الخطابة أو التبليغ مهمة مقدسة لا يقوم بها إلا من كانت فيه صفات فريدة ومتكاملة حتى يكون أهلاً لهذه الوظيفة الربانية التي يقوم بها الأنبياء والرسل والأوصياء والعلماء الربانيين قال الله سبحانه وتعالى (يا ايها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) وقال الله سبحانه وتعالى ( يا ايها النبي إنا ارسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً) ، ولأهمية التبليغ في نشر التعاليم الإلهية ولرفع الإنسان الى المستويات الراقية في تزكية النفس و التفكير والأخلاق والعمل من أجل بناء مجتمعاً سعيداً في الدنيا والآخرة فقد أوجبها الشارع المقدس وجوباً كفائياً قال الله سبحانه وتعالى ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نَفًرَ من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) قال أمير المؤمنين عليه السلام (ما آخذ الله ميثاقاً من أهل الجهل بطلب تبيان العلم حتى آخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم للجهّال لأن العلم قبل الجهل) ، ولأهمية وخطورة وشرف الهدف الذي يُراد من مهمة التبليغ أو الخطابة فقد أكتسب الخطيب أو المُبلغ هذا الشرف الكبير والمنزلة العظيمة في الشارع المقدس وما بين الناس ، ولكي تكون مهمة الخطيب أو المبلغ سهلة في إيصال المعلومة للناس وهدايتهم لطريق الهدى والحق طريق محمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين عليه أن يكون قريباً من الناس ومقبولاً لديهم حتى يقبلوا على خطبه وإرشاداته وكلماته وهنا يتحقق الهدف من التبليغ والخطبة .
ومن أهم عوامل هذا القبول والالتفاف حول الخطيب أو المبلغ :
1: أن يكون الخطيب ممثلاً حقيقياً للمُبلغ الحقيقي وهو رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) والأئمة المعصومين (سلام الله عليهم أجمعين) قولاً وفعلاً ودينا وهيئةً وملبسا.
2: أن يكون مطبقاً قولاً وفعلاً لمجمل ما يطرحه من إرشادات وأراء وعظة وأوامر ونواهي ، حتى تكون كلماته خارج من القلب لأنه يكون مؤمن بها فتدخل القلوب بسهولة لأن المتكلم عندما يتكلم عن شيء هو عامله يظهر ذلك على حركاته وكلماته وانفعالاته وهذه العناصر جميعها تكون مؤثرة جداً على القلوب قبل الآذان (كل ما يخرج من القلب يدخل الى القلب) ، ولا يكون مصداق قول الله سبحانه وتعالى (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) وحتى يكون الخطيب أو المبلغ علوياً قولا وفعلا ، وهذا هو أهم عامل لقبول الناس للخطيب والإقبال عليه .
3: طرح ما يحتاجه ويريده الناس من قضايا إن كانت عقائدية أو فقهية أو أخلاقية أو اجتماعية ، لأن الناس (المشتري) وصاحب المحل (المبلغ أو الخطيب) وصاحب المحل يأتي بالبضاعة التي يريدها المشتري لأنه هو الذي يدفع (من وقته وراحته وكبرياءه) لكي يشتريها ، والتاجر الحقيقي يعرف كيف يصرف بضاعته التي يريد بيعها هو للمشتري ويرغبه بها ( طبعاً هنا نتكلم عن التجارة الحقيقية وهي تجارة الدنيا والآخرة)
4: طرح الموضوع الذي يريد أن يبينه للناس على شكل موضوع واحد ومترابط ومتماسك بمعلوماته وأدلته اي يكون فيه مقدمة فيها تقدم المطالب ويتم مناقشة هذه المطالب حتى الوصول الى النتائج فيكون بحق بحثاً علمياً يعطي النتائج المرجوة من البحث لا معلومات متناثرة من هنا وهناك عندها يخرج المستمع ولم يعرف من الأمر شيئا ،كمن عنده مخزن صغير ويريد ترتيب فيه كمية من المواد المختلفة فإذا رتبها بالشكل الصحيح أخذت حيز مناسب من المخزن وعرف مكان مواده على الرغم من اختلافها وإذا بعثرها أخذت اضعاف المكان ولا يمكن له تميز مكانها أو معرفتها كذلك المعلومات .
5: أن تكون عنده خلفية علمية جيدة حول الموضوع الذي يريد مناقشته وطرحه على الناس ، وهذه المعلومات تؤهله أن يختار الطريقة الجيدة لشرح ومناقشة الموضوع الذي يريد طرحه بشكل وافي وشامل وسلس حتى يفهمه ويتقبله المستمعون بشكل جيد .
6: الأفضل طرح الموضوع بشكل شفهي لا مكتوباً لأن هذا أكثر تأثيراً وشداً للمستمع ويدلل على إمكانيات المتكلم العلمية .
7: حفظه للآيات الكريمة وتفاسيرها بالإضافة الى الأحاديث النبوية وأحاديث اهل البيت عليهم السلام بالإضافة للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بشكل عام وتاريخ أهل البيت عليهم السلام بشكل خاص وإطلاعه على باقي العلوم الطبيعية وعلم النفس والاجتماع والسياسية وغيرها من العلوم والمعلومات التي تجعل منه ذو ثقافة تؤهله لمناقشة مختلف المواضع بشكل وافي.
8: وقت محاضرته أن لا يتعدى أكثر من أربعين أو خمس وأربعين دقيقة وأن كان الموضوع مهماً وطويلا عليه أن يرتبه على هذا الوقت وأن يكون ملتزماً بهذا الوقت حتى لا يضجر المستمع ويعرف المستمع متى يبدأ الخطيب ومتى ينتهي حتى يرتب وقته والتزاماته.
9- إدخال النكتة عندما يحس الخطيب بتعب المستمعين أو ضجرهم لكي يخرجهم من الرتابة بعض الشيء ومن ثم عودته الى موضوعه وبحثه الأصلي .
10- أن لا يتملك الخطيب أو المبلغ الكبر والتكبر أو الرياء او التعالي بالمعلومات على المستمعين فإنها من المنفرات التي تبعد الناس عنه وعليه الجلوس مع عامة الناس والاستماع لما يشكلون أو يناقشون أو يسألون بشكل متواضع وجميل كأنه أحدهم ومنهم كما كان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) والأئمة سلام الله عليهم أجمعين يفعلون .
11- طرح المواضيع التي تحبب الناس بعضهم للبعض الآخر والابتعاد عن المواضيع التي تخالفها.
12- طرح القضايا بشكل عادل ومدعوما بالأدلة ولا تطرح اي قضية أو رأي إلا بدليل مهما كان صغر أو تفاهة القضية المطروحة
13- لم نذكر شروط الخطابة من ثقة بالنفس و لغة عربية وصوت ومقامات وأطوار وغيرها فنحن كنا نتكلم عن الخطيب الذي يمتلك تلك الشروط .
فهذه مجمل العوامل التي تقرب الناس من الخطيب وتجعلهم يلتفون حوله ويرتادون مجالسه ومحاضراته ويكون أكثر تأثيراً في المجتمع وعندها سوف يحقق الهدف مهمته وهو إرشاد وهداية الناس الى الطريق الذي يوصلهم الى السعادة الحقيقية في الدنيا والجنان في الآخرة وهو طريق محمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين.