إنّ النضج العقلي ، لم يكن بالضرورة مقترناً بالتعلم و القراءة ، إنما يمتد الى حصيلة تجارب ، وبلورة لمفاهيم فكرية ، قد تتدفق وتجتاز الجانب السطحي للوعي ، لتصل الى فيض من المدارك التي ترتكز على المعارف الحياتية ، وأنماطها الفلسفية ، ولذلك فان الصدمات الفكرية لاتخلو من الآثار الايجابية ، حينما تجعلنا نعيد النظر بمجريات حركتنا ، فنحصل حينئذ بسببها ، على نقلة نوعية ، تزداد ثراءاً كلما كانت الصدمات قاسية ، فتزدان تطلعاتناعنفوانا وتسمو أهدافنا رفعة وشموخا ، وقد تُغير مسار حياتنا كلياً ، فتجعلها تأبى الرضوخ الى صغائر الامور ، لتنظر الى الافق البعيد الذي قد يعجز الاخرون من إستيعاب أبعاده.
إن بلدنا العراق سيبقى هكذا بل يسوء أكثر إذا لم نعالج بعض الظواهر ونقتلع بعض السلبيات ونعيد النظر في بعض القناعات لانها هي التي تعتبر موانع من التحرك الى الامام ، والأخطر من ذلك أن جهاتاً متنفذة بواجهات دينية واجتماعية هي التي تحاول الإبقاء على تلك الظواهر والسلبيات والقناعات وتستقتل في تكريس مفاهيمها وترسيخ مضامينها تحقيقاً لمطامعها وهنا برزت نقطة ثانية وهي وجوب إجتثاث هذه الجهات التي تحاول تكريس وترسيخ الواقع السيء من خلال تحييدنا لدورها وكشف حقيقتها وفضح سلوكياتها وطبيعة عقليتها وسطحية تفكيرها لذا يقتضي العمل بمنظور علمي للانقضاض على ترّهاتهم وانتشال المجتمع المغلوب على أمره.
وكلنا يعلم أن السياسة التي أطبقت بظلالها وكاهلها وثقلها علينا هي نتاج لتلك العقليات المُهيمنة وماتبثه من سموم في أذهان الرعية ، فان إنطلقت ذهنية المجتمع المُقيد بالجهالات والخرافات والبدع والاساطير وتحررت من الأراجيف حينها ستجد السياسة نفسها مُلزَمة للرجوع الى الطريق الصحيح وسلوك المسار الصائب فتصحح إتجاهاتها وتمضي نحو الاهداف السليمة من أجل أن يكون هنالك حِراكاً واعياً وهادفاً لتحريك الماء الراكد في عقولنا وضمائرنا ومشاعرنا وإلهاب جذوة الحس الانساني والوطني عند الجميع تبعث فينا يقظة للاسراع في إنتشال المجتمع مما إعتراه من حيفٍ وتقصير وإنقاذ المنظومة الأخلاقية والقيمية مما أصابها من إهمال.