23 أبريل، 2024 8:37 م
Search
Close this search box.

كيف يتسنى لنا معالجة القضايا الأساسية المتعلقة بهوية الطبقة الوسطى؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

“……كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا “
أصحاب الدخل المتوسط أو بما يسمون ب”الطبقة الوسطى” في المجتمع العراقي خاصة، هم الطبقة الوحيدة المتأرجحة في البلد من ناحية الاستقامة والإبدال، حيث تتميز هذه الطبقة من الناس بأن البعض منهم يعيش في هذه الحالة بين”مد وجزر” كالصعود إلى طبقة الأغنياء تارة والتدحرج إلى طبقة الفقراء تارة أخرى، والاختفاء غدرا أو هجرا في أحيان كثيرة، وهذا التأرجح يتوقف على عدة عوامل من بينها:
طبيعة النظام السياسي في البلد، وطبيعة علاقات البلد الخارجية والاقليمية والداخلية، وطبيعة الازدهار الاقتصادي والتقني والزراعي والصناعي والتجاري، وعلى طبيعة الأنظمة والقوانين التي تتبعها الدولة في الخدمة العامة والعمالة والضمان الاجتماعي والتقاعد وقوانين القضاء على البطالة، وعلى طبيعة المهنة التي يمتهنها بعض الناس من هذه الطبقة ودوافع فرص نجاحها ونكوصها، وعلى طبيعة نمط الحالة البرزخية الواقعة بين نظامي حكم ساقط ومتبوء، كما إن للثورات والانقلابات وحالات الغزو لها الأثر الكبير والبارز في طبيعة تقلبات الاشخاص في هذه الطبقة، كما إن للحروب وتفشي ظاهرة الفساد والإقتتال وضعف الرقابة ومراقبة الأداء سهم اوفى في تغيير جغرافية وملامح هذه الطبقة، وفي جميع الأحوال لم يصل أصحاب هذه الطبقة في العراق وعلى مر الازمنة السياسية من تاريخ حكم العراق وإلى يومنا هذا إلى حالة النموذج العالمي المثالي أو على الأقل إلى حالة الاستقرار النسبي الا ما ندر.

  وبمقارنة بسيطة بين هذه الطبقة وبين الطبقات الوسطى الأوربية وفئاتهن المناظرة نجد أن الفرق واضح جدا من ناحية نمط العيش وطبيعة القدرات الشرائية وقوة مستوى دخل الفرد، ومن حيث أن نمط الحياة الأوربية لتلك الطبقة يتصف بالوصول لدرجة الاكتفاء المادي الذاتي للأشخاص وبإعتدال ضغط الحاجات الانسانية اليومية التي ارتقت إلى درجة الكمال للحد الذي يصح أن يطلق عليه بالحالة القياسية أو النموذجية من حيث تحقيق الذات والتي يمكن أن تتخذ كمعيار ومقياس نوعي للطبقات الوسطى الواقعة خارج المنظومة الأوربية، فمستوى التعليم والصحة والإسكان والمواصلات والإعاشة والخدمات البلدية والانسانية هناك مستوى يكاد يكون وقد بلغ الذروة والكمال مقارنة لمعاناة هذه الطبقة في العراق التي ماتزال غارقة في مستنقع البؤس والكفاح، ولا تقف هذه الخصال عند هذه الطبقة فحسب، بل يمتد التباين لطبقتي الاغنياء والفقراء، فضلا عن تراجع مساحة وحجم الطبقة المتوسطة في العراق لحد الضآلة قياسا بنظيراتها في دول الاتحاد الأوربي التي اتسعت مساحاتها لتضم بين ثناياها الكتلة الأكبر من الشعب، وهذه واحدة من مقاييس الرفاهية والازدهار والرقي للوطن والشعب والعكس هو الصحيح، أي عندما تكون رقعتي طبقتي الأغنياء والفقراء هن الأوسع والأكبر كما هو الحال في العراق.

   تبعا لهذا فقد اتضح لدينا أن القاعدة قد أفضت إلى أنه كلما اتسعت رقعة الطبقة الوسطى في البلد وفي أي بلد تضاءلت قبالها رقعة طبقتي الأغنياء والفقراء، وهذا يعني ويبشر بتضييق مختلف الاقطاعيات الزراعية والصناعية والتجارية والسياسية والاجتماعية، وتضييق إتساع رقعة الفئات المعدومة والمحرومة الواقعة ضمن طبقة الفقراء، ويعني كذلك ازدهار البلد اقتصاديا وتنمويا واستقراره اجتماعيا وماديا وقانونيا وثقافيا، من حيث أن الدولة ومن خلال حكوماتها تستطيع أن توفر الأرضية الخصبة لمكافحة الآيدولوجيات التي تساهم في نشر حملات التبشير الدينية والسياسية والهجروية الدخيلة التي ما من شأنها إن ترعرعت في البلد تقلب الموازين المتبعة فيه رأسا على عقب لصالح الأجندة المعادية للعراق بمحاولة تضييق هذه الطبقة وتصغير رقعة مساحتها لحساب الطبقات الاخرى التي تساهم بكل تأكيد في حال اتساعهن بزعزعة البلد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وامنيا وزعزعته على مختلف الصعد الاخرى، بالإضافة إلى اجتثاث جميع مرتكزاته.

  فعلى الدولة أن تسعى جاهدة للسعي على توسيع رقعة هذه الطبقة من خلال اصدار القوانين التي تحقق الاستقرار والعدل والمساواة وحسر ظاهرة الفوارق الكبيرة والتباين في رواتب الموظفين من خلال تطبيق سلم رواتب موظفي الدولة الذي يجب أن يكون منصفا غير مجحف ليتحقق الاصلاح الناجز وليعم الخير على الجميع.

  اما سياسة تخفيض الرواتب وإلغاء بعض المخصصات من بعض الاشخاص الذين يمثلون سواد هذه الطبقة بحجة إزالة التفاوت بين رواتب الموظفين فهي سياسة مبيتة وغير محسوبة تعارض وتحيد دور الطبقة الوسطى في بناء الدولة والمجتمع، والمساهمة بقصد أو بغير قصد بتضييق هذه الطبقة وحسر دورها بالنهوض بالبلد اقتصاديا وثقافيا وسياسيا واداريا وتقزيم رقعتها لحساب اتساع طبقتي الأغنياء والفقراء، وكذلك تجافي دور الطبقة الفقيرة من النهوض بنفسها ومنعها من الالتحاق بركب الطبقة الوسطى، فعلى الحكومة إذا ارادت الاصلاح فعلا، أو ارادت توسيع رقعة الطبقة الوسطى أن تبتعد عن سياسة تخفيض مرتبات ومخصصات الطبقة الوسطى في سلم الرواتب إن ارادت الخير للوطن والمواطن، وبدلا من هذا عليها أن تسعى لرفع مرتبات ومخصصات من كانت رواتبهم ومخصصاتهم منخفضة قياسا بأقرانهم من نفس الطبقة على المستوى المحلي والاقليمي، وكذلك الاعتناء برفع رواتب ومستوى دخل الفرد في الطبقة الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود لتلافي التباين الكبير في مستوى الدخل بين هاتين الطبقتين إن ارادت خير البلاد والعباد.
 
  ويبقى سلم رواتب موظفي الدولة المنصف مطلب وطني وشعبي وانساني وخدمي، وهو الفيصل الذي يحمي الطبقة الوسطى وطبقة الفقراء وذوي الدخل المحدود من تسلط وعبودية الاقطاع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، ويساعد الدولة في إعادة بنيتها الإقتصادية والاجتماعية والتقنية والبشرية والخدماتية.
 
  وخلاصة القول إذ أنه إذا سأل سائل:
 “كيف يتسنى لنا معالجة القضايا الأساسية المتعلقة بهوية الطبقة الوسطى؟”
الجواب: علينا أن ننتهج عدة عوامل تقنية لمعالجة قضايا تلك الطبقة بغية الحفاظ على ملامحها منها:
الأول: العمل على التطبيق الفعال لإنتهاج سياسة أمنية عامة وشاملة للحفاظ على حجم هذه الطبقة وعلى ملامحها والحفاظ على هويتها من التلاشي، من خلال فرض الأمن والعدل والمساواة ومكافحة الاضطرابات الاجتماعية والفساد بجميع انواعه وإجتثاث جميع الظواهر السلبية التي خلفتها ظروف البلد والارهاب والفساد، والتي تساهم مجتمعة لهجرة الشباب وتفريغ البلد من طاقاته العملية والشبابية.
 الثاني: أن تحرص الدولة جهد امكانها لتبني ثقافة التعليم العالي للشباب أو على الأقل الاضطرار بقبول التحصيل الثانوي كحد ادنى للتعليم للذين لم يتوفقوا بمواصلة التعليم الثانوي، ذلك لأن هذه الشريحة هي القوة المحركة للطبقة الوسطى وبقية الطبقات، كما وبإمكانها دفع طبقة الفقراء وتحريكها للارتفاع للطبقة الوسطى، وبهذه الطريقة يصار إلى توسيع رقعة الطبقة الوسطى تلقائيا، ويبقى التعليم بأنه الاداة الاقوى التي تعزز دور سياسة الدولة في الاهتمام بهذه الطبقة ولمكافحة الفقر أيضا في البلد، وهو العلاج الناجع الذي لا يضاهيه أي علاج آخر، بلحاظ مقولة “العلم نور والجهل ضلال”.
 الثالث: أن تسعى سياسة الدولة لأن تكون دولة انمائية لا ريعية من خلال دعم قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والاعتماد على الإنتاج المحلي، وأن تسعى لاعتماد سياسة اقتصادية واجتماعية عامة لتحقيق العدالة الإقتصادية والاجتماعية شريطة ان تنفذ جميع بنود الإصلاحات التي يطالب بها المتظاهرون.
وعلى الدولة أيضا، توفير فرص عمل لائقة لجميع الشباب العاطلين عن العمل.
كما وان تكون حريصة كل الحرص بأن توفر الرفاهية اللازمة للطبقة الوسطى من خلال الحؤول على عدم تراجع المرتبات والمخصصات والأجور مهما كانت الأسباب وباعتماد سياسات مالية كفوءة يوضع فيها الرجل المناسب في المكان المناسب لا من خلال المحاصصة الطائفية والحزبية لأن في هذا الأمر غياب تام لمبدأ العدل والمساواة فضلا عن غياب الكفاءة والإنتاج.
وأن تكون حريصة على عدم انهيار الخدمات العامة في الصحة والتعليم للحفاظ على التنمية البشرية التي تساهم في زيادة دخل الدولة وضمان ولاء الطبقة الوسطى التام والمشاركة في الحياة السياسية وتحافظ على القيم الوطنية والاخلاقية.
 
  هذا وتسعى دول الاستكبار العالمي وبعض دول المنطقة لتجزئة هذا البلد الجريح وإفراغه من موارده الطبيعية وطاقاته البشرية والشبابية وكفائاته العلمية والتقنية، فهي جاهدة لتحقيق أهداف الصهيونية العالمية والاعرابية، حيث لايمكن التصدي لهذه الهجمة الشرسة حتى بوجود اقوى الأسلحة الا بتعزيز الطبقة الوسطى التي تعتبر بحق هي القوة الحقيقة للتصدي والتمكين وتحقيق تطلعات الوطن والمواطن والسير بالبلد قدما نحو الاقتصاد الرصين والاكتفاء الذاتي وفرض ذاته لبلوغ الذروة في مصاف الدول المتقدمة كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية يقف لها الجميع اجلالا واحتراما.
والله ولي التوفيق.
 
“وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب