23 ديسمبر، 2024 8:28 ص

كيف يمدح د.علي حرب (الجاهلية)؟

كيف يمدح د.علي حرب (الجاهلية)؟

عندما يقارن الانسان الحاضر بالماضي، ثَمَة اسئلة تطرح نفسها عليه و هو واقف أمامها مشكوكا و متحيرا، فيسأل” هل كان ماضينا أفضل من الحاضر؟ أم الحاضر هو زمننا الجميل؟ هل حقا كان الماضي ظلام؟ و الحنين للماضي هو وحده يجعلنا ان ننسى ظلامه و نمدحه بصفات محمودة؟ بقي السؤال اللآخر، جدير بالتأمل و هو أ نسألَ لِماذا نَقِيسُ سَعادتُنا بمقياسِ الزمنِ؟ بحيثُ لا نَقتَنَع بفكرة أن كل ساعة لها جمالُها و قُبحُها، ولكلِ عصرمِن عصور فَضائلُهُ و رذائيلُهُ، رُبَما يَرفُضُ بَعض هذِهِ التفسيرات وَلا يقتنع بِها، هُناكَ مِنهُم مَن يَقوُل أنَ المَجدَ كانَ فِي الماضي و ما كَسَبَتها البَشَرية من القيَم الانسانية و المَثَل العُليا كان من فَضل الماضي و هي من مُنجزات العصور الماضية، وفي نظر هؤلاء الحاضر ليسَ فيه شيء الا تَفَسُخ تلك القيَم و المُنجَزاتِ.
هذه النظرة التشاؤمية ليست حصرا بين عامة الناس و انما تتسع حدودها الى ان تصل الى مجال الفكر و العلوم الانسانية، ثمة عدة النظريات التى لا تبشر الخير في مستقبل بالبشرية، وبعض منها ليست الدينية وانما هي نظريات الحادية بحتة.
في المقابل هناك من يرفض هذه النظرات الى الماضي، ويقول ان الحاضر فيه التقدم و فيه احترام الانسان، وان الماضي كان عبودية و تخلفا، لا خير فيه، والآن الانسان يعيش في الترف و السعادة و الزمن الحاضر الذي اتى بعد النهضة و التنوير و الثورتَي الصناعية و الفرنسية و اقرار لائحة حقوق الانسان، هو زمن الذي كان يتمناه الانسان طوال العصور القديمة.
كلامنا بصدد علي حرب، وهو ينتمى الى الفئة الاولى من المفكرين، أي أنه عندما يقارن بين الماضي والحاضر في حياة العرب يجد ان الماضى كان افضل، خصوصا من الناحية الانسانية، ويجب التوضيح اننا ذي مقالتنا هذه، لا نقص فكر على حرب برمته، وانما نركز على مقالة واحدة، التي تتضمن فكرة القائلة” ان الانسان المتحضر يصدر في سلوكه بربرية لا سابق لها”. 
هذه هي الفكرة التى يكتب عنها المفكر العربي د.علي حرب في مقالة معنون ” الوجه الاخر” و هذة المقالة منشورة ضمن كتابه”اسئلة الحقيقة و رهانات الفكر”في هذه المقالة د.علي حرب يقارن بين اربع الثنائيات المتضادة من المطصلحات منها(المتحضر/البدائي)، (الجاهلي وغير الجاهلي)(لبناني و غير لبناني)(الشقيق و المنشق) نحن هذه المقالة نركز على الثنائيتين اثنتينن و نترك الباقي. و نظهر الصورة التى رسمها علي حرب للمتحضر والبدائي و للجاهلي و غير الجاهلي.
يجب ان نعرف ان المتحضر عند علي حرب هو الغربي بوجه خاص، ويقصد البلدان المتطورة و الغنية، و البدائي هو الذي يعيش في الشرق أو في مكان كان يسمى في القرن الماضي بالعالم الثالث، والاول يريد مساعدة الثاني و يعطيه من وارداته الفائضة، ولكن ليس على الاساس المودة و الرحمة و انما على اساس المصالح، و يقول د.علي حرب” العلاقات بين الدول و الشعوب لاتبنى على الفضائل ولاهي تصدر عن القيم السامية يل تمليها المصالح، ويحكمها المبدأ اياه: نعني تنازع البقاء، تبعا لهذا المبدأ الفوز هو، دوما للأقوى”.
ويأخذ علي حرب قيمة الانسان كمقياس لاظهار الفرق بين المتحضر/البدائي، وبين الجاهلي/ غير الجاهلي، من حيث احترام الانسان أو عدم احترامه، لذلك نلاحظ ان يتكلم عن القتلن وهو الجريمة تمارس يوميا في عالمنا المتحضر، ويقول د.علي حرب” واذا كان المتحضر يصف البدائي بالهمجية، لعدوانيه وميله الدائم ال ممارسة العنف و شن الحرب، فأن البدائي لم يكن يقتل الاخر الا وهو في سورة غضبه ودروة اهتياجه، اما المتحضر فأنه يقتل بعد رؤية وتقرير، بكل هدوء، مقنعا بشعاراتهن متواريا خلف مبادئهن والبدائي، اذ قتلن فأنه يكون أقل وعيا بذاته، وسيطرة على نفسه، وأقرب في حاله من حالة الطبيعة و الفطرة، بينما المتحضر يفلسف القتل و يخطط له”.
  اذن ان الفرق بين قتل الانسان في الماضي وقتله في الحاضر يبين في تفكير القاتل، وتقنية قتل الاخرين، علي حرب يقول” البدائي الوحشي يقتل و يصرخ مذعورا هائجا، أما المتحضر، فأنه يقتل بضغطه  على زر من الأزرار في غرفة أمنة، او ترصده شخصا بريئا امينا، يمر في شارع، لقنصه من حيث لايتوقع. هكذا، يمارس المعاصر القتل، بكل هدوء وصمت، ولكنه هدوؤ مفزع يرين على قلوب  اقسى من الجلمد، ويتستر على نفوس موحشة كالبراري، وأما صمت فأنه ملغوم بكبت موغل، يرقى بزمنه الى بدء الذاكرة والحضارة، أنه صمت رهيب يتحدث بلغة سادية، فاشية، عنصرية هي لغة البربرية الحالية، لغة القتل للقتل، أو القتل المجاني، بل التلذذ بالقتل، نعمة ثمة تقدم هائيل على التصنيع  والتقنية، في مجال المعلومات والبرمجة، ولكن مقابل تقهقر في الخلق والثقافة، وتلويث لبيئةالارض”.
وبعد ذلك يأتي د.علي حرب الى الحديث عن الجاهلية، كما نعرف ان الفترة الجاهليية يتغير مفهومها حسب المجالات التي تتناولها، و لانقصد هنا الجاهلية التى عرفها الدين الاسلامي، و لا نقصدها الفترة الادبية التى بحث عنها مؤرخو الادب العربي، التى يسمى بالعصر الجاهلي و هذا العصر له نصوص شعرية يعتز بها من يقرأها، أنما نقصده تلك الفترة الاجتماعية والسياسية التى تعتبر ماضيا للعرب، لذلك يستعمل د.علي حرب الجاهلي مقابلا لغير الجاهلي. غير الجاهلي هو انسان الذي يعيش في هذا العصر من مفترض انه تجاوز الصفات التي يعتبرها صفات اهل الجاهلية، ولكن نفسه عنده صفات نفسها ولكن لايدرك بها، انه الجاهلي من المضمون،مع ذلك يذم الجاهلية و صفاتها، وهذا ما يقوله د. علي حرب”عندما يحاول بعضنا تفسير مايجري بين ظهرانينا من تنابذ و اقتتال و توحش، فهو يعزو ذلك الى جاهلية يرى أنها ماتزال تجري من عروقنا هكذا فنحن نرد ما نتردي فيه من ظلم وظلامة، او جهل، وجهالة، الى طور قديم من أطوارنا الى جاهلية نظنها جهلاء. ولكننا قد نظلم، بذلك، الجاهلية ولأهلها، فللمسألة وجهها الاخر، أذا ما نظرنا اليها بعين الانصاف الذي اتصف به اهل الجاهلية أنفسهم، أذ الجاهلية ليست زمننا الرديء، ولا هي طور بائد من اطوار حياتنا يقف وراءنا، لعلها زمننا الاجمل، وألافق الذي نطمع في بلوغه أبدا”.
وفي النتيجة ان الفرق الموجود بين الجاهلية وبين الحاضر هو فرق سلبي، اي ان بعض القيم كانت موجودة في الماضي لانجدها في الحاضر، خصوصا في العالم الاسلامي و العربي، ربما نتفهم رأي علي حرب اذا وقفنا عند ظاهرة الارهاب، وقارننا هذه الظاهرة مع الحرب، نجد ان الارهاب لا قيم فيه و في حين ان الحرب كانت لها قواعدها لذلك كان المفكرون يفرقون بين الحرب العادلة و غير العادلة، وفي الحرب، كان المكان و الزمان محدودين، وكان مقاتلون يفرقون بين الاعداء و الابرياء، ولكن الارهاب الذي هو اخطر نوع القتال في الحاضر، لا يفرق بين الاعداء والابرياء و حتى العدو عندهم هو مجهول، لأنهم لا يعرفون يقاتلون مع اي نوع من الاعداء، يضيف الى ذلك د.علي حرب ويقول”وأذا كنا نصف الجاهلية، اليوم، بما نصفه بها من الاوصاف المذمومة، التى هي أوصافنا نحن، لكون الجاهليين يقتتلون ويتعصبون، فنحن نمارس ذلك وفي أسوأ مظاهره، ولكن مع فارق  جوهري بين سلوكنا وسلوك الجاهلي، لاينبغي تجاهلهن مادمنا نذم الجهل و أهله، كان للحرب الجاهلية قواعدها، بل فضائلها، بدليل أن  الجاهليين كانوا يقتصدون في ممارسة العنف، كي لا يفنوا بعضم بعضا، ولهذا، كانوا لا يقتتلون في الاشهر الحرم، كما كانوا يحرمون القتال في أماكن لها عندهم خرمتها و قدسيتها، أما نحن، غير الجاهليين، فلا نراعي، في  قتالنا، حرمة لشخص، ولا لمكان ولقيمة أو قاعدة، بل تجدنا، نقتتل في شهر، وهو عندنا شهر الهداية والفضيلة”.

[email protected]