22 نوفمبر، 2024 6:12 ص
Search
Close this search box.

كيف يصنع الفساد في دوائرنا الحكومية ؟!

كيف يصنع الفساد في دوائرنا الحكومية ؟!

كلمة ( الفساد ) يتم تداولها هذه الأيام ، فاغلب من يراجعون دوائرالدولة الحكومية يتحدثون عن الفساد ، وفي مجالس العائلات اوالأهل و الأقارب و الأصدقاء يتم التطرق إلى الفساد ولعنه هو وكلمن يمارسه ونعته بمختلف واقسي التسميات ، وفي البرامجالتلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي يتم التطرق إلى الفسادوضرورة معالجته والقضاء عليه لإبقاء دوائرنا بلا فساد او تقليلهإلى أدنى المستويات ، ولا يختلف اثنان او ثلاثة او أكثر على إنالفساد حرام ويشاركهم في هذا الرأي الأئمة والخطباء وفي خطبالجمعة والمناسبات وفي الأحاديث ، وتكاد لا تخلو دائرة من دوائرنامن ممارسة الفساد حسب رأي الكثيرين ، والبعض يدعي انه وقعضحية الفساد بحيث إن معاملته التي يمكن إن تنجز بدقائق لمتنجز إلا بأسابيع رغم تقديمه ما تتطلبه من معلومات ، كما يقولالبعض إنهم دفعوا ( أوراق ) او ( دفاتر ) لانجاز معاملاتهم تحتوطأة وسطوة الفساد والفاسدين ، ويشير البعض إن لجوء الحكومةلتأسيس مجلس أعلى لمكافحة الفساد هو اعتراف صريح بوجودوانتشار الفساد لدرجة ارتباطه بدولة رئيس مجلس الوزراء ، كما إنالهيئات المعنية كهيئة النزاهة والمفتشون العامون في الوزاراتومنظمات المجتمع المدني ترفع شعارات ولوحات إعلانات تدعواللتعاون لمكافحة الفساد ويضعون أرقاما للهواتف للإبلاغ عنالفاسدين  وهي  غالبا ما تكون مشغولة او إنها لا ترد ، والرأيالسائد إن الفساد يستشري ويزداد يوما بعد يوم كالفيروس اوالبكتيريا او الفطريات لدرجة إن البعض أصبح في حالة يأس منالقدرة على معالجة الفساد في دوائرنا الحكومية مما يشجعالبعض للبحث عن الفاسدين او وكلائهم لغرض الدفع لهم لانجازمعاملاتهم بدون تأخير وتعقيد وكأنها حالة من الاستسلام ( لاسمحالله ) ، ولا يعني الكلام الوارد في هذه المقالة إن ما يذكر ينطبق علىجميع الموظفين لأننا نقصد الجزء الفاسد منهم فحسب حيث لا تخلودوائرنا من وجود الكثير من  الخيرين والصالحين .

وهناك من يستغرب كيف ينمو الفساد في دوائرنا الحكومية ويعبركل الموانع والمعرقلات ليطال جيوب المراجعين بهذه الطرق المقرفةالتي ليس لها علاقة بالدين والأخلاق والقيم والأعراف والتقاليدوالقوانين التي تنص على إيقاع أقسى العقوبات ، ففي كل دائرةهناك وحدات تنظيمية للرقابة الداخلية ولجان للمشتريات واعتدالالأسعار لضبط العملية قبل الصرف المالي ، كما إن هناك ديوانعريق للرقابة المالية وله هيئات مشرفة للرقابة وتقويم الأداء في كلالتشكيلات ، ولكل وزارة أصبحت هناك مملكة للمفتش العام ولهمأعين واذرع في كل مكان وبعضهم يخيفون الموظفين اشد الخوف ،كما إن هناك هيئة مستقلة للنزاهة وفيها محققون وقضاةوإجراءاتهم يفترض أن ترعب قلوب المخالفين ، ناهيك عن القضاءالذي يمكن أن يلجا إليه أي مواطن للإبلاغ عن مخالفات الموظفينبمختلف الدرجات حتى إن كان بمنصب رئيس الجمهورية وخالفالقانون ( مثلا ) ، وهناك الادعاء العام الذي من واجبه  الإنابة عنالمجتمع في دفع الظلم عنه ونصرة المظلومين وإعادة الحق إلىأهلهم ومحاسبة المعتدين والمقصرين بموجب مواد القوانين ، وهذهالمنظمات عاملة وفاعلة وغير معطلة حتى وان التبس على المواطنعن مواقع الحل الصحيحة لكثرة الأجهزة الرقابية التي لم تستطيعردع الفاسدين ، ووجود هذه الأجهزة الرقابية والعقابية تزيد حيرةالمواطن وقد تسهم أحيانا في توليد الإحباط لديه ، فالبعض يقولإذا كانت كل تلك الأجهزة ( الرصينة ) موجودة فكيف يزيد الفسادبمتواليات هندسية وليست عددية ، مما يضطر بعضهم لوضعافتراضات او إحكاما قد لا تكون دقيقة في كل الحالات كأن يقولوا إنالفاسدين محميين او إن الفساد  تحول إلى حالة نظمية لدرجة إنهناك من يضع وصف ( الدولة العميقة ) كتعبير عن الفساد المنتشرفي دوائرنا الحكومية .

ورغم إن تجربة الدول الأخرى في الفساد تشير إلى إمكانيةمعالجته بالجهود المجتمعية ، إلا إن البعض في بلدنا يعمل بشكلاو بآخر على تغذية وتنمية الفساد في دوائرنا الحكومية إذ لا ننكروجوده ولكن ليس بحالة التهويل التي يروجون لها بالفعل ، ولانبالغ إذا قلنا إننا نجعل من الفاسدين ( أبطال ) ويمتلكون قدراتخارقة في تمشية المعاملات ولكنهم في اغلب الحالات هم من أكثرالجبناء جبنا بدليل إنهم يستلمون الرشاوى بالسر والخفاءويغضبون حين تلمح لهم بالدفع خوفا أن يسمع أحاديثهم أحدا ما ،واغلب الفاسدين ليسوا محميين بالفعل ولكن من يوفر لهم غطاءالحماية هو المواطن نفسه لان الموظف الفاسد لا يتجرأ أن يطلب منالمواطن شيئا إلا عندما يشعره المواطن بضعفه ، ولو حصلت حالاتتم فيها الإبلاغ عن حالات الفساد لدى الجهات الرقابية او القضائيةلقضينا على الفساد من جذوره منذ أولى اللحظات ، فبعضالمواطنين يستسهلون الحلول ولا يريدون بذل المجهودات فيبحثونعن الفاسدين ، ولان الفاسدين جبناء فإنهم يجدون لأنفسهم معقبينودلالين لكي يكونوا خارج الصورة ، ولأن التعليمات منعت المعقبينوالدلالين في التواجد بدوائرنا فقد اوجدوا لأنفسهم مخرجا بالطلبمن صاحب المعاملة أن ينظم له وكالة خاصة فيعقب ويرشي تحتغطاء القانون ، والموظف لا يمكن أن يخالف القوانين والأنظمةالمرعية لأنه يتعرض للمساءلة القانونية لذا يلجا إلى الاجتهادوالتعكز على التعليمات ولكن التعليمات من صناعته ويستخدمهالعرقلة معاملات الجمهور ، ومشكلة الكثير من المواطنين إنهم لايتظلمون او إن المدير يقف إلى جانب الموظف ، وأحيانا تجدالأجهزة الرقابية نفسها عاجزة عن وقف التجاوزات فتتجه بعضهالمجاراة الموظف وحجز حصة من إيراد الفساد فيسود الظن لدىالبعض بان السراق محميين وفي واقع الحال إنهم متضامنينوليسوا محميين ولا ينتمون للدولة العميقة لان تلك الدولة مفهومهاومضمونها أعمق وأوسع وأكثر نفعية من تلك الحالات .

إن ضيق الأبنية الحكومية وعدم قدرتها على استيعاب إعدادالمراجعين وقلة عدد الموظفين وعدم وضوح التعليمات والافتقار إلىنظم ولوائح العمل والاعتماد على العمل اليدوي واللوبيات التييشكلها الموظفين هي من ابرز أسباب الفساد ، كما إن التعمد فياعتماد وسائل الحفظ البدائية والاستعانة بالأعمال الورقية دونالالكترونية وعدم وجود شبكات للتواصل تربط الدوائر المعنيةبعضها ببعض لغرض انجاز التبادل البريدي وصحة الصدور هيمن الوسائل المتعمدة في توطين الروتين الذي يولد الفساد ، وممايفسح المجال أكثر لممارسة الفساد هو عدم التواجد الميداني لممثليالأجهزة الرقابية التي تمارس البيروقراطية بأعلى أشكالها لأنهابعيدة كل البعد عن هموم المواطن وما ينتهك من حقوقه ، وماذا لميكن المدير شريكا في الفساد وتعطى له نسب بهيئة مدفوعات نقديةاو عينية فانه غالبا ما يكون مغلوبا على أمره وعاجزا عن حلشكاوى المراجعين ، فأما أن يلجأ إلى الحلول التوفيقية او الوقوفإلى جانب الموظف لأنه لا يستطيع معاداتهم جميعا لأنهم قد ينقلبواعليه يوما ويحيكون قضية كيدية فيزيحوه ويجلبوا واحدا قادراعلى مجاراتهم بالإيجاب ويستثنى من ذلك من اشترى المنصب لانشروط التسديد تكون معلومة لمن يعنيهم الأمر ، ويستطيع الكثيرمن المواطنين إن يثبتوا بان اغلب الوزارات والجهات غير المرتبطةبوزارة من تطوير وتحديث أساليبها في القضاء على الروتينومعالجة الفساد ، فالعديد من الدوائر لم تدخل فيها أنظمةالحاسوب والاعتماد على الانترنيت وبعضها في أماكن نائية اومناطق سكنية او تجارية وليس لديها مواقف للسيارات ، وبعضهاتشكو من قلة عدد الموظفين لقلة التعيينات وفي حالة حصولتعيينات فان حصصها هي لذوي الكفاءات والقدرات المنخفضةلأنهم تعينوا بالاستثناءات او الوساطة او بدفع الأتاوى والرشوة .

إن الفساد الإداري بمعناه الأكاديمي هو عبارة عن عملية يتم منخلالها حرف الجهاز الإداري عن أهدافه الحقيقية من خلال مخالفةالقوانين والأنظمة والتعليمات بشكل يجعل ممارسيه عرضةللمحاسبة بموجب التشريعات ، واغلب الفساد المنتشر في الدوائرالتي يتم فيها الفساد تخرج عن هذا التعريف من خلال قيام الموظفبالاجتهاد في النصوص او التشدد فيها لتحقيق منافع شخصية ،والسبب في هذا الاجتهاد هو عدم وجود نصوص مكتوبة ومعلنةتحدد مهام وواجبات الموظفين تحريريا وتحدد مراحل انجازالمعاملات وما تتطلبه من متطلبات ، لذا فان أول من يتحملمسؤولية الفساد ليس الموظف بل الإدارة والأجهزة الرقابية لأنه منالواجب الحرص على عدم السماح باجتهاد الموظف سلبا او إيجاب، وكما هو معلوم فان تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات يحتاجإلى أدوات ووسائل لتبسيط الإجراءات وضمان حقوق الدائرةوتيسير معاملات الجمهور كأنظمة المعلومات ووسائل التواصوالاتصالات وليس الاعتماد على المعتمدين والسعاة ، ناهيك عنالحاجة الماسة لتوفير المكاتب المعاصرة التي تناسب مراحل انجازوانسيابية المعاملات وليس حشر الموظفين في مكاتب تشغل أوقاتهافي تناول الأطعمة وتبادل الاتصالات خارج مهام الدائرة علىحساب وقت المراجعين ، او غلق شبابيك أمين الصندوق والجبايةفي منتصف الدوام والتوقف عن العمل قبل نهاية الدوام بساعتينوالتعامل الخشن مع المراجعين بسبب انعدام المكاتب المريحةووسائل التكييف وعدم وجود أماكن لراحة وخدمة المراجعينوالتعامل معهم كمواطنين صالحين يراجعون لدفع ما عليهم منضرائب او تثبيت مواقف رسمية منعا للتجاوزات ، ولان الموضوعأوسع مما يتصوره البعض فان من واجب الدولة أن تولي اهتمامابأجهزتها الحكومية لأنها تشل مصدرا للإيرادات ووسيلة لتعزيزالمواطنة الصالحة ، ولكونها بحاجة ماسة للتحسينات فالقضية لهاعلاقة مباشرة بالفساد لان هناك عوامل مهملة هي من تصنع وتنتجالفساد وينطبق عليها الوصف ( صنع في الدوائر والوزارات ) . 

أحدث المقالات