6 أبريل، 2024 8:03 م
Search
Close this search box.

كيف يستطيع القائد السياسي الحقيقي من النأي ببلاده عن الصراعات والنزاعات ؟!؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

كيف يستطيع القائد السياسي الحقيقي من النأي ببلاده عن الصراعات والنزاعات رغم دخوله بالكثير من التحالفات والمعاهدات سارة الاصدقاء والابتعاد عن كسب الاعداء وكتطبيق هنالك امور كثيرة؟؟؟

ما بين سياسة الشد والجذب التي بدأت تتضح معالمها على الساحة السياسية العراقية يتأمل الكثير من العراقيين ان هناك تغييرا حقيقيا سيحدث خلال الفترة القادمة ،وكعادتنا نحن في العراق غالبا ما تنقسم الى قسمين قسم يؤيد الحدث وآخر يعارضه ولكن في هذه المرة ظهرت عدة قوى لربما كانت خاملة وفي فترة سبات ولكنها ظهرت وبشكل جلي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فكثرة الفيديوهات التي تبث على هذه الوسائل -التي باتت هي الصحافة المقروءة والمسموعة – نسمع من خلالها الكثير من القسم الثالث الذي بدا نشيطا ومتوثب للانقضاض على العملية السياسية وطرح نفسه كبديل عما هو موجود ،ولكن هذا البديل ايضا غير مرغوب فيه لتجربته السابقة في الحكم ومفاهيمه السياسية التي خبرناها خلال عقود من الزمن التي اطاحت بأحلام العراقيين بالعيش الهانئ والكريم .

ان صعود الكاظمي لرئاسة الوزراء لم يكن وليد الصدفة كما حدث في المرات السابقة ،فالمتتبع للعملية السياسية وطريقة اختيار المرشح للفترة الانتقالية لم يكن تقليديا حيث تم ترشيح الكثير من الاسماء في سبيل ازاحة السيد الكاظمي كمرشح جاهز ولكن موقف رئيس الجمهورية كان واضحا وثابتا منذ البداية حول الاسماء التي تم ترشيحها فهو قد رفض كل الاسماء التي يعتقد انها موالية لإيران. فمنذ البداية كانت الانظار تتجه نحو الكاظمي كمرشح وسط للاحزاب يمثل مطالب المتظاهرين ،ولكن الخلاف الذي اثارته قيادات حزب الله واتهامهم الصريح للسيد الكاظمي في الكثير من القضايا ومنها اغتيال سليماني جعل رئيس الجمهورية (برهم صالح ) يتريث بطرح اسمه ومن ثم مجيء شمخاني كوسيط بين الاطراف الشيعية واجراء المصالحة بين الكاظمي وبقية القيادات التي اتهمته بمقتل سليماني .

ان خطة السيد برهم صالح بطرح اسماء اكثر خطورة من الكاظمي اثار حفيظة الكتل الشيعية الاسلامية منها والعلمانية –اذا حسبنا السيد اياد علاوي على الكتل الشيعية –فشخص مثل محمد توفيق علاوي اكتسب خبرة في ادارة الدولة من خلال استيزاره لمرتين واطلاعه على اللعبة السياسية بكل تفاصيلها كان خطرا ومجازفة لم تكن الاحزاب الكردية والسنية والشيعية لتقبل به فهو على ثقة بأنهم سيرفضونه لأسباب لم يسعنا المقام في ذكرها، وكذلك المرشح الثاني الذي بدا اكثر خطورة من المرشح الاول لسببين الاول هو قوته كمرشح ومعرفته بالأخذ بأسباب النجاح في ادارة امور الدولة من خلال طرحه مشروع اقتصادي واعد ومتكامل وسهولة تطبيقه، والثاني هو كونه محسوب على الطرف الامريكي وجرأته في تنفيذ القانون ،وهذا ما ارعب الكثير من الاطراف السياسية ليس الشيعية فقط انما الكردية والسنية فالجميع في مركب واحد ،ومن ثم استمر مسلسل الترشيح يتساقط امام رفض صالح لمرشحي الاحزاب الشيعية حتى اعادوا الكرّة على ترشيح الكاظمي ،فهو لم يترك لهم الخيار في ذلك ووضعهم في زاوية على طريقة (تريد ارنب تأخذ ارنب تريد غزال تأخذ ارنب ) .وعليه يتضح ان الكاظمي كان مرشح صالح القوي منذ البداية وفرضه على الاحزاب الشيعية ،كما ان الاحزاب الشيعية اتهمت في وقت سابق على لسان (قيس الخزعلي) احدى الرئاسات الثلاثة بالانقلاب على العملية السياسية وهذا يعني انهم على معرفة تامة بما سيحصل ،وحاولوا بشتى الطرق ابعاد الكاظمي عن المسرح السياسي دون جدوى فصالح قد فرض الكاظمي عليهم بالقوة وهذا امر يجب الاعتراف به . ومن يفرض مرشحه على جميع الكتل يعني انه ممسك بخيوط اللعبة جميعها وانه هو الحاكم الفعلي للبلاد دون منازع .

ان هذه القوة التي تصرف بها برهم صالح لم تأتي من فراغ ولا من خلال اعتماده على التحالف الكردستاني ومساندته له فالتحالف الكردستاني حاول اسقاطه عدة مرات ولكنه نجح في كبح جماح الاحزاب الكردية وتهدئتها، لقد تحرك الرئيس بدعم امريكي مطلق وتم ذلك عند لقاءه الرئيس الامريكي الاخير في دافوس وحصوله على تطمينات كافية لقيادة المرحلة القادمة للتغيير الناعم في العراق , اذن اختيار الرئيس برهم صالح للكاظمي هو بداية لمرحلة جديدة ليشكل هذا الثنائي المتناغم بالتوجهات محورا جديدا لقيادتها ،ومن ضمن اولويات هذه المرحلة هي عملية قلب الطاولة على جميع الاحزاب ،وستصبح الموالية منها لإيران وخصوصا الاحزاب الشيعية هي الحلقة الاضعف لصعوبة تحول ولائها بنفس السلاسة التي تتمكن فيها الاحزاب الكردية والسنية من التنصل عن التزاماتها تجاه ايران وقد تتسبب هذه العملية في ازاحة السلطة التنفيذية من يد الاحزاب الشيعية الحالية ولكنها سوف لن تذهب بعيدا فالشارع الشيعي معروف بحراكه الوطني وسينتج احزابا اكثر وطنية وولاءً للعراق فهم من يقود الحراك منذ اكتوبر 2019 وهم من اسقط حكومة عبد المهدي بعد ان قدموا اكثر من 1000 شهيد وثلاثون الف جريح منهم 6000 اعاقة دائمة .

الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي-في العاشر من حزيران وكما هو مقرر انطلق وعبر دائرة مغلقة الحوار العراقي الامريكي وهذا كان مجرد اعادة النظر بالعلاقات الامريكية العراقي وكان الجانب الامريكي قد اعد سلفا قائمة بما مطلوب من الجانب العراقي تنفيذه خلال المرحلة القادمة , لقد ركز الجانب الامريكي في الحوار على عدة مواضيع والاهم منها كان قضية انهاء التواجد الايراني في العراق وبأسرع وقت ممكن وبخلافه سيبقى العراق دولة معاقة سياسيا غير قادرة على النهوض بمتطلبات شعبها ووعد الامريكان في حالة تنفيذ ما مطلوب من الحكومة العراقية تقديم المساعدات الامنية و الاقتصادية والاستشارية في الجانب الاقتصادي والفني ،هكذا انتهى الحوار الامريكي بنقاط واملاءات امريكية على الحكومة العراقية تنفيذها ،وتم التمهيد للقاء ثان في واشطن اثناء زيارة الكاظمي المرتقبة لها,من جانب اخر دعت ايران الاحزاب الموالية لها للاجتماع في طهران لإعادة ترتيب اوراق اللعبة والتي بدت واضحة ان الخسارة التي ستمنى بها ستكون كبيرة فالخلافات التي عصفت في البيت الشيعي بعد مقتل سليماني كانت مؤثرة حيث لم يتمكن قااني من ملئ الفراغ الذي سببه مقتل سليماني والمهندس ،لم يرشح عن الاجتماع أي شيء الذي عقد وسط تكهنات كثيرة منها قيام الاحزاب الشيعية بإقامة تحالف برلماني لغرض اسقاط حكومة الكاظمي وستجد من يستمع لها في الجانب الكردي ،ولكن تبقى المفاجآت السياسية الغير متوقعة هي التي تحسم المواقف .

كثير من القادة السياسيين يحاولون النأي بدولهم عن التحالفات والتمحورات الدولية، متذرعين بالمحافظة على مصلحة البلد وعدم خسارة الأصدقاء، والابتعاد عن كسب الأعداء. وهذه الفكرة بحد ذاتها قد تكون مقبولة، لكن على أرض الواقع، فإن الأمر مختلف إلى حد كبير فمنذ القدم، وأمام ضعف الإنسان في مواجهة المخاطر وبأس الأعداء، لجأ إلى التحالف مع الغير لردع الآخرين واخافتهم، أو الدخول في الحرب ضدهم، وهو نوع من السياسة، يعمل المتصدي لها إلى الموازنة بين ما يكسبه وما يفقده بسبب تحالفه، كعملية تقوم على المنطق وحصافة الرأي وبعد النظر الصائب. وإلا فإن الوقوف على التل ومسك العصا من المنتصف، في أغلب الأحيان، ما هي إلا ضياع بين أقدام المتصارعين وتلقي الضرب بنفس العصا وقد يكون خير تجسيد للموضوع، تصريحات رئيس الوزراء العراقي الجديد حول إبعاد العراق عن سياسة المحاور وعدم جره إلى الصراع القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ولا اعلم كيف ينأى العراق بنفسه عن صراع جله سيكون على أراضيه لكن أن تتمحور شيء، وأن تكون عصا بيد غيرك لضرب الآخرين شيء آخر، ويبدو أن أوكرانيا ارتضت القيام بدور العصا الغليظة لضرب روسيا، أو سكين خاصرة للدب الكبير، في ظل ضبابية كبيرة تلف المكاسب التي قد تحصل عليها، جراء الدور الذي تقوم به ضد هذا الدب، الذي يمكث على حدودها الغربية لأبد الدهر وأول ضربة وجهت لروسيا بواسطة العصا الأوكرانية، كان نتيجتها كسر جزء من تلك العصا، تمثل بفقدان أحد أهم المواقع الاستراتيجية الأوكرانية، حيا، وهو ثمن كبير، لا تساويه جميع المكاسب التي يمكن تحقيقها بالتحالف مع الغرب ضد روسيا، فما قيمة الإنضمام للاتحاد الأوروبي، أمام خسارة تلك الجزيرة العظيمة، التي تضم رفات مختلف الجنود الطامعين لاحتلالها إبان العهد العثماني، نظرا لأهميتها الاستراتيجية فإن تلعب مع الكبار، ولم تكن بحجمهم، عليك حينئذ، وعلى الأقل، أن تكون بحجم اللعبة، وإلا فإنك عبارة عن هراوة تستخدم في الضرب، ليتم رميك بعد إنتهاء القتال. فعندما يتصالح الخصوم، سوف تتبوأ حينها مكانة إن حضر لا يعد وإن غاب لايفتقد. ففي السياسة لا توجد أحقاد، وإنما مصالح، فإذا كان لدى الأوكرانيين حقد تجاه روسيا، فإن مصلحة أوكرانيا تقتضي التصالح مع الروس. فالاوكرانيين يعملون بالملايين في روسيا، وتعد حوالاتهم مصدر دخل مهم لبلدهم، كما أن المساعدات التي تغدق بها روسيا على الشعب الأوكراني، لا تستطيع أوروبا مجتمعة على إعطاء نصفها، فما الذي يدفع الأوكرانيين لمحاولة الخروج عن ما يعدونه التبعية للروس وربما تكون روسيا قد أخطأت في تعاملها مع أوكرانيا في السابق، ولم تول لها الإهتمام الكافي والضامن لإبعادها عن التمحور ضدها مع الدول الغربية. إلا أن ذلك لا يعد سببا كافيا لأن تذهب أوكرانيا هذا الموقف المتطرف من روسيا، فمصالح البلد ينبغي معها غض الطرف عن الكثير من الأمور، وإن كانت غير مستساغة. ويمكن القول، أن لا مستقبل لأوكرانيا بعيدا عن روسيا وعاجلا أم آجلا، سوف يجلس الفرقاء لتسوية خلافاتهم، وفق مبدأ هذا لك وذلك لي، وكأمر معتاد في العلاقات الدولية، فإن للدول العظمى مناطق نفوذ تحيط بدولها، لا يمكن التخلي عنها بأي حال من الأحوال، وعلى هذا الأساس، فإن جميع الدول تعترف بنفوذ روسيا على أوكرانيا، باعتبارها تقع ضمن حدود الأمن القومي للروس، وإنما يتم استخدام كييف لغرض التحرش والمساس بهذا الأمن. وإذا ما أصرت الدول الغربية على ضم أوكرانيا لمحورها، فمعنى ذلك تشظي هذه الدولة لأجزاء شرقية وغربية، وسيكون مكسب الأوكرانيين في الجزء الشرقي من بلادهم، الحصول على الجواز الأوروبي، الذي يؤهلهم للعمل في المصانع الأوروبية، مثلهم مثل اللاجئين في القارة العجوز من كل صوب وحدب. فأمام جسد الدب الروسي الغليظ، ستتكسر العصا بيد الغرب إلى شظايا، يصعب لمها من جديد، عندها ستبحث الدول الغربية عن أداة أخرى لضرب الروس، بعد ما تصبح أوكرانيا جزءا من التاريخ‏

وضرورة التقليل من الدول الأخرى عامدا ..حتى لا نقع في فخ الغرق في أحلام ذهب ‏الولايات المتحدة الأمريكية الخادع…فأمريكا كقوة كبرى لغتها الأولى هي المصالح الأمريكية ..ولا ضير مع تلك المصالح أن تقدم لنا ‏أو لغيرنا بعض الدعم في بعض المسارات المتنوعة ..طالما ليس في الأمر ما يخالف قوانينها أو يعرض ‏ربيبتها الحبيبة إسرائيل للضرر أو الخطر ..وهنا مكمن الخطر في اللعب في القوى الكبرى …وهو أننا نسقط في وهم الانقياد الخيالي غير الواقعي لقدرات تلك القوى واشتراطاتها لتقديم ‏المساعدة لنا …ونركن إلى النوم في العسل الرديء الذي اعتدنا أن ننام فيه ..فلا نكاد نفيق…لنترك آلياتنا ‏البطيئة والمهملة تقود مسارات حياتنا لعقود أخرى ببطء وتراخ ..انتظارا لكي تمطر سماء أمريكا على ‏رؤوسنا ذهبا وفضة ودولارات خضراء بلا حدود … وكفاية علينا اللهاث وراء رغيف العيش وياميش ‏رمضان وحلوى المولد وأسعار الفاكهة وأسعار اللحوم ورفع الدعم وغيرها وغيرها من مظاهر ‏الاستهلاكية البغيضة التي لا تربطنا بالعواقل من بني البشر.. لنغرق سنوات أخرى وسنوات في متاهات ‏توفير الغذاء للمواطنين ..وكأن الحكومة دورها هو توفير المأكل وكأن المواطن دوره استهلاك المأكل … ‏وهذه نقيصة خطيرة ..فما يفرقنا إذن عن الدواب ؟..وما يبعدنا غير كبير وخطير عن مسارات العمل الإنسانية المبدعة ‏التي نستحقها والتي تجعل لنا دورا باقيا وعميقا ايجابيا في حركة التطور الإنسانية العالمية؟

للأسف هذه هي الحقيقة …أمريكا قوة عملاقة ودولة عظمى..لكنها لا تعطي من فراغ ولا إلى فراغ ..إنها تعطي بحساب ‏وتحكم المصالح ..وتراقب الأداء المقابل ..وتحاسب على ما تعطي بشكل رقابي عميق ….فهل نحن على استعداد للتعامل مع أمريكا ؟ أو ألمانيا ؟ أو فرنسا ؟ أو الصين ؟ أو روسيا ؟ أو أو ‏أو؟ الامتحان صعب جدا على القيادة السياسية والتنفيذية….فخيار الانفتاح على الاستثمار الأجنبي خيارا حيويا واستراتيجيا ليس منه بد ..ولا بديل عنه .. لكنه ‏خيار مرهق ومزعج جدا لبلاد مثل بلادنا ….ومجتمعات كمجتمعاتنا ….لأننا لدينا مشكلة في العمل الإداري العام ..عميقة ولم نستأصلها بعد .. وبالقطع الجهاز الإداري هو ‏الذي يحكم على نجاح التعامل مع الآخر سواء الاستثمار أو السياحة أو غيرها …فهل تغير في نمط الإدارة ‏شيء ذو بال؟ وهل تغير في نمط الروتين البغيض المعوق أي شيء؟ثم ..إن المناخ الاستثماري يعتمد على شعور الأمن واستقرار عملية الإنتاج والعمل الاستثماري ‏في بيئته .. فهل أحكمت المؤسسات الأمنية قبضتها على البدو والعصابات التي احترفت الإغارة على ‏المشروعات والمزارع في المناطق النائية؟ ‏
و هل توقفت حالات التعدي من البدو أو قطاع الطريق على مشروعات قائمة بالفعل لنهبها أو ‏سرقتها أو فرض إتاوة عليها وكأننا نعيش مع طرازان في الأدغال؟ثم إن هناك أمرا لا يقل أهمية ولا خطرا من ذلك ..وهو سلوك المواطن نفسه في الشارع ..هل حدث تغير ذا شأن في مسلكيات الناس في الشارع بما يوحي بانفتاح البيئة العامة على الآخر ‏بشكل إيجابي؟وهل يتحرك الزائر والسائح بأريحية ..ولا يقع فريسة للابتزاز والاستغلال ؟

ايران وكلفة اللعب مع الكبار -عندما قدّم وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، عرضه لـ«صداقة» إيران، مشفوعاً بدزينة من الشروط المذّلة، صِيغَت بلغة «صك إذعان»، قلنا في هذه الزاوية، إن «صداقة» واشنطن أكثر كلفة على إيران من «عداوتها»… شروط بومبيو، لن تبقي من إيران، ونظامها السياسي، حجراً فوق آخر وخاصة أننا نعرف، مثلما يعرف كثيرون، أن شروط واشنطن من النوع «المتناسل» الذي لا يتوقف عن «التكاثر» حتى يرتدي «الوليّ الفقيه»، «الجينز» ويعتمر الرئيس روحاني قبعة «اليانكي» الأمريكي إيران تواجه اليوم، تحدٍيا من نوع آخر، إذ سيتعين عليها اختبار كلفة «صداقة» موسكو كذلك، ووضعها في كفة مقابل كلفة فض «تحالف أستانا» وتكبد أعباء «عداوة» الكرملين، ومواجهة القيصر، بدءاً من الساحة السورية.. هنا أيضاً، تبدو أن كلف الصداقة، أكثر فداحة، أو لا تقل في أدنى تقدير، عن كلف العداء والمواجهة. بل وذهبت طهران أبعد من ذلك، عندما نفت أن تكون قواتها قد تعرضت لهجمات إسرائيلية، أو أنها بادرت بشن هجمات على إسرائيل، بل وأن يكون ضحايا إيرانيون قد سقطوا بنتيجة الضربات الإسرائيلية، في لهجة انسحابية ظاهرة، تبرز عمق مأزق إيران مع «حليفها» الروسي، وتعكس كلفة هذه الصداقة على حياة الإيرانيين ودور بلادهم المكلف جداً في سوريا.إيران لم تختر «عداوة» واشنطن، الأخيرة فرضتها عليها، وهي ليست قادرة على دفع فاتورة «صداقتها» في الوقت ذاته…

بيد أن إيران هي من اختارت «صداقة» موسكو، إن جاز لنا أن نسمي ذلك «اختياراً» في ضوء ضيق مساحة الخيارات الإيرانية في مواجهة الهجمة الأمريكية الإسرائيلية الضارية عليها….

لكن إيران تكتشف يوماً بعد يوم، وبالطريقة الصعبة، أن كلفة هذه «الصداقة» باهظة للغاية، وهي بصدد وضع مكتسباتها في سوريا، في ميزان الربح والخسارة، ولكن من منظور شمولي أكبر وأوسع…فالتفريط بها في هذه الوقت السيء لإيران، ليس خياراً، سيما في ضوء ما ينتظر طهران من مواجهات متعددة الساحات والأدوات مع الولايات المتحدة، لكن الاحتفاظ بها والإبقاء على عراها المتينة، يتطلب دفع ثمن مؤلم، في سوريا، ومن «حساب المكتسبات» المكلفة المتحققة في السنوات الثماني الأخيرة.

في المشهد الإقليمي.. إيـران تـسقط في شرك اللعب مع الكبار-تستمد الفيسفساء قيمتها من قدرة مبدعيها على صياغة أشكال ورسوم بالغة الدقة من مكونات بالغة الصغر، وهى تحتاج الى الكثير من الوقت والصبر والمثابرة، وهو نفس ما ينطبق على السياسة أو على التحليل السياسي،تستمد الفيسفساء قيمتها من قدرة مبدعيها على صياغة أشكال ورسوم بالغة الدقة من مكونات بالغة الصغر، وهى تحتاج الى الكثير من الوقت والصبر والمثابرة، وهو نفس ما ينطبق على السياسة أو على التحليل السياسي، فالسلوك السياسي اليومي قد لا يساوي شيئًا ما لم يكن في سياق مشروع استراتيجي كبير يمتلك صاحبه الرؤية لصياغته والارادة لبنائه والقوة لصيانته بعد البناء الايرانيون هم صناع سجاد معروفون بدقة تصاميمه وروعة رسومه، التي تتطلب من صانعها الصبر والجلد والنفس الطويل، الأمر الذي انعكس على رؤيتهم للاستراتيجية وفهمهم للسياسة، لكن رصدا دقيقا للمشهد الاقليمي الراهن في ضوء أزمات تحدق بطهران، قد يشير الى تشابك الخيوط، واضطراب النسيج، وتداخل الالوان، حتى باتت اللوحة وكأنها تستعصي على صانعها، فلا يدري ما هو صانع، أو تلتبس عليه الرؤية فينقض غزله بيديه هذا ما يحدث الآن في طهران بحسب مراقبين، فثمة أوراق كثيرة سقطت في حجر طهران ذات لحظة من التاريخ، بدا معها وكأنما يحارب الآخرون لتربح ايران، حدث هذا في الغزو الامريكي لافغانستان عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حين تخلصت طهران من خصمها اللدود ممثلا في نظام طالبان، دون طلقة ايرانية واحدة، ثم حدث في ابريل عام 2003 حين تمكنت القوات الامريكية الغازية من اسقاط نظام صدام حسين في العراق، للتخلص ايران في عامين فقط من اثنين من ألد اعدائها، وتنطلق بعدها لمد جسور العلاقة الخاصة مع فصائل في افغانستان والعراق، بدا معها وكأن الرئيس الامريكي جورج بوش الابن، كان يحارب من اجل ان تنتصر طهران، بل ان الايرانيين راحوا يتصرفون بعد ذلك وكأنما وجود المزيد من الجنود الامريكيين في افغانستان والعراق، يجعلهم بمثابة رهائن في قبضة ايران المجاورة، فانطلقوا باتجاه امتلاك ادوات الهيمنة الاقليمية، والتأثير في الأحداث، سواء من خلال التحالف مع النظام السور(الاسد الأب ثم الابن)، او من خلال ذراعهم العسكري في لبنان ممثلا بحزب الله اللبناني بزعامة حسن نصر الله، او من خلال فصائل فلسطينية مسلحة، استطاع الايرانيون توظيفها لخدمة مصالحهم سواء بالفعل أو بالامتناع عن الفعل.
في خضم حالة من الزهو والاستقواء تحت تأثير التخلص من عدوين لدودين في افغانستان والعراق بأيدي وسلاح وأموال الولايات المتحدة، انتقل الايرانيون الى محاولة تكريس مكاسب اللحظة، لتصبح جزءًا من رصيد لهم في السياسات الاقليمية والدولية، فكان الملف النووي الايراني، بكل ما صاحبه ، ومازال، من ضجة، أحد أوراق اللعب مع الكبار، ثم كان استدعاء قضية الجزر الاماراتية الثلاث ، ومسمى الخليج الفارسي، ضمن محاولات تكريس تلك المكاسب، باستخدام الورقة النووية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

إيران التي تخشى من سقوط حليفها الأسد في سوريا، تحاول استفزاز دول مجلس التعاون الخليجي في أكثر من موضع، تارة عبر التدخل بإثارة أحداث عنف وقلاقل في مملكة البحرين المجاورة التي زعم بعض ساسة طهران تبعيتها لإيران، وتارة عبر محاولات تكريس واقع جديد في الخليج بالإصرار على ادعاء السيادة على الجزر الإمارتية الثلاثة طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، حيث أعلن الادميرال علي فدوي قائد البحرية الايرانية قبل يومين عن نشر أنظمة هجومية ودفاعية على الجزر الاماراتية المحتلة، فيما يجري الإعداد داخل البرلمان الايراني لمشروع قانون بتشكيل محافظة تحمل اسم «الخليج الفارسي» تكون عاصمتها جزيرة أبو موسى، وقال فدوي ان الحرس الثوري الإيراني قام بنشر عناصر تابعة لمشاة البحرية فوق الجزر «الاماراتية» الثلاث تأكيدًا لأهمية تلك الجزر في الدفاع والهجوم بالنسبة لإيران على حد قوله . طهران إذن تعمد إلى التصعيد مع جوارها الإقليمي في الخليج، وكذلك على حدودها مع اذربيجان التي حشدت دباباتها تحسبًا لعمل عسكري ايراني ضدها عقب تسريبات عن احتمال استخدام قواعد جوية أذربيجانية من قبل إسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية,ثمة جوار ملتهب مع إيران، وثمة تحالفات مهددة بالسقوط حال انهيار النظام السوري، وثمة مواجهات محتملة مع المجتمع الدولي بشأن الملف النووي المثير للجدل، وفي وسط كل هذا، يبدو صانع السجاد الإيراني وكأنما قد نفد صبره واختلطت عليه الصور، وتداخلت وتشابكت بين اصابعه الخيوط.. فقد استهواه اللعب مع الكبار، دون ان يتحسب لعواقبه، فبدا كفراشة تحوم حول نيران ستحرقها.
حُمّى التحركات السياسية تستبق صيف الشرق الأوسط الملتهب، فبعد توصّل ترامب إلى التشكيلة النهائية لفريق إدارته الذي سيخوض معه معاركه الفاصلة مع عدد من الأعداء التاريخيين للولايات المتحدة-على رأس قائمة الأعداء هؤلاء تتربع روسيا وكوريا الشمالية وإيران- وبعد لقاءات مهمة مع قيادة الهرم الأوروبي “بريطانيا وفرنسا وألمانيا”، أوفد ترامب وزير خارجيته الجديد ” مايك بومبيو” في جولة إلى المنطقة تشمل السعودية والأردن وإسرائيل برسائل مختلفة لكنها تدور جميعها حول أولويات السياسة الأمريكية حاليا والمتضمنة أربع قضايا أساسية:

1- تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، ومنع إيران من السير نحو امتلاك القوة النووية بإلغاء الاتفاق النووي الموقّع معها، كذلك إغلاق الممر البري الواصل بين طهران وبيروت.

2- إحلال الاستقرار في العراق وسوريا، البلدين اللذين تعبث إيران بأمنهما، وتسيطر على حكامهما.

3- هزيمة فلول تنظيم الدولة، وضمان عدم ظهوره مرة ثانية.

4- إخماد الحرب الأهلية في اليمن، فالإدارة الأمريكية تتعرض لضغوط شديدة داخليا في وضع قيود على بيع الأسلحة للسعودية التي تسببت بكارثة غير مسبوقة في هذا البلد الفقير أصلاً.

“كفى” بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” كانت هي الرسالة البسيطة التي حملها وزير الخارجية الأميركي الجديد لوزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” و”شجار الصبيان” الذي افتعله ابن زايد وابن سلمان داخل مجلس التعاون الخليجي مع قطر “يجب أن ينتهي”، ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الأمريكية، أنّ صبر واشنطن حول هذا الخلاف بدأ ينفد، وأنه يجب فك الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على الدوحة منذ شهر حزيران يونيو الماضي.

“شجار الصبيان” لعلّه أدقّ وصف يمكن أن يوصف به ما تفتّق عنه فكر ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” بمشورة ابن زايد، في حفر ساقية بين بلاده وبين الدولة الجارة قطر، وتحويلها إلى جزيرة في البحر، بعد أن باءت مخططاته في غزوها واحتلالها عسكريا بالفشل، في قصة أشبه بما كان يجري في حروب القرون الوسطى أيام الحصون والقلاع.

لنقل إنّ قطر كسبت المعركة، وإن الأمير السعودي بدأ يتجرع مرارة الذل والخيبة، فمئات المليارات التي أهدرها من ميزانية الشعب السعودي لكسب رضا ترامب لم تنفعه، وجولته “الهوليودية” لتسويق نفسه في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ذهبت أدراج الرياح، وطمرتها رمال صحراء فهمه السقيم بالمصالح والعلاقات الدولية، وأولويات السياسة العالمية .

درس اللعب مع “الكبار” سيكون قاسياً على الأمير السعودي “الصغير”، سيضطر لردم ساقيته التي أراد اللهو بها على شاطئ بحر أوهامه، وسيذهب ليلهو مع “هيئة الترفيه” المهمة الوحيدة الموكلة له الآن في تغيير ثقافة المجتمع السعودي، وتطويعه للقبول بعملية التطبيع القادمة مع إسرائيل.

هذا الدرس سيعيد النظر في أهلية ولي العهد لقيادة بلد عربي كبير مثل السعودية؛ فحياته السياسية “القصيرة جداً” أثمرت حتى الآن حرباً في اليمن، وحصاراً على قطر,سيخرج علينا الإعلام السعودي ومحللوه السياسيون بالتطبيل للانتصار السعودي على قطر، وأنها نالت ما يكفيها من العقوبات، وأنه استناداً لأخوّة الشعبين وحرصاً على حياة الأشقاء في قطر، فإن إجراءات فك الحصار ستبدأ قريباً.

كانت تسمية آخر قمّة لجامعة الدول العربية التي انعقدت في السعودية باسم “القدس” أكبر مخادعة وتمويه يقوم به الملك سلمان للتغطية على تصريحات ولي عهده المنتظر التي صرّح بها في واشنطن، فالأمير يقول: إن الشعب الإسرائيلي له الحق في العيش في بلده المسالم، وله الحق في امتلاك أراضيه الخاصة به، وإن السعودية ليس لديها مشكلة مع اليهود، وإنّ إسرائيل تعتبر اقتصادًا كبيرًا مقارنة بحجمها، وهي اقتصاد متنامٍ، وبالطبع هناك الكثير من المصالح التي نتقاسمها مع إسرائيل…كيف يتفق هذا مع الحرص على مصالح الشعب الفلسطيني؟ واستعادة القدس موطن المسجد الأقصى؟ وهل سيستطيع الملك سلمان الاستمرار في التغطية على سقطات ولي عهده إلى أن يموت أو يتنازل له عن الحكم طوعاً أو قسراً؟ لا يبدو هذا ممكناً، وقد يحدث داخل العائلة المالكة السعودية ما يصحح هذا الوضع الخطير.

أثار انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق الشامل لتسوية قضية البرنامج النووي الإيراني، الذي تم التوصل إليه عبر مفاوضات مضنية انتهت فى مايو/ أيار 2015، لغطا كثيرا في العديد من الأوساط، على الرغم من أنه كان متوقعا، وفي مقدمة قائمة من إنجازات سلفه باراك أوباما التي وعد ترامب بإلغائها وبالنظر إلى أن العديد من الأطراف الدولية كانت قد وقعت على الاتفاق بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فقد كان هذا مدخلاً طبيعياٍ لدى العديد من الجهات بما في ذلك الأمريكية منها، لانتقاد قرار ترامب من زاوية الانعكاس السلبي على مصداقية الاتفاقيات الدولية، أو على الأقل الاتفاقات التي توقعها الولايات المتحدة، ومدى التزام الأطراف الموقعة عليها، ويذهب البعض أبعد إلى أبعد من ذلك بالقول إن سلوك ترامب يعزز وجهة النظر القائلة بأن اتفاقات الحد من انتشار السلاح النووي ليست جادة بما فيه الكفاية، وأنها لا تعدو أن تكون وسيلة للتوظيف والاستثمار السياسي والاقتصادي، وتتحكم فيه أمزجة صانعي القرار الدولي وتقديراتهم المصالحية. ما يدفع للاعتقاد بأن الذرائع التي سيقت في معرض تبرير الاتفاق ابتداء، بل وحتى إلغائه، لم تكن مقنعة إلى الحد المقبول، ما يستدعي النظر إلى مثل هذه السياسات بالكثير من الواقعية، وتجنب الإفراط في التشاؤم أو التفاؤل كليهما، دون معطيات ونتائج ملموسة. غير أن ما ساقه ترامب في معرض تبريره للانسحاب من الاتفاق، كونه لا يحول دون تطوير إيران قدرات نووية بعد عام 2025، وخلوه من بنود تلجم نفوذ إيران فى سورية واليمن ولبنان، وتضع حدا لبرنامج الصواريخ الباليستية، يدعو للتساؤل حول ما كانت ستجنيه الولايات المتحدة من الاتفاق، أو جنته بالفعل خلال السنوات التي مرت على توقيعه، وما إذا ما كانت هذه المسائل لم تؤخذ حقا بعين الاعتبار، أو بعبارة أخرى أن الاتفاق “يمثل أسوأ الأمثلة على الاسترضاء المزري” كما قال السيد بولتون، مستشار الأمن القومي وأبرز المشككين في الاتفاق، والمؤيدين لإلغائه , بالنسبة لأوروبا يمكن بسهولة تفهم قلق الأوروبيين وانزعاجهم من انسحاب الأمريكان من الاتفاق، والتهديد بالعودة للعقوبات، فالأوروبيون سبق أن وجدوا فيه متنفسا من الاحتكار الروسيّ لموارد البترول والغاز، وفرصة لتبادل الاستثمارات مع إيران، خاصة بعد رفع القيود عن 165 مليار دولار من أرصدتها المجمدة، ما كان سيعطي الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني من الركود جرعة جيدة من الانتعاش، ومن هنا يمكن فهم ما قاله اللورد نورمان لامونت، رئيس الغرفة التجارية البريطانية الإيرانية، في تعليقه على قرار ترامب بأن العلاقات التجارية بين لندن وطهران تمضي بصورة طبيعية، لكنه أضاف: “سيخيب ظن الكثير من الناس جراء هذا (قرار ترامب) وأعتقد أن هذا القرار خطير للغاية .لكن فرضية أن أوروبا استفادت بالفعل من الاتفاق تطرح بالضرورة تساؤلا جديرا، حول ما إذا كانت أطراف أخرى قد تضررت منه؟ والحقيقة الماثلة هنا، هي أن إيران تمارس بالفعل سياسات خارجية ألحقت الكثير من الأضرار بعدد من البلدان بما فيها الحليفة للولايات المتحدة، والأمثلة أكثر من أن تحصى، كالعراق وأفغانستان واليمن والمغرب (مؤخرا). وفي حين تبدو سوريا الساحة الأكثر جدية وخطورة نظرا لكونها تكمل هلال النفوذ الإيراني وامتداده حتى البحر المتوسط، فإن مما لا شك فيه أن السعودية، وهي الحليفة الأهم للولايات المتحدة في المنطقة، باتت تحت التهديد الإيراني المباشر، وهي تعاني الكثير بعد تورطها في الصراع مع الحوثيين في اليمن، الذين استهدفت صواريخهم الإيرانية الصنع، مراراً قلب العاصمة الرياض، والسعوديين اليوم يشعرون بالمزيد من الخيبة والإحباط نتيجة للخذلان الغربي، والأمريكي على وجه التحديد، والذي ازداد أكثر بعد فشلهم في الحد من نفوذ حزب الله، بعد نتائج الانتخابات الأخيرة هناك.

في كل سياساتها تلك، من المؤكد أن إيران لم تستعن بالقنبلة النووية، بل على العكس من ذلك كما يرى كثيرون، فإن الاتفاق النووي بدا وكأنه أطلق يدها، أي يد إيران في المنطقة، وأمدها أكثر بتخفيف قيود الحصار الاقتصادي والدبلوماسي، والإفراج عن أرصدتها المجمدة، لتستخدمها في متابعة تنفيذ سياساتها المدمرة وهكذا ففي حين ترى أوروبا ودول أخرى أن مصلحتها تكمن في الحفاظ على الاتفاق وتحسين شروطه، فإن البعض الآخر يرى فيه ثغرات خطيرة كونه لم يأخذ بالاعتبار لجم إيران، الدولة التي أسست استراتيجيتها القومية على ركيزة خلق الخلاف وزعزعة الاستقرار ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما في كل مكان تستطيع الوصول إليه؟ من طرف إيران تحديدا فإنها وحدها هي التي تعرف تماماً قدر نواياها الحقيقية في هذا الصدد، فهي ربما كانت بالفعل لا تعمل على إنتاج الأسلحة النووية. لكنها ماضية قدما لتهيئة المجال تماماً من حيث تأمين القدرات التقنية، والصناعية، والموارد اللازمة لإنتاج مثل هذه الأسلحة إذا ما قررت المضي قدماً على هذا المسار، وهي تتحدى دائما بأن لديها القدرة الكافية لتنفيذ تهديداتها، وأنها قد أصبحت بالفعل قوة صاروخية كبرى في منطقة الشرق الأوسط، ويمكنها استهداف كافة حلفاء واشنطن في المنطقة , ربما يبني البعض تفاؤله حيال انسحاب ترامب من الاتفاق على ما يعلنه صقور واشنطن، ومن أبرزهم جون بولتون، عن اعتقادهم أن السياسة الواقعية الوحيدة التي يتعين اعتمادها إزاء إيران هي سياسة تغيير النظام الحاكم هناك قبل أن يتمكن الخمينيون من بناء الترسانة النووية الحقيقية. وأنهم يعتقدون أنه يمكن تحقيق تلك الغاية عبر مزيج من الضغوط العسكرية والدبلوماسية المقترنة بالدعم المعنوي والمادي من قبل الحركة المؤيدة للديمقراطية في الداخل الإيراني.

لكن هناك بالمقابل من يرى عدم الاستعجال أو الإفراط في التفاؤل، وقد أوضحت هذا الاتجاه تغريدة لجمال خاشقجي نشرها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، تويتر، قال فيها: “الاحتفالية المبالغ فيها بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي مستعجلة، فالذي يهم السعودية هو إطلاق يد ايران في المنطقة فهل سيفعل شيئا حيال ذلك؟ ربما، ولكن تجارب الماضي تقول غير ذلك وربما كان من المبكر الاعتقاد أن ثمة سياسة أمريكية جديدة في المنطقة، أو تجاه إيران على الأقل، وإذا ما صحت الأنباء عن قرب انسحاب الأمريكيين من سوريا، وإسناد دورهم هناك لجهات أخرى لم يتضح بعد، ما إذا كانت الحلفاء الكرد، أم الحليف الأقدم تركيا، فمن الواقعية بمكان انتظار النتائج التي ستسفر عنها الإجراءات والتهديدات التي وعد ترامب باتخاذها، وما إذا كانت كافية لتلجم إيران وتكف شرورها عن المنطقة؟

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب