هل نحن مجتمع متحضر؟سؤال ربما يبدو مستفزا، لكن ونحن نعيش في بلد؛ يصفه غيرنا بأنه الأسوأ في العالم، من نواح عدة، تجعلنا لا نتورع عن طرح مثل هذا السؤال..
دعونا نقبل بإسترجاعات التأريخ، التي تصفنا بأننا أول موطن للحرف، وأن هنا صنعت سفينة نوح، وأن جدنا العتيق “أوتونابشتم”، كان من الحكمة بحيث أنه إتُخذ إلها..
دعونا أيضا نتأمل قليلا، في ما تبقى من أثار، بابل وأسدها وبوابة عشتارها، أور وعقرقوف وزقورتيها..نينوى وثورها المجنح..دعونا نقبل كل ذلك ؛على أنه دليل تحضرنا الراسخ، وأننا أمة شغلت ثلثي التاريخ البشري..
دعونا..ها..لكن ثم ماذا بعد ذلك؟!
شأننا شأن كثير من الأمم، مررنا بأدوار إنحطاط، جعلت من ذلك التأريخ، أطلالا وكوم من الأحجار والأتربة، وذكريات في رؤوس بعض الآثاريين..ولأن الأنحطاط سرى في عروقنا، كنا نتغنى به، بل ونعده عصرنا الذهبي!
لعل مثال دولة بني العباس، هو أصح ما ينطبق عليه وصف الإنحطاط، فيما ما يزال فينا؛ من يثقف على أنه أكثر عصور التاريخ، التي مرت على العراق ذهبيةً، ويصفونه بأنه كان يحفل، ببريق الحضارة والأدب والفنون والمعارف، وفي رؤوسهم زرياب والمغنية ولادة.
واقع الأمر أنه عصر نهب به الغزاة، فنون وآداب الشعوب الأخرى، وأنتحلها بعضهم ، فيما سدر ولاة الأمر”الخلفاء”، في الخمر والصبيان والقيان، وعندكم هارون هذا الذي يصفونه بالرشيد، كان يدور في اليوم والليلة، على ألف من الجواري، مجربا فحولته الخلفائية!
إن الإنفصال الكبير؛ الذي حصل بين تاريخنا القديم، وبين تاريخنا المتوسط، والذي حدثتكم عن بعضه توا، لم نكن نحن سببه، بل كان بسبب غزو بلادنا المتحضرة، من قبل الأعراب!
الأعراب الذين وصفهم الخالق جل في علاه في كتابه الكريم “الأعراب أشد كفرا ونفاقا”..
سأُشتم كثيرا على ما قلته، وسأوصف بأني صفوي، مثلما وصفت من قبل، بعد نشري مقالا قبل خمسة عشر عاما، كان عنوانه “لماذا يكرهون عليا والعراق”، يومها تلقيت سيلا من البذاءة لايمكن وصفه، وتلقيت تهديدات ما أنزل الله بها من سلطان، كما تلقيت نصائح كثيرة، بعضها من ساسة كبار، بأن أترك هذا المنهج في الكتابة، لأنهم يرونه منهجا مضرا لهم، وكان جوابي لهم: وما شأني وشأنكم؟!
الواقع أني لست متجنيا، حينما أقارب هذه الحقيقة، لكنها الحقيقة التي لا تخدم كثير منا، سيما أولئك الذين أنتموا الى الإنحطاط، ولم يستطيعوا مغادرته الى يومنا هذا..وفيما يفتح العالم آفاق المعرفة في مختلف جوانب الحياة، نرى فينا من ينكص الى حيث الأنحطاط، مؤمنا أنه وليس غيره الطريق الى مستقبلنا.
إن الوريث الشرعي لعصور الإنحطاط، ماثل بيننا بالمشروع السلفي الوهابي، المُطعم بالخبث الصهيوني والغطرسةالأمريكية، وهو مشروع مجسد بنتاجه الراهن، تنظيمات الإرهاب التكفيري، والقوى السياسية المتشاطئة معهم.
ما لم نشطب على تاريخنا المتوسط، الذي لم نصنعه نحن، ونكتب تاريخا بديلا نقيا، يصف الأشياء بأسمائها، وينتقد الماضي بكل آلامه وآثامه، متخلصا من قيحه ونتانته، ويرفع القداسة عن رجاله، ويخضعهم لمعايير الحسن والقبيح، ويعاملون على أنهم بشر، فيهم المخطيء والمصيب، فيهم الطاهر والفاسق، وفيهم القاتل والمقتول، لن نستطيع أن نمضي قدما نحو غدنا.
كلام قبل السلام: هل يمكن أن نلحق بأرتيريا مثلا!
سلام…..