (الصين وروسيا)، فأجابني أن هنالك شراكة في التخطيط والتنفيذ”.

5. ليس هنالك مِن حل إلا بجلوس الأربعة الكِبار على طاولة التفاوض، ولن يتحقق ذلك إلا عند اضطرارهم له تحت الضغط، وتجنبا لمزيد من عواقب الحرب العالمية، وأخطارها.

6. إن انتظار قرارات دولية سواء من مجلس الأمن، أم من غيره، لن تُحقق أكثر مما حققته تلك القرارات في (فلسطين)، إضافة إلى أن المتحاربَين الآن يحملون “حق الفيتو”.

7. سينشأ حتما نظام عالمي جديد، وبقيادة متعددة الأطراف، وستنشأ اتفاقيات دولية جديدة، كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، وستتناول الصراع حول أمور أساسية، منها #عولمةالإنترنت، وعولمة العملة الدولية، وسياسة العقوبات، ونظام عمل #الأممالمتحدة، ومؤسساتها، وكارثة التلوث المناخي التي تهدد البشرية، وغيرها!

8. إن الاتفاق على قيام “نظام عالمي جديد” هو في مصلحة كل العالم، بدلا من نظام الغاب الحالي.

خامسا: آثارها:

1. في محيطنا الإقليمي إيران حَسَمَت موقفها المؤيد لروسيا، و #تركيا بحكم عضويتها في الناتو هي في وضع صعب، أما #العدو_الصهيوني في #فلسطين فهو في وضع أصعب من وضعه مع المفاوضات النووية، خاصة بوجود رئيس أوكراني يهودي، وجالية يهودية أوكرانية لا بأس بها! وليس مستغربا إعلان رئيس سلطة الاحتلال عن مشاعره وتعاطفه مع الشعب #الأوكراني فقط!

2. لدى #الدول_العربية، التي هي همي الدائم، هامش حركة صغير، أو كبير؛ للتموضع في هذه الحرب بأقل قدر ممكن من الضرر الذي لا بد منه. ولذلك أناشد قادتنا، كل من موقعه، لدراسة ما يمكن اتخاذه من إجراءات حمائية، بما في ذلك تأمين أساسيات الحياة من غذاء، ودواء، وتحول رقمي.

3. ولعل معالي أمين عام جامعة الدول العربية، سيجد من المناسب ترتيب اجتماع عربي على أي مستوى يراه؛ ليكون تشاوريا، وليس هادفا لاتخاذ أي قرارات أو مواقف، بل هو لتبادل الأفكار فيما يحقق تحصين كل دولة، والوضع العربي بأكمله.

4. ، لقد علمتني الحياة أن #الأزمات هي فرص لمن يُحسن استغلالها أيضا.

 

ـ بعض دول المنطقة تعيش مخاوف اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا تؤدي إلى عدم الاستقرار بالعالم وفي منطقة الشرق الأوسط إذا دخلت الولايات المتحدة طرفا فيها

ـ يمكن لدول الخليج المصدرة للنفط والغاز أن تجد في الحرب فرصة لتحسين علاقاتها مع واشنطن التي ترغب في أن تكون بعض هذه الدول مستعدة لتعويض نقص إمدادات الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية

ـ الحكومات العربية تحاول عدم اتخاذ مواقف سياسية من الأزمة سعيا للحفاظ على علاقات متوازنة مع الدولتين

ـ مع استمرار التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا حول الأزمة قد تجد بعض الحكومات العربية نفسها أمام اتخاذ موقف

طوال عقود ظلت منطقة الشرق الأوسط ساحة تنافس على النفوذ والمصالح بين الولايات المتحدة وروسيا في ساحات الصراعات المختلفة.

واستمر ذلك حتى انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتراجع مستويات الانخراط الأمريكي في صراعات المنطقة منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2021، بعد تبنيه استراتيجية التوجه نحو آسيا لمواجهة مخاطر صينية أو روسية محتملة في تلك المنطقة.

كما أن حاجة الولايات المتحدة إلى مصادر الطاقة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموما تراجعت هي الأخرى، إضافة إلى سياسة الإدارة الأمريكية بتخفيف حدة التوترات مع إيران، والابتعاد عن الخلافات الخليجية الإيرانية.

إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تقديم بعض التنازلات لترغيب إيران بالعودة إلى الامتثال لاتفاقية الملف النووي لعام 2015، لضمان منع طهران من امتلاك السلاح النووي.

وشهدت العلاقات الأمريكية الخليجية توترات على خلفية ملفات حقوق الإنسان، والحرب في اليمن، وفرض قيود إضافية على توريد أنواع من الأسلحة والذخائر ومنع أخرى، ما دفع السعودية تحديدا والإمارات إلى حد ما بالتوجه نحو الصين وروسيا لمزيد من التعاون العسكري في مجالات شتى.

كما اتجهت كل من إيران ومصر والعراق ودول أخرى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع روسيا والصين.

وترى بعض مراكز صنع القرار الأمريكي في تطور العلاقات الأمنية والاقتصادية بين روسيا والصين من جهة، وعدد من دول الشرق الأوسط من جهة أخرى، تحديا روسياً وصينيا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وخلال عقود تحملت الكثير من دول منطقة الشرق الأوسط تبعات التنافس على المصالح بين الدول الكبرى، لا سيما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق والاتحاد الروسي الحالي.

وتعيش دول بالمنطقة مخاوف توسع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، واحتمالات اندلاع حرب بين الدولتين تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار بالعالم، وفي منطقة الشرق الأوسط إذا دخلت الولايات المتحدة طرفا فيها بشكل ما.

في حين يمكن لدول أخرى بالمنطقة، خاصة الخليجية المصدرة للنفط والغاز، أن تجد في تلك الحرب فرصة لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي ترغب في أن تكون بعض هذه الدول مستعدة لتعويض نقص إمدادات الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية في حال قررت إدارة بايدن فرض عقوبات على روسيا، أو وقف إمدادات الطاقة العالمية لأسباب تتعلق بالحرب المحتملة.

وتشكل احتمالات وقف إمدادات النفط والغاز إلى الدول الأوروبية مصدر قلق للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي تحاول اتخاذ إجراءات استباقية لتعزيز أمن الطاقة الأوروبي، ومنع حدوث اضطراب واسع في إمدادات الغاز والنفط وأسعاره في السوق العالمية، جراء العقوبات المحتملة التي ستفرضها إدارة بايدن.

تلك العقوبات ستمنع الدول من شراء الغاز والنفط الروسيين، أو أن تؤدي الحرب إلى منع تدفق الطاقة بسبب مخاطر النقل عبر الأراضي الأوكرانية أو عبر البحر الأسود إلى أوروبا.

وتشير تقديرات رسمية إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تعتمد في تلبية نحو 40 في المئة من حاجتها إلى الغاز الطبيعي على روسيا، وأن إيجاد بدائل عن الغاز الروسي لن يكون بالأمر اليسير.

وخلال زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد إلى واشنطن نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، بحث الجانبان خيارات تزويد دول الاتحاد الأوروبي بشحنات من الغاز الطبيعي المسال القطري في حال شنت روسيا حربا على أوكرانيا.

لكنْ مراقبون يرون أن تحويل الغاز القطري إلى دول الاتحاد الأوروبي سيحتاج إلى مزيد من الوقت، إضافة إلى أن قدرات قطر في ظل التزاماتها تجاه الدول المستوردة للغاز في آسيا وإفريقيا، ستظل بحدود تعويض جزئي لحاجة تلك الدول من الغاز الروسي.

لكن يمكن لدول أخرى منتجة للغاز إلى جانب قطر، مثل الجزائر ومصر، أن تساهم في تقليل اعتماد الأوروبيين على الغاز الروسي وسد جزء من حاجتهم.

كما أن دولا منتجة للنفط مثل السعودية والعراق والكويت والإمارات يمكنها المساهمة في تقليل اعتماد الأوروبيين على النفط الروسي.

وأبعد من الطاقة، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا أن تتأثر بتداعيات الحرب في مجال تجارة المواد الزراعية وإنتاج الحبوب في دول منطقة البحر الأسود.

بالإضافة إلى تأثيرات تدفق اللاجئين من منطقة الحرب إلى دول الاتحاد الأوروبي، وما يمكن أن تشكله من ضغوط على برنامج المساعدات العالمي للاجئين الذي يستفيد منه لاجئو دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتعتمد دول عربية كثيرة على استيراد القمح الروسي أو الأوكراني بالدرجة الأولى لسد حاجتها المحلية، مثل اليمن ولبنان وليبيا ومصر وتونس والجزائر، وهي في عمومها دول تعاني من أزمات معيشية قد تزيد معاناة شعوبها جراء ارتفاعات محتملة في أسعار القمح نتيجة قلة حجم المعروض في السوق العالمية.

وتمثل صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا نحو 30 في المئة من حجم المعروض في الأسواق العالمية، وكذلك ما يتعلق بمواد غذائية أساسية أخرى مثل الذرة والزيوت النباتية.

وتعد أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح في العالم.

وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على استيراد القمح ومعظم المواد الغذائية الأخرى في سد حاجة السكان، بينما تعد دول مثل إيران والجزائر من البلدان التي تحتل المراكز العشرة المتقدمة كأكبر دول مستوردة للقمح في العالم.

في حين تستورد مصر نحو 60 في المئة من حاجتها إلى القمح من روسيا وحوالي 30 في المئة من أوكرانيا.

وأدى التدخل الروسي في سوريا وليبيا إلى تعقيد الصراع فيهما، وتخشى دول عربية معنية بالأزمتين أن تؤدي التوترات بين موسكو والدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى تعطيل المساعي الأممية لحل الصراع سياسيا في البلدين.

 

وتحاول معظم حكومات الدول العربية عدم اتخاذ أي مواقف سياسية من الأزمة بين روسيا وأوكرانيا في مسعى منها للحفاظ على علاقات متوازنة مع الدولتين.

لكن مع استمرار التوترات بين واشنطن وموسكو حول الأزمة الأوكرانية قد تجد بعض الحكومات العربية نفسها أمام اتخاذ موقف سياسي للاختيار بين روسيا أو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

إلا أن دولا عربية مثل سوريا والسعودية والإمارات والعراق والجزائر وغيرها، ودول إقليمية مثل إيران تسعى للحفاظ على علاقاتها مع موسكو بما يعزز متطلبات حاجتها للصناعات العسكرية الروسية، والشراكة مع روسيا في ما يتعلق بالحفاظ على أسعار النفط في السوق العالمية بما يخدم الدول المنتجة له، إضافة إلى تعزيز نفوذها الدبلوماسي في مواجهة الولايات المتحدة بالنسبة لكل من سوريا وإيران.

تبدو الساعات القليلة القادمة حاسمة، لا على صعيد الحدود الروسية الأوكرانية فحسب، وإنما بالنسبة للأمن والسلم العالميين دفعة واحدة.

من جانب يبدو الإعلام الأمريكي مدفوعا بقوة قسرية تجعله بوقا للحرب، ينذر ويحذر بالثبور وعظائم الأمور، فيما الوضع الداخلي في روسيا هادئ تماما، فالجميع مشغول بتنسيق الحدائق والاستعداد لأعياد المرأة والربيع، ومن غير توقع أو هواجس للحرب .

إنسانيا تبدو مسألة قيام الروس بشن حرب على أوكرانيا غير منطقية من وجهة نظر سيسيولوجية، لا سيما أن نصف الأوكرانيين هم في الأصل روس، فيما النصف الآخر متزوج من روسيات، الأمر الذي يعني أن الحرب ستدور بين إخوة وأقرباء وأنسباء .

لم يكن لبوتين إشكالية ما مع الأوكران من قبل، وإنما الدافع الرئيس الذي سيجعل الرصاصة الروسية الأولى ستنطلق ، هو الدفاع عن الشعب الروسي ، إذ لا يمكن عقلا أو عدلا قبول حوائط صواريخ متوسطة أو قصيرة المدى في كييف لتطال بصورة أو بأخرى المدن الروسية .

من بين المراقبين للمشهد المحتقن والمحتدم معا ، من يرى أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة لدفع الروس إلى حرب لا يريدونها، والهدف من وراء ذلك محاولة وقف النمو الروسي المتصاعد على أكثر من صعيد، اقتصاديا وماليا، وقد تجاوزت الاحتياطيات المالية الروسية الستمائة مليار دولار ، عطفا عن استعداد الروس لأية عقوبات اقتصادية يفكر الغرب في فرضها عليهم.

فيما جانب آخر من المشهد موصول بقطع الطريق على الثورة التسليحية العسكرية التي تعيشها روسيا ، تلك التي أفرزت في العقدين الأخيرين أسلحة جهنمية كفيلة بأن تجعل واشنطن تعيد التفكير مرة بل ومرات قبل أن تقرر مواجهة روسيا عسكريا.

ولعل المتابع لتصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، جون كيربي ، يوقن بأن جنود أمريكا لن يخوضوا حربا نيابة عن الأوكرانيين، ما يدلل على أن هناك خطة ما وراء الموقف الأمريكي الغامض.

كان من الغريب والعجيب أن نستمع خلال الساعات القليلة المنصرمة لتصريح من الرئيس الأوكراني زيلينسكي، والذي يبدو أنه اكتشف حقيقة الدعم الأمريكي والأوربي، ذاك الذي لا يتجاوز فكرة دفع بلاده إلى حرب بالوكالة مع الروس، سيما وأن الأمر لن يكلف واشنطن وبروكسيل سوى بضع شحنات من الأسلحة المكدسة في المخازن.

روسيا إذن تبدو مدفوعة في طريق حرب بالوكالة، حرب لا تريدها، بل يريدها الغرب بأي ثمن، والعهدة على القائل، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا.

ما الذي يدفع الولايات المتحدة الأمريكية في طريق زج روسيا في حرب مع أوكرانيا؟

يحتاج المشهد إلى المزيد من التدقيق في التحليل، لا سيما أن هناك أكثر من سبب، والبداية من عند تحديد الهدف الرئيس والند الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ليس روسيا بل الصين، وعليه يمكن القول إن القصد الأكبر من تلك الحرب مع أوكرانيا، هو تحييد روسيا ، أو بدقة أكثر إلهاءها في حروب فرعية جانبية ، وفي مناوشات مع جيرانها من الجمهوريات الروسية السابقة، كما الحال مع جورجيا من قبل، وهو مشهد يمتد إلى طاجيكستان وأوزباكستان ، وما شابه من مواقع ومواضع مرشحة لدفع الجنود الروس للتدخل ولو على عجل والعودة من جديد إلى المركز بعد أن تنطفئ نيران المعارك.

 

قبل بضعة أعوام صرح الرئيس بوتين بأن بلاده لن تلعب دور رجال الإطفاء للحرائق ، ومن الواضح أنه فهم الدرس جيدا ، إنها الحرائق التي تشعلها واشنطن بنوع خاص بهدف دفعه للارتماء فيها، وهذا ما حدث في سوريا، وإن كانت هذه لها خصوصية قائمة بعينها، سيما أنها الموقع والموضع الوحيد المتبقي للروس على مياه البحر المتوسط، المياه الدافئة، حلم بطرس الأكبر وكاترينا العظيمة منذ زمان وزمانيين.

ما يخطط له الجانب الأمريكي يدركه الكثيرون ، فالهدف من خلال المواجهة مع أوكرانيا، تحييد موسكو عن أي تحالف قائم أو قادم مع الصين ، وقد رصدت عيون السياسيين والاستخباريين في واشنطن أن هناك تحالفا جديدا يطفو على السطح بين الجانبين الروسي والصيني، وحال إشغال الروس ستضحى الصين بمفردها في الميدان، وعليه فإنه إن قلنا إن روسيا هي الهدف التكتيكي، فإن الصين تبقى الهدف الاستراتيجي، وهذه جزئية في حاجة إلى قراءة قادمة قائمة بذاتها.

هل دفع روسيا للدخول في مواجهة مع أوكرانيا له علاقة بأوربا؟

بعيدا عن أن أوربا في مأزق حقيقي من جراء أي مواجهة عسكرية مسلحة مع روسيا، عطفا على أزمتها الأكبر حال قرر القيصر بوتين غلق صنابير الغاز عن القارة الباردة، فإن هناك بعدا لا تراه إلا أعين الخبراء .

لاحظ الأمريكيون أن هناك انقساما في الفكر الأوربي تجاه البقاء مرة وإلى الأبد في فلك الناتو ، لا سيما من قبل فرنسا التي اقترح رئيسها ماكرون إنشاء قوة مسلحة أو جيش أوربي مستقل، ومن جانب ألمانيا التي ترى مصلحة استراتيجية لها في خط الغاز الشهير ” نورث ستريم 2″، إضافة إلى إرهاصات التعاون الأوراسي ، ما بين الأوربيين والروس .

هذه الأفكار تزعج العم سام أيما إزعاج، وتجعله يحاول جاهدا وضع العصا في الدولايب الروس- الأوربية ، وهو ما يحدث حاليا.

على أن بعضا من أصل المشكل في مشهد الصراع الجاري موصول بالنخبة الأمريكية الحاكمة اليوم، والتي كانت صغيرة العمر قبل ثلاثة عقود، أي حين إنهار الاتحاد السوفيتي، ويبدو أنها لا تزال تعيش تحت وقع الانتصار الأمريكي الريجاني، ومن غير تقدير لتغير الأوضاع وتبدل الطباع، والنظر لروسيا نظرة مغايرة، نظرة لا ترى فيها دولة ضعيفة إلى المنتهى، وليس من حقها أن تدافع عن مصالحها الحيوية وسلامة ترابها الوطني.

آفة الولايات المتحدة الأمريكية هي النسيان.